الطرق والجسور.. تحت القصف

“الدمار الواسع والموت المجاني” عنوان لحكاية تروي الحقد الأسود .. خطها العدوان السعودي الأمريكي بصواريخ طائراته  ..الذي معه تكبر المأساة اليومية  إذ لم تنجْ مدينة من مدن الأصالة والحضارة والسلام  يمننا الحبيب من رياح عاصفة العدوان … الطرق التي تربط محافظات شمال الوطن بجنوبه لم تكن في خانة الاستثناء من همجية العدوان فقد أخذت نصيبها كغيرها من منشآت الدولة المدنية والعسكرية ولم تقتصر نتائج العدوان على الطريق الرئيس بين الشمال والجنوب على الخسائر المادية والبشرية وحسب بل خلفت الكثير من المشاكل النفسية لدى السكان والمارة الذين قادتهم الأقدار لأن يكونوا شهود عيان لتلك الآثام الممعنة في العدوان..وبين هذا وذاك يبقى صمود اليمنيين وإصرارهم على الحياة غصة في قلوب المعتدين.

عبدالكريم نظاري مواطن من محافظة تعز وبالتحديد من أهالي مديرية صبر الموادم قادته الأقدار لأن يكون شاهد عيان على جرائم دولية ترتكب بحق الشعب اليمني .. كان يسكن في العاصمة صنعاء حيث مقر عمله في إحدى المؤسسات الحكومية وظل صابرا على صلف العدوان حتى نفد صبره ولم يجد له من سبيل إلا العودة إلى مسقط رأسه صبر مصطحبا  أسرته التي يعولها والمكونة من زوجته  وثلاثة أبناء وبنت واحدة إذ لم  يكونوا يعرفون النوم المعهود بسبب كثافة القصف الليلي على العاصمة صنعاء .
قبل ذلك كان الرجل يقدم في كل يوم على تنفيذ قرار الرحيل إلا أن خوفه من استهداف طيران التحالف للطرق العامة التي تربط المحافظات منعه من ذلك أما  وقد حل العناء فلا بد من تنفيذ القرار وهو ما تم بالفعل كان توجسه وخوفه من القصف لا يغيب عن باله فهو ـ كما يقول ــ يتوقعه بين الفينة والأخرى إلا أنه لم يكن ْيظهر ذلك على أطفاله حتى لا يداخلهم الرعب فظل يخفف عليهم بابتسامته المعهودة كلما سنح له النظر إلى عيون أطفاله وزوجته .. الخوف الذي أخفاه الرجل عن أسرته أظهرته طائرات العدوان وبأقصى حدود الخوف الذي لم يكن حتى ليخطر على بال فبينما كانت السيارة على بعد بضعة كيلو مترات عن مدينة إب إذ حل الدمار والخوف و الفجيعة في وقت واحد حيث طيران التحالف يستهدف المارة هناك ويدمر الطريق ـ بصاروخ ـ والمكان بكل ما فيه من مركبات  ليخلف قتلى وجرحى .
 أسرة عبدالكريم نظاري لم يكونوا ضمن تعداد القتلى أو الجرحى لأنهم كانوا على بعد من المكان غير أن الرؤية كانت واضحة للجميع ولم يستطع احد منهم أن يغمض عيون الأطفال حتى لا يكونوا موتى الخوف ومن حينها أعلن الرجل حالة الطوارئ القصوى بعد أن أصيبت زوجته بحالة هلع كبيرة أدى إلى دخولها في إغماء طويل لم تفق منه إلا بعد ساعات من وصولها إلى المستشفى أما أبنه الأكبر محمد فقد أصيب بالتشنج وما يزال حتى كتابة التحقيق في ذات الحالة رغم أخذه لجرعات العلاج .
قصف في وضح النهار
وديع عبدالحميد كان من ضمن جرحى استهداف ذات الطريق وقد أحب الشاب أن يروي التفاصيل بنفسه فقال “لم أكن من المسافرين فقد كنت ماراٍ بالقرب من الطريق الرئيس وحينما تم القصف تطايرت الشظايا التي نلت إحداها وكانت إصابتي في الفخذ وقد سلم الله أنها لم تكن في مكان آخر يمكن أن تودي بحياتي.
 ويضيف:  قبل القصف بلحظات كان الشارع لا يخلو من السيارات والمارة وهو ما أدى إلى وقوع ضحايا .
طرق غير آمنة
على طريقة الفارين من قصف التحالف للعاصمة صنعاء حدث للكثير من المواطنين الفارين من مواجهات عدن إلى المدن المجاورة التي كانوا يعتقدون أنها أكثر أمانا فقبل أيام كان الكثير من المواطنين   قد شدوا حقائبهم وحملوا أحزانهم على أكتافهم ورحلوا من العاصمة الاقتصادية عدن متجهين إلى محافظات تعز وإب ومحافظات أخرى وبينما هم في الطريق وبالتحديد في “جسر عقان” قصفته طيارات العدو مما أدى إلى تدميره تدميرا شبه كامل ليعطل الحركة من جهة ويثير الرعب في نفوس المسافرين القريبين من مكان القصف .
خسائر فادحة
الباحث الاقتصادي صادق الفقيه تحدث عن حجم الدمار الذي لحق بالطرق الرئيسية التي تربط المحافظات فقال ” في الحقيقة نحن بحاجة إلى نزول ميداني لدراسة حجم الدمار الذي خلفت طيران التحالف لكن بالتأكيد أنه ليس هينا ويحتاج إلى ملايين الدولارات لإعادة إعمار ذلك الدمار ولم يلحق الدمار الطرق وحسب بل لحق بالممتلكات الخاصة من مركبات بما فيها من أشياء خاصة ثمينة للمواطنين  بعضها ذهب ومجوهرات وقبل الخسائر المادية هناك خسائر بشرية كبيرة وهذه بالعشرات الأمر الذي يكشف مدى صلف العدوان وبشاعته.
 الفقيه تحدث عن مأساة أخرى ألقت بأثرها على المواطنين في كل المحافظات  وهي ” استهداف الطرق الرئيسية الرابطة بين عدن وتعز من جهة وتعز وصنعاء من جهة أخرى بهدف  قطع الإمدادات الغذائية والمشتقات النفطية عن المحافظات عموما والشمال بشكل خاص وهو ما تم بالفعل .
استهداف ممنهج
أما محمد الكناني ناشط حقوقي يقول ” اشتغلت خلال الفترة الماضية على موضوع الرقابة على ضحايا العدوان من المدنيين وقد سجلت حالات عدة منها قتل وجرح لعدد من الأطفال و النساء وكان من بين هؤلاء من استهدفتهم طائرات التحالف أثناء مرورهم على الطرق التي تربط بين المحافظات وكان آخرها طريق تعز صنعاء قبل أيام وقد راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء المدنيين .
 من جهة أخرى أصيب الكثير من الأطفال والنساء بحالات نفسية صعبة .
تبريرات ولكن!
 كل فعل باطل في هذه الحياة يحرص فاعلوه على أن يسوقوا له جملة من التبريرات غير أن الباطل وأهله في حالة عمى لا يدركون أن الحق لا يمكن إخفاؤه واستهداف طائرات التحالف للطرق ما هو إلا محاولة لخلق أزمة سكانية في كل الاتجاهات إضافة إلى أن العدوان لا يتورع عن استهداف المواطنين المدنيين الأبرياء حتى وإن كانوا أطفالا ونساء .

قد يعجبك ايضا