صنعاء.. نزوح القلة.. لا يعطل الحياة

* ضربات همجية تستهدف الأحياء السكنية

مع اشتداد غارات العدوان السعودي على بلادنا تلك الغارات الغاشمة التي لم تقتصر على مدينة بعينها أو منطقة بذاتها كما أنها لم تفرق بين موقع عسكري أو حي سكني أو تجمع سكاني أو منشأة تجارية بل امتدت همجية ذلك العدوان لتطال المدارس والمنشآت التعليمية كما حدث من قصف لمدرسة بمنطقة ميتم بمحافظة إب ومع اشتداد وتيرة الغارات العدوانية على المدن اليمنية وسقوط المزيد من الضحايا من المدنيين الأبرياء.. باتت الحياة في المدن عبارة عن حالة دائمة من الهلع والذعر اللذين تثيرهما تلك الهجمات المتواصلة.. الأمر الذي دفع الكثير من الأسر إلى النزوح إلى خارج المدن ولا سيما أمانة العاصمة التي شهدت موجة نزوح غير مسبوقة بل وقد تكون الأولى من نوعها .

لعل موجة النزوح التي شهدتها أمانة العاصمة صنعاء هي أكبر موجة نزوح للسكان خلال الغارات الغاشمة التي تقودها السعودية وحلفاؤها على بلادنا فبالنظر إلى التركيبة السكانية لمدينة صنعاء التي يقطنها ما يربو على مليوني نسمة فإن الغالبية العظمى لسكان المدينة هم من محافظات اليمن عموما دفعتهم عدة عوامل من أهمها السعي وراء فرص العمل وكسب الرزق إلى القدوم إلى المدينة والاستقرار فيها..
العشرات من السيارات والمركبات بمختلف أنواعها تغادر العاصمة يوميا حاملة على متنها البشر وما تيسر حمله من الأثاث في مشهد يعكس مدى همجية تلك الهجمات الغاشمة التي لم يسلم منها حتى المدنيين الآمنين..
مواطنون لم يحدث أن غادروا منازلهم وأعمالهم ومصادر أرزاقهم تحت أي ظرف أو سبب ومهما كانت الأسباب أو العوامل لو لم تكن طائرات العدوان التي تقصف ليل نهار موقعة المئات من الضحايا المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا يمنيتهم.
الأرياف.. ملاذ غير مؤهل
على المدخل الجنوبي للعاصمة.. تتقاطر موجات النزوح .. مواطنون تركوا بيوتهم خلفهم واتجهوا إلى الأرياف والقرى التي قدموا منها قبل عديد سنوات حيث كانوا أفرادا ليعودوا اليوم إليها وكل له أسرة من زوجة وأطفال.. ما يعكس مدى سوء الأوضاع ا?نسانية التي هم مقبلون عليها في أريافهم وقراهم حيث لا بيوت تنتظرهم ولا أثاث ولا مدارس تستقبل أطفالهم ولا أي من مرافق الحياة .. يقول علي مقبل من سكان محافظة إب: لم أكن أحسب حسابا لهذا اليوم الذي سأترك فيه بيتي ومصدر رزقي الذي هو عبارة عن بقالة لأعود إلى القرية التي ليس لي فيها حتى بيتاٍ يؤويني أنا وأسرتي المكونة من سبعة أفراد.. حيث تركت القرية منذ أكثر من 12 سنة لأكون أسرتي في المدينة وأعمل ليل نهار لأجمع المال وأبني بيتا بها يضمني أنا وأسرتي..
بحسرة بالغة يضيف علي :أقل ما يمكن أن أصف به حالتي أنا وأمثالي هو أننا تعرضنا لنكبة جراء هذا العدوان الظالم على بلادنا ونحن نناشد المجتمع الدولي الالتفات إلى الضحايا التي تخلفها تلك الهجمات الباغية وأن يسعوا لوقفها.
ضربات همجية
بصورة تعكس تجرد الغارات الغاشمة التي تشنها قوى العدوان على اليمن من أي من الأخلاقيات المصاحبة لأي حرب.. وتنصلها عن كل المعاهدات والاتفاقيات والأعراف الدولية فيما يتعلق بالحروب والتي تحرم وتجرم ضرب المدنيين والأحياء السكنية دأبت طائرات العدوان ومنذ ساعاتها الأولى على قصف الأحياء السكنية والمنشآت الحيوية.. الأمر الذي ضاعف من حالة الرعب والهلع لدى المدنيين فآثر الكثير منهم النفوذ بأسرته والنزوح.. حيث عبر الكثيرون ممن التقيناهم من النازحين عن نقمة كبيرة إزاء تلك الغارات التي أقل ما يمكن وصفها به هو أنها هجمات همجية لا تراعي أي حرمة للمدنيين ا?منين بل هي أشبه ما يكون بحرب بربرية.
على باص متوسط حزم عادل جمعان ما تيسر له حمله من أمتعة وملابس وفرش وحمل أفراد أسرته السبعة ليكون منذ اليوم في عداد النازحين.. يقول عادل: لم نعد آمنين في منازلنا.. فالضربات الجوية التي تشنها طائرات العدوان لم تعد تتورع عن ضرب المنازل والأحياء السكنية.. وخلال الأيام الماضية استولت علينا أنا وأسرتي حالة شديدة من الرعب والخوف حيث كنا نقضي ليلنا غير مصدقين أن صبيحة اليوم التالي ستأتي ونحن أحياء.
يضيف عادل بأسى بالغ : ما تعرضت له العاصمة من عدوان استهدف المدنيين دفع بالكثيرين من السكان إلى النزوح نحو المحافظات الأخرى تاركين وراءهم بيوتهم وأعمالهم وممتلكاتهم وهم ا?ن متجهون نحو مصير مجهول وخاصة بعد ان فقد الكثيرون منهم فرص أعمالهم ومصادر كسب أرزاقهم..
أزمة المشتقات النفطية تضاعف المأساة
النزوح بما يخلفه من وضع مأساوي نتيجة الهوة التي يحدثها في حياة النازحين لم يعد متاحا في كل الأحوال فكثير من الأسر باتت مضطرة لدفع مبالغ كبيرة مقابل إيجار النقل الأمر الذي يصعب مهمة المواطنين المضطرين للنزوح لما يتطلبه من توفير مبلغ كبير من المال ?يجار السيارات التي ستقل الأسر النازحة وخاصة في ظل أزمة المشتقات النفطية التي شهدتها مختلف محافظات الجمهورية.. الأمر الذي جعل أصحاب المركبات ووسائل النقل يضاعفون من إيجار مركباتهم ..
يقول جابر سفيان-صاحب سيارة- اشتريت دبة البترول من السوق السوداء بمبلغ خمسة آلاف ريال فمن غير المعقول أن انقل على سيارتي بنفس ا?يجار المعتاد.. حتى ولو كان نقل النازحين عملا إنسانيا فأنا بحاجة لرفع الأجرة كي أواجه زيادة سعر البترول في السوق السوداء حيث لو أني انتظر في الطابور الطويل أمام أي محطة فقد أبقى لأيام وربما لا أحصل على البترول.. فيما يقول المواطن حسن مسعد اضطررت لدفع مبلغ خمسين ألف ريال مقابل نقلي أنا وأسرتي وبعض الأمتعة الخفيفة من ملابس وما شابهها من العاصمة إلى محافظة إب.
وزاد حسين بالقول:لا شك أن هناك الكثير من الأسر التي تعجز عن توفير هذا المبلغ مقابل النقل فيضطرون إلى بيع شيء من أثاثهم ليوفرو ا ذلك المبلغ.
ليس النزوح إلا الصورة الأبسط من صور الحرب ..تلك الغول البشعة التي كثيرا ما يصطلي بنيرانها الأبرياء الذين لم يمجدوها يوما من الأيام ولم يسعوا لها أو يخططوا لافتعالها.. إلا أنها أبشع ما تكون حين لا تراعي أي أخلاق وتتجاهل أي مبادئ إنسانة.. والأنكى والأمر هو أن يشنها الأخ الجار على أخيه مستقويا بسلاحه وحلفائه.

قد يعجبك ايضا