هناك مقولة شائعة مفادها أن كل لغة يتعلمها الإنسان تجعل منه إنسانا جديدا. وفي العصر الحديث الذي ألغت فيه وسائل الاتصال والمواصلات المسافات إلى حد كبير غدا نصف سكان العالم حسب التقديرات المقبولة عامة في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة يتحدثون أكثر من لغة واحدة وهناك نسبة هامة يتحدثون عدة لغات. هذا يعني بوضوح أن التحدث بلغتين أو أكثر ليس مجرد ظاهرة هامشية في عالم اليوم كما يسود الاعتقاد.
و«التحدث بعدة لغات» هو بالتحديد موضوع كتاب «فرانسوا غروجان» استاذ علم النفس اللغوي في الجامعات الأميركية لعدة سنوات ومؤلف العديد من الكتب في موضوع اختصاصه باللغتين الإنجليزية والفرنسية. وهو يشير منذ البداية إلى أنه يولي اهتمامه بالدرجة الأولى إلى المآل المستقبلي لـ«التحدث بعدة لعات».
ويركز المؤلف على القول ان مسألة التحدث بلغتين بل وبعدة لغات غدت «شبه مفروضة» على البشر بفعل واقع «العولمة» ووجود لغات غدت ذات بعد عالمي وعلى رأسها بالتأكيد اللغة الإنجليزية.
الفكرة الخاطئة الأولى تتمثل في تلك القائلة ان «المتحدث بعدة لغات يتقن بشكل كامل تلك اللغات». ولا يتردد «فرانسوا غروجان» في التأكيد أنه «من النادر جدا» وجود مثل هذا النموذج. ذلك في الإطار الذي يعرف فيه المؤلف «مزدوج أو متعدد اللغات» بأنه الشخص الذي يستطيع «استخدام اللغات في مختلف الأوضاع ومع مختلف الأشخاص ولأهداف مختلفة». ونقرأ في تعريفه للتعددية اللغوية أنها: «الاستخدام المنتظم للغتين أو عدة لغات أو لهجات محلية في مختلف وجوه الحياة اليومية».
يشرح المؤلف أن «التحدث بأكثر من لغة» ليس مجرد تعبير عن امتلاك «أنساق لغوية متراصفة إلى جانب بعضها». لكنه بالأحرى «التعبير عن وجود إنسان يقوم بعملية تواصل حقيقي بين هذه اللغات».
ويدرس المؤلف في هذا الإطار ما يسميه «الازدواجية الثقافية» و«الهوية الثقافية المزدوجة» هذا إلى جانب إعطاء أولوية خاصة لدراسة «التعددية اللغوية الاستثنائية» للمترجمين وأساتذة اللغات الحية والكتاب المبدعين الذين يحررون أعمالهم بأكثر من لغة.
المؤلف في سطور
فرانسوا غروجان أستاذ علم النفس اللغوي لعدة سنوات في الجامعات الأميركية جامعة بوسطن خاصة كما عمل باحثا في «مختبر التواصل اللغوي» في معهد مازاشوستا التقني.. وهو مؤسس ومدير مختبر معالجة مسائل اللغة في جامعة نيوشاتل بسويسرا.