واقــــــع الــرواية العــــربية ومسيرة إنجازاتها

روائيون ونقاد عرب.. يحددون تحولاتها وجمالياتها        حـ »5«
واقــــــع الــرواية العــــربية ومسيرة إنجازاتها

حققت الرواية العربية خلال العقود الأخيرة انجازات فنية مبهرة وحضوراٍ كبيراٍ ومكانة بارزة جعلتها في صدارة المشهد الإبداعي العربي وهو ما جعل الناقد الدكتور/ جابر عصفور يطلق على هذا العصر بـ ” عصر الرواية” وذلك من خلال كتابه النقدي الموسوم بهذا العنوان والذي صدر قبل عدة سنوات ومع ما شهدته الرواية العربية من تطورات وتجارب  فنية مذهلة أقيمت العديد من المؤتمرات والملتقيات العربية والدولية عن الرواية العربية وقضاياها المختلفة..
ومن آخر هذه الملتقيات ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية والذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة الدورة السادسة والذي أقيم تحت عنوان  “تحولات وجماليات الشكل الروائي” وذلك بمشاركة أكثر من200 من الروائيين والنقاد المصريين والعرب وقدمت خلال أيام فعالياته العديد من أوراق العمل والدراسات والمداخلات النقدية والشهادات الإبداعية المختلفة  من  قبل المشاركين في الملتقى وقد تم نشرها في كتاب صدر عن الملتقى وفيما يلى ننشر ملخصات لهذه الأوراق والمداخلات:

إعادة بناء التراث
منى طلبة
يقوم البحث على أساس أن كل استدعاء للتراث في العمل الفني لا يعني البتة استدعاء المعاودة والتكرار بقدر ما يعني المغايرة وإعادة البناء , وذلك وفق ضروريتين: ضرورة كتابية وضرورة تداولية . فكل استدعاء للقديم في العمل الروائي المعاصر هو بالضرورة اقتطاع للقديم من سياق الذي ورد فيه, هذا السياق الذي لا يستطيع كاتبه الأصلي التحكم فيه وفي معناه أصلاٍ بفعل الكتابة نفسها التي تخرجه بالضرورة من مقام الحضور والوضوح إلى مقام تدبر المضمر, يْضاف إلى ذلك أن إيراد المكتوب القديم في سياقه مخالف يعتمد على نوع من القراءة الخاصة بالروائى المعاصر للنص القديم  وفق الشروط التداولية لعصره, أي وفقاٍ للواقع الاجتماعي والحالة النفسية .. إلخ, من جهة ووفق مكامن المعنى التي يحتملها النص القديم ولم تكتشف في إطار التداولي القديم. ومن ثم يبدو كل إستدعاء للتراث بمثابة مغايرة لا معْاودة , وهكذا ما يتحقق بامتياز في رويتي: “شوق الدراويش” لحمور زيادة, و”رحلة الضباع” لسهير المصادفة وهو ما ستحاول هذه الورقة تتبعه بالتفصيل بالوقوف على مواطن المغايرة وإعادة البناء للنص القديم بما يحييه و يتجاوزه في آن.
مثل هذا التعامل الضروري مع النص التراثي في النص المعاصر قد أطلق عليه طوراٍ مصطلح الاستدعاء وطوراٍ آخر مصطلح التناص الداخلي من قبل د.سيزا قاسم ويضيف هذا البحث مصطلح المغايرة بوصفها تشكل صلب عملية القراءة للنص القديم سواء على مستوى إعادة قراءتها وكتابتها في سياقين مغايرين زمنيا ولغوياٍ ومثل هذه الضرورة تجعل النص التراثي غير قابل للاستحواذ أو للتكرار والمعاودة.
فهو محكوم بمعضلة ابستمولوجية ووجودية معضلة القراءة ومعضلة الزمن وتتحقق هذه المقولة بامتياز في النص الفني الذي يتسم بقراءة جمالية للقديم تنأى به عن القراءة الايديولوجية وتورطه في الإبداع على غير مثال سابق.

هوامش شخصية
منتصر القفاش
منذ سنوات بعيدة تلازمني كتابة اليوميات ,في البداية كنت أكتبها بالشكل المتعارف عليه : أن أسجل ما حدث لي في يومي مع تأملات متناثرة . لكنني تدريجيا شعرت بأهميتها عندما وجدتها دائما هي الملاذ الذي أستطيع أن أحاور فيه , ليس فقط الحدث اليومي , بل ما أتلمسه وأحاول أن أتعرف عليه أو أصل من خلاله إلى بداية ما . طبيعة العلاقة بين الرواية واليوميات تشبه علاقتنا بأحلام اليقظة ,في تلك الأحلام نحلم بما نشاء ونهوى ونتخيل أنفسنا كيفما نرغب .
وقد يتحقق بعد ذلك جزء من تلك الأحلام لكن تبقى دائما أجزاء كثيرة تخايلنا  وتظل حليفنا في وقت الجدب وربما تولد أحلاماٍ أخرى , كما يتحقق منها لم ينضم بدوره إلى تاريخنا المعلن , والباقي يظل شاهداٍ على أن في الحياة الكثير مما  لم يتحقق بعد .
ومن خلال كتابة اليوميات تفهمت كيف تبدو كتابة تجربة عادية مجردة من كل “الإغراءات “الفنية , تجربة تكاد تكون “ملقاة على الطريق ” بالفعل ,وفي الوقت نفسه أستطيع أن أتكشف أن هذه العادية هي مجرد تمويه أو ستاربخفي وراءه مستويات أخرى أكثر عمقاٍ.

الشخصيات الثانوية بين التهميش والترميز في روايتي “الحرام “لـ”يوسف إدريس “وآمال عظيمة ” لـ”تشارلز ديكنز “

مني إبراهيم
تهدف  هذه الورقة إلى تقديم دراسة مقارنة للدور المهم الذي تلعبه الشخصيات الثانوية في روايتي “الحرام”لـ”يوسف إدريس” و”آمال عظيمة لـ”تشارلز ديكنز” حيث تقدم الروايتين مجموعة ثرية ومتنوعة من الشخصيات الثانوية يتفنن كلا الكاتبين مجموعة ثرية من الشخصيات الثانوية يتفنن كلا الكاتبين في خلقها . وتركز الورقة على الفرق الكبير في استخدام إدريس المتميز للشخصيات الثانوية , دون وجود ما يسمى بالشخصيات “الرئيسية “في نظريات الرواية الحديثة ,لتقديم تلك الشخصيات في ضوء واقع اجتماعي يحاول وقتها أن ينتصر للمهمشين في مرحلة ما بعد ثورة يوليو حيث تصبح تلك الشخصيات الثانوية في مجموعها هي ذاتها الشخصية الرئيسية في الرواية . من جهة أخرى , يقدم  ديكنز بانوراما رائعة لشخصيات ثانوية ذات استخدامات متعددة ولكنها تظل في نطاق التهميش والثانوية لا تتعداها وإن كانت ” ثانوية ” ذات مغزى وضرورة , في معظمها , لا يمكن إهمالها وإلا خسرت الرواية كثيرا من تماسكها وفنيتها . وهذا رغم وجود شخصيات ثانوية أخرى رسمت لذاتها , وهو ما اشتهر ديكنز بعمله في معظم رواياته  . ستقوم الورقة أيضا بمقارنه تقديم الشخصيات الثانوية في الروايتين بتقديمهما في فيلمين عن كلتا الروايتين , هما ” الحرام ” لـ”هنري بركات و”آمال عظيمة ” لـ”سارة فيلبس “وما فعله المخرجان بالروايتين في تناولهما .

المكون اللغوي في الرواية
مقاربة بالغية أدبية لرواية عزة رشاد “شجرة اللبخ”

محمد مشبال
ليس من المألوف في الدراسات النقدية للنصوص الروائية تحليل بنيتها اللغوية: بناء على فكرة سائدة مفادها أن الرواية جنس أدبي يقوم على اللغة لكنه لا يتقوم بها: أي أن اللغة في الرواية مجرد أداة لتوصيل عالم محبوك من الوقائع والشخصيات والحبكات والأمكنة والأزمنة والمشاهد وغيرها من المكونات الجوهرية لهذا الجنس السردي. لكننا مع ذلك لم نعدم دراسات دافعت عن أهمية المكون اللغوي في الجنس الروائي وقاربته من منظورات مختلفة.
في هذه الدراسة المقترحة على المؤتمر دعوة للتفكير النظري والإجرائي في درس المكون اللغوي في النصوص الروائية بناء على أن اللغة بالنسبة إلى الروائي جزء من صنعته الأدبية السردية لكن ثمة شرطاٍ ينبغي مراعاتها:
– لا ينبغي تقييم لغة الرواية في ضوء مقاييس الأحكام البلاغية التقليدية وإن كان الجمال اللغوي مطلباٍ أدبياٍ مشتركاٍ بين جميع أجناس الأدب.
– الابتعاد عن أنماط من المقاربات اللسانية والأسلوبية والبلاغية والحجاجية والتداولية .. التي تتعامل مع لغة الرواية بوصفها مجرد نماذج تمثيلية لمبادئها التحليلية ومقولاتها النظرية ومداخلها التعليمية.
– ضرورة التعامل مع المكون اللغوي في النص الروائي بوصفه مكوناٍ من مكوناته السردية التي تشارك في تشكيل المعنى مثله مثل الشخصية والحدث والمكان والزمان والمشهد وغير ذلك.   

محمود الضبع
تتنوع انجاهات كتابه الرواية العربية في العصر الحالي تنوعاٍ كبيراٍ حيث يمكن التمييز بين هذه الاتجاهات تبعا لطريقة الكتابة وتقنياتها وجمالياتها وتوجهات كتابها وانتماءاتهم إلى الوعي الجمالي لمفهوم الجيل- على نحو مرن-  وعلاقاتهم بحداثة السرد الروائي وتطوراته وبالفكر الإنساني ومنجزاته على وجه العموم.
 وتتجاور هذه الاتجاهات جميعا دون أن يهدم بعضها الآخر فما زال الإنتاج مستمراٍ في كتابات أعلام الجيل الذي واصل المسيرة بعد نجيب محفوظ والذي مثل اتجاهات متنوعة وتطورية في كتابة الرواية حتى المرحلة الراهنة والتي تشهد الاتجاه نحو الرواية الجديدة وحداثه السرد.
وليست هذه الحداثة الروائية في تطورها المعاصر منقطعة الصلة تماماٍ عن سابقتها من الميراث الروائي العربي منذ استوائه وحتى لحظته  الراهنة وليست أيضاٍ ممثلة لنهاية المطاف في سياق التطور الروائي ولكنها حلقة من حلقات التطور تتواكب مع سياق الزمن الراهن تماماٍ كما واكبت الرواية السياقات الزمنية في الخمسينينات والستينيات وما بعدها حتى نهاية التسعينيات من الألفية المنتهية.
إن قراءة المنجز الروائي الحداثي الحامل لبذور الاختلاف تشير إلى أن الرواية الجديدة في أدبنا العربي المعاصرقد اسست لعدد من الملامح والتقنيات التي تميزها على سواها من طرائق وأساليب الكتابة الروائية التي كانت سائدة ومنها تقنيات: اللغة والموضوع والوعي والشخصية والبناء المعماري والبناء الزمني والراوي وحضوره والحكاية وطرائق الحكي والغاية والهدف وهو ما تسعى هذه الدراسة لرصده عبر المنجز الروائي المعاصر.

قد يعجبك ايضا