مديونية الكهرباء.. المعضلة الأصعب

* أصبحت المديونية المستحقة للمؤسسة العامة للكهرباء لدى المشتركين بفئاتهم المختلفة معضلة حقيقية في ظل الأوضاع والظروف التي عاشتها وتعيشها بلادنا خلال الأعوام السابقة وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى عدم مقدرة المؤسسة تحصيلها أولاٍ بأول وارتفاعها من عام إلى عام فخلال ستة أعوام تضاعفت المديونية أربعة أضعاف فقد بلغت المديونية مع نهاية العام 2008م 22 مليار ريال فيما تعدت الـ 100 مليار ريال مع نهاية العام 2014م..

من خلال التحقيق التالي سنتعرف على الأسباب التي أدت إلى ارتفاعها وتضاعفها خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية وآثار ذلك على هذا القطاع الهام وإمكانية إيجاد حلول وخطط لتحسين الأداء وزيادة التحصيل والقضاء على العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع المديونية مثل الفاقد والعشوائية وغيرها كما سنتطرق إلى أهمية هذا القطاع الحيوي وضرورة قيام المشتركين بتسديد ما عليهم من فواتير الاستهلاك خاصة كبار المشتركين والقطاع الحكومي الذي يستحوذ على نصف هذه المديونية ..وآراء البعض حول ذلك.. فإلى التفاصيل:
تأثر قطاع الكهرباء تأثراٍ كبيراٍ منذ العام 2011م وحتى الآن وارتفعت المديونية بشكل متزايد خلال هذه الفترة مع بداية هذا العام وضعت المؤسسة العامة للكهرباء خطة طارئة للربع الأول لمواجهة  هذه التحديات والعمل على تنفيذها وتقييمها أولاٍ بأول وضمن الخطة دشنت مؤخراٍ حملة تحصيل موسعة بدأتها بأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء ليتم تطبيقها في بقية المحافظات.
المهندس خالد راشد المدير العام للمؤسسة العامة للكهرباء يقول حول ذلك: أن تدشين هذه الحملة يأتي لإنقاذ المؤسسة من الأوضاع التي تعيشها نتيجة انخفاض الإيرادات وارتفاع الفاقد ونهدف من خلالها إعطاء الأولوية لإزالة العشوائيات ومكافحة المخالفين وتقليل الفاقد التجاري الذي يمثل نسبة عالية من الفاقد الكلي من خلال تشكيل عشر فرق ميدانية تعمل على ضبط المخالفات والتحصيل ميدانياٍ وكما اتضح من خلال الحملات السابقة التي نفذتها الفرق الميدانية لبعض “الحروف” أن كبار المستهلكين  – مثلا – المضخات كانت خارج نطاق التحصيل وموصلة بشكل مباشر ويتم حالياٍ إكمال معاملتها وتركيب عدادات لها وقد تم توفير عدادات جديدة وبكميات كافية لتغطية جميع المناطق العشوائية.
ويضيف: تم تشكيل غرف عمليات في كل مناطق الأمانة ومنطقة محافظة صنعاء لتقوم بمتابعة العمل ميدانياٍ واستنفار جميع الفرق والعاملين والتركيز على جانب التحصيل خلال الفترات القادمة.
ويؤكد أن هذه الحملة ضمن خطة المؤسسة الطارئة للربع الأول التي تهدف إلى تحقيق زيادة في التحصيل تصل إلى 120% مؤكداٍ أن تنفيذ كل هذه الإجراءات باتت ضرورية من أجل ضمان استمرار وتحسين الخدمة لما من شأنه إنقاذ المؤسسة واستمرار الخدمة للمواطنين وهو الأمر الذي ستحرص عليه المؤسسة في خطتها هذه.
ويشير مدير عام المؤسسة إلى ضرورة تعزيز العمل المؤسسي الذي يهدف إلى الارتقاء بالمنظومة الكهربائية من خلال الأعمال المؤسسية الهادفة إلى تجاوز كافة الاختلالات والصعوبات التي تمر بها المؤسسة العامة للكهرباء منوها إلى أهمية إجراء الصيانة الدائمة للمحطات والمحولات والأجهزة الكهربائية من أجل الحفاظ عليها وضمان استمرار عملها دون أي معوقات أو صعوبات وتكثيف عملية التدريب والتأهيل لكوادر المؤسسة بما فيهم الكشافين.
تبعات عدم التسديد
ويؤكد المهندس حارث العمري نائب مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء لقطاع التوزيع والتفتيش الفني أهمية اضطلاع جميع المشتركين بمسؤولياتهم تجاه فاتورة الكهرباء والقيام بتسديدها.. مشيراٍ إلى أن هناك العديد من الأمور ستترتب إذا لم يقم المواطن بتسديد فاتورة الاستهلاك وهي كالتالي أولاٍ: لن تتمكن المؤسسة ووزارة الكهرباء من صيانة محطاتها العاملة فهي بحاجة إلى قطاع غيار بصورة يومية وثانياٍ: لن تتمكن المؤسسة أيضاٍ من تسديد فاتورة الوقود لوزارة النفط وهذا يترتب عليه وقوف المحطات العاملة بالمازوت والديزل وثالثاٍ: لن تتمكن المؤسسة من صرف رواتب الموظفين والعمال في كل المناطق والمحطات داعياٍ جميع المواطنين التعاون مع المؤسسة في تسديد قيمة ما يتم استهلاكه من تيار كهربائي تحاشياٍ لحصول مثل هذه السلبيات التي قد تواجه المؤسسة.
وأضاف: قد يطرح الكثير أننا لا نتعامل إلا مع الشريحة المنزلية وهذا غير صحيح فنحن لدينا مديونية لدى الجهات الحكومية تصل إلى عشرات المليارات ريال ومحصورة في جهات حكومية لديها الجزء الكبير من هذه المديونية والمطلوب خصم قيمة فواتير هذه الجهات من اعتماداتها لصالح الكهرباء أو لصالح النفط من حساب مديونية الكهرباء للنفط.
وأشار إلى أن مؤسسة الكهرباء تقوم حالياٍ بحملة تحصيل واسعة لمخاطبة جميع المشتركين من كبار المستهلكين وأصحاب المصانع وأصحاب الوجاهات الاجتماعية وغيرهم بالقيام بالتسديد ما عليهم من قيمة الاستهلاك وإعطائهم فرصة وفي حالة عدم الاستجابة سنضطر لاتخاذ الإجراءات القانونية بالفصل على الرغم من أننا نواجه مشاكل حيال ذلك بالاعتداء على موظفين القطع فإن مالم سيتم إحالتها إلى القضاء.
ارتفاع متسارع
ويوضح مدير عام الموازنة في المؤسسة العامة للكهرباء طارق الحاج أن المديونية تشهد ارتفاعاٍ متسارعاٍ منذ العام 2008م الذي بلغت فيه 22 مليار ريال فيما بلغت مع نهاية العام 2014م 102 مليار ريال وعزا أسباب الارتفاع في السنوات الأخيرة إلى الأحداث التي مرت بها بلادنا منذ العام 2011م وما رافقها من أوضاع اقتصادية واختلالات أمنية نتج عنها الاعتداءات المتكررة لخطوط وأبراج نقل الكهرباء من مأرب الغازية إلى صنعاء وبالتالي سوء الخدمة المقدمة للمواطنين على ذلك كان سبباٍ رئيسياٍ في الامتناع عن سداد فواتير استهلاك الكهرباء وتراكم المديونيات.
فيما يشير إلى أن أهم المشكلات المالية التي تعاني منها المؤسسة تتمثل في عدة نقاط أولاٍ: عدم قدرة المؤسسة على سداد قيمة الطاقة المشتراة نتيجة لارتفاع تكاليفها مقارنة بتكاليف الإنتاج من المحطات المملوكة للمؤسسة ثانياٍ: ارتفاع المديونية المستحقة للمؤسسة نتيجة لعدم التزام المواطنين والحكومة بسداد ما عليهم أولاٍ بأول ثالثاٍ: ارتفاع معدلات الفاقد في شبكة التوزيع والذي وصل إلى حوالي 42% مما زاد من تفاقم المشكلة وكل ذلك بسبب الثقافة المغروسة لدى نفوس البعض والتي تبيح وتجيز لهم سرقة الكهرباء رابعاٍ: عدم الاستفادة المثلى من المخصصات المرصودة في البرنامج الاستثماري وبالتالي عدم صيانة المحولات وتعثر المشاريع من عام لآخر خامساٍ: ارتفاع في عدد العمالة وكذلك الاختلالات القائمة بين عناصر التكاليف والايرادات نتيجة لثبات هيكل التعرفة حيث تبلغ تكلفة الكيلووات المباع حوالي 30 ريالاٍ بينما متوسط البيع حوالي 17 ريالاٍ.
حلول عاجلة
ويؤكد مدير عام الموازنة أن المؤسسة محملة فوق طاقتها ولابد من تنفيذ عدة حلول لإنقاذها ومنها: التخلص الفوري من عقود شراء الطاقة التي تعمل بوقود الديزل والتي تكلف المؤسسة والحكومة حوالي 640 مليون دولار سنوياٍ قيمة الديزل والإيجار فقط ولو أن الحكومة ساهمت بـ50% فقط من هذا المبلغ كدعم للمؤسسة لإصلاح المولدات العاطلة وشراء المحولات وتوسعة محطات التحويل لمعالجة الاختناقات وتصريف الطاقة فإن هذا سيحل الكثير من المشاكل خلال فترة وجيزة كما أنه لابد على الحكومة من تبني آلية استثنائية لتبسيط إجراءات شراء وتمويل احتياجات المؤسسة من قطع الغيار والإسراع بتنفيذ مشاريع تعزيز توليد الغازية والمتجددة وكذا مشاريع محطات التحويل وخطوط النقل وذلك بعيداٍ عن الإجراءات الروتينية المطلوبة لسحب مخصصات البرنامج الاستثماري والقروض والهبات وعدم تجاوز الخطط والموازانات والالتزام بالأنظمة والقوانين وإعادة هيكلة المؤسسة.
وينوه إلى أن العجز السنوي في الموازنة بلغ في العام 2008م 22 مليار ريال وانخفض خلال العامين التاليين حتى بلغ في العام 2010م 4 مليارات ريال ومن ثم عاود الارتفاع مرة أخرى ليصل إلى 37 مليار ريال في العام 2013م.
تحديات
ويقول حمدي الصباحي رئيس قسم القطع في كهرباء المنطقة الأولى بالأمانة: تواجهنا الكثير من التحديات في الميدان فالمخالفات قد ارتفعت خلال الفترات السابقة ومعظمها مخالفات كبيرة فقد أصبح المواطن يقوم بالتوصيل المباشر دون الرجوع إلى المؤسسة بالطرق القانونية وبالتالي يرتفع الفاقد التجاري وتهدر الكثير من الأموال المستحقة للمؤسسة كما تتعرض هذه الفرق للاعتداء من قبل عدد من المتنفذين ومن المشايخ والمستعصيين ولا نجد إلا أن يتم الرفع بمثل هذه الحالات.
ويضيف: نريد أن نوجه رسالة إلى جميع المشتركين بضرورة وأهمية تسديد فواتير استهلاكهم للتيار الكهربائي لأن هذا يصب في مصلحتهم وإلا فإن المؤسسة لن تستطيع القيام بالتزاماتها المختلفة من تسديد قيمة الوقود وأجور تشغيل ومرتبات الموظفين وغيرها.
العصب الرئيسي
فيما يؤكد عبدالكريم المأخذي أن الكهرباء أصبحت العصب الرئيسي في حضارة القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين وأن مستوى تقدم الأمم والشعوب يقاس بكمية استهلاكه للكهرباء واستخدامه لها في قطاعات الإنتاج المختلفة ويضيف: لكننا في اليمن نأسف لعدم الحفاظ على أي منجز يتم في هذا المجال فقد ظهرت الاعتداءات على المنشآت الكهربائية وعلى خطوط نقل الطاقة الكهربائية وظهرت الاعتداءات أيضاٍ على موظفي المؤسسة عند قيامهم بأداء أعمالهم في توزيع الفواتير أو إزالة المخالفات أو غير ذلك.
ويقول: نحن بحاجة إلى وعي كامل وإدراك بأهمية هذه الخدمة التي أصبحنا لا نستغني عنها وأدعو جميع المشتركين التعاون مع مزود الرئيسي لها وهي المؤسسة العامة للكهرباء والالتزام بتسديد فواتير الاستهلاك أولاٍ بأول والحفاظ على مكوناتها من شبكات ومحولات وعدم التوصيل من جهتين لأن ذلك يسهم في زيادة الأحمال على المحولات ويؤدي إلى احتراقها.
وأضاف: أتمنى من القائمين على هذا المرفق الهام وضع الخطط المستقبلية لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة وتلافي الاختلالات الإدارية والمالية الموجودة في هذا القطاع والسعي لاستغلال التقنيات الحديثة في هذا الجانب ومنها مشاريع الطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها.
ضرورة العصر
من جانبه يقول عبدالقوي الشميري “تاجر” أن الكهرباء تعتبر من الضروريات التي لا يستغني عنها المواطن خصوصاٍ في المدن.. وهي خدمة تقدمها وزارة الكهرباء للمواطنين.. وللأسف الشديد إلى جانب تهرب بعض الأشخاص وخصوصاٍ ذوي النفوذ من تسديد الفواتير بالإضافة إلى قيام الكثير من الأشخاص بربط الكهرباء بطرق غير قانونية.. أثر سلباٍ على أداء المحطات الكهربائية وأصبح الفاقد كبير جداٍ والخسائر أكبر.. ومع الأزمة الراهنة تضاعفت المشكلة بقيام الكثير بالعزوف عن تسديد فواتير الاستهلاك مما أدى إلى ظهور قصور كبير في أداء الخدمة خصوصاٍ هذه الأيام.
التسديد أولاٍ بأول
بينما يؤكد إبراهيم الحيمي “تاجر” بالقول: لا نختلف جميعاٍ على أهمية تسديد فواتير الكهرباء خاصة بعد الاستقرار النسبي الحاصل خلال هذه الأيام ولهذا فلابد من التسديد أولاٍ بأول كي لا تتراكم المديونيات ويضيف: إن الكهرباء تعتبر هي نبض الحياة في هذا العصر فبدون الكهرباء تتعطل الكثير من الأعمال ويتكبد رجال الأعمال والمصنعين والتجار الخسائر الكبيرة فهم أمام أمرين إما تعطيل أعمالهم أو اللجوء إلى استخدام المولدات الكهربائية الصغيرة والتي تكبدهم خسائر كبيرة في قيمة الوقود والتي تنعكس بشكل ملحوظ على أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية إضافة إلى التلوث والإزعاج الناتج عنها وأنا أدعو الجميع التعاون في دعم قطاع الكهرباء من حيث أولاٍ تسديد الفواتير وثانياٍ الترشيد في الاستهلاك والحفاظ على مكونات القطاع كما أدعو الذين يقومون بأعمال التخريب ضد خطوط النقل على الامتداد من مأرب إلى صنعاء أن يتقوا الله في مقدرات هذا الشعب وأن يعدلوا عن أعمالهم تلك وليعلموا أنهم يقومون بأعمال لا ترضي الله ولا رسوله.
الطلبة والكهرباء
وتقول الطالبة حليمة محمد وهي طالبة جامعية: لقد مرت علينا هذه الأعوام بصعوبة بالغة خاصة خلال الانقطاعات المتكررة التي شهدها قطاع الكهرباء وهذا بالطبع أثر كثيراٍ على تحصيلنا العلمي وعلى حالتنا النفسية فالطاقة الكهربائية هي الشريان الذي يدب في الحياة المدنية فبدون الكهرباء لا يمكن أن يعيش الإنسان حياة طبيعية.
وتؤكد زميلتها إجلال عبدالقادر بأنه لابد من أن نقابل جهود مؤسسة الكهرباء بالتعاون معها من ناحية تسديد الفواتير خاصة وأن معظم المستهلكين قد تراكمت عليهم الفواتير خلال الأعوام الماضية وهذا الأمر قد جعل مؤسسة الكهرباء تسهيل التسديد للمواطنين عن طريق تطبيق نظام التقسيط مراعاة لظروف المواطنين مشيرة إلى أن استقرار الطاقة خلال الأسابيع الماضية قد أدى إلى استقرار في نفسية الطلاب والطالبات في جميع المراحل خاصة وأن معظم الطلاب الجامعيين يقضون ساعات الاستذكار في الفترات المسائية كما أنهم يستخدمون أجهزة مساعدة في ذلك مثل الحاسوب وغيرها وهذا يتطلب استقرار في الطاقة الكهربائية.

الجدول التالي يوضح ارتفاع المديونية منذ العام 2008م وحتى العام 2014م بالمليار ريال:

العام    2008م    2009م    2010م    2011م    2012م    2013م    2014م
الأهالي وكبار المستهلكين                31    38    49    50
الحكومي                31    31    35    42
الإجمالي    22    30    45    62    69    84    102

الجدول التالي يوضح العجز المالي للمؤسسة خلال السنوات الماضية بالمليار ريال:
العام    2008م    2009م    2010م    2011م    2012م    2013م
العجز بالمليار ريال    22    9    4    25    29    37

قد يعجبك ايضا