لماذا تعامت أمريكا عن المشروع القطري في اليمن وهل كانت القاعدة تخطط للاستيلاء على العاصمة صنعاء¿

في أبريل 2013م وفيما كانت البلاد تعيش أجواء اضطرابات أمنية واسعة اراد المطبخ القطري من تسلمه ملف “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” خلط الأوراق لإنقاذ السقوط الوشيك لنفوذ “الاخوان”  بعد الهزائم التي تكبدها في محافظة عمران نتيجة التظاهرات التي طالبت بالاطاحة بمحافظها وكذلك اللواء حميد القشيبي ذراع الجنرال محسن في عمران والذي توطدت سطوته كذرائع يمنى للجنرال بعد الدور الذي أداه في اشعال فتيل الحرب الأهلية في صيف عام 1994 .
في عمران كانت الأوضاع تغلي وتطورت التظاهرات إلى مواجهات متقطعة بين الإخوان والحوثيين امتدت بصورة اعنف إلى الضواحي الشمالية للعاصمة وتفاقمت بعد اعطاء الدوحة الضوء الاخضر للذراع العسكرية لتنظيم “الإخوان” بقيادة الجنرال محسن التحرك الميداني  لنشر قوات الجيش في مناطق ضلاع همدان وضروان ما أثار غضب هادي الذي حذر قادة الجيش الموالين لتنظيم “الاخوان”  من الزج بالقوات المسلحة في حرب مع قبائل همدان  والتي كان اكثر وجهائها قد انضموا إلى جماعة أنصار الله.
هذه التطورات كشفت بجلاء عن استمرار الانقسام في صفوف الجيش واستمرار نفوذ الجنرال محسن في هذه المؤسسة وهي التطورات التي حاول هادي من خلالها تفتيت هذا النفوذ الذي ظل يهدد بانقسام الجيش بعد الهيكلة بين نفوذ “الإخوان” ونفوذ دولة التسوية وكان هادي يدرك أنه سبب مباشر لضعف الدولة كما تسبب في عرقلة مسار التسوية.
قبل ذلك كانت قيادة التنظيم الدولي للإخوان تتابع عن كثب حال التداعي المريع لمراكز نفوذهم في محافظة عمران على أيدي الحوثيين وخصوصا بعد اندحار قوة الذراع القبلية للإخوان بزعامة شيوخ آل الأحمر الذي ظل لعقود مركز اسناد للنفوذ السياسي للتنظيم الدولي للاخوان واستثماراته الاقتصادية الكبيرة في  اليمن.
التنظيم الدولي كان يتابع عن كثب أيضا حلقات الانهيار الكبير لأهم فرع ذراعهم العسكرية الخاضعة لنفوذ الجنرال محسن المتمثلة بقوات اللواء 110 مدرع بقيادة الجنرال القشيبي ومعها أعتى مجموعات القتال التكفيرية المسلحة التي استقدمها قادة الفرع اليمني للإخوان من سوريا بالتعاون مع حكومة أردوغان التركية وحكومة باسندوة عبر راعي استثمارات التنظيم الدولي للإخوان الشيخ حميد  الاحمر.
هذه التداعيات التي ضربت كذلك مراكز النفوذ القبلي لتنظيم الإخوان في قبيلة همدان كانت مريعة بالنسبة للتنظيم بعد خسارة حاشد وخولان وغيرها من مراكز القبائل التي كان التنظيم يعدها مفاتيح الحكم في اليمن وحينها أدرك التنظيم أن انهيار مراكز نفوذه في العاصمة صنعاء لم يعد سوى مسألة وقت لا أكثر.
أمام هذا التهاوي لجأ التنظيم الدولي للإخوان إلى الدفع بمراكز نفوذه في حكومة باسندوة العسكرية والسياسية والقبلية لتحصين المعاقل الاخيرة لمراكز نفوذه القبلية  في الضواحي الشمالية للعاصمة عبر اتفاقيات مصالحة مع الحوثيين وكان التنظيم يؤيد جهود المصالحة هذه فقط للإفادة منها لتحصين مناطق أخرى.. وهو أيضا كان سببا مباشرا في ايقاظ همة قادة التنظيم في الدوحة إلى الشروع بمشروعهم الوقائي “الفرع ليمني لداعش”.
خطف الرهائن
كانت عملية خطف تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب رهائن أجانب واحدة من تجليات مشروع الدوحة انشاء الفرع اليمني لـ “داعش” وحينها عملت حكومة باسندوة جهدها لإخفاء هذه القضية التي لم تْعرف إلا أثناء مفاوضات تحرير الصحفي الاميركي لوك سامرز والمعلم الأفريقي الجنوبي بيير كوركي اللذين قتلا في العام 2014 بعد مدة طويلة من خطفهما خلال عملية انقاذ نفذتها قوات يمنية بمشاركة جنود من البحرية الأميركية في محافظة شبوة.
بعد عملية الخطف بشهور عاودت السفارة الاميركية وعدة سفارات غربية إقفال أبوابها على خلفية ما سمته أقوى تهديد لتنظيم القاعدة يستهدف مصالح يمنية وغربية من دون أن تفصح عن مخطط إنشاء الفرع اليمني لـ”داعش”.
وبعد إعلان هادي إفشال هذا المخطط رد التنظيم بقوة بسلسلة عمليات فقتلوا جنودا من قوات اللواء 37 مدرع في شبام حضرموت كما هاجموا جنودا من قوات الدفاع الجوي في صنعاء وشنوا سلسلة هجمات مميتة في عدة محافظات استهدفن انابيب النفط وخطوط انتاج الطاقة فضلا عن هجمات على قوات الجيش أخطرها الهجوم الكبير الذي استهدفها في شبوة حيث قتل 52  جنديا في ثلاث هجمات منسقة استهدفت ثلاثة مواقع عسكرية.
الانهيار الكبير لدولة الاخوان في اليمن جر حكومة أردوغان التركية إلى الحلبة لتشارك الدوحة في مشروعها الجديد غير أن المشروع جوبة بتصدي قوي من اليمن والسعودية وقبلهم الولايات المتحدة.
ولأن الموقف الأميركي من هذا المخطط كان صارما بعد كشف المخابرات الاميركية عن مخطط كبير يقوده ناصر الوحيشي بالتنسيق مع امير القاعدة أيمن الظواهري اتجه المطبخ الراعي للمشروع في الدوحة اسطنبول إلى تبنى خطة بديلة لتهريب قادة التنظيم من اليمنيين والعرب الذين جرى حشدهم بمساندة اسطنبول وخصوصا لقادة الصف الأول في التنظيم ومعهم المطلوبين في القوائم السعودية واليمنية والأميركية.
منحت هذه الترتيبات مسلحي التنظيم ضمانات بعدم تعرضهم للغارات التي تشنها الطائرات  الاميركية من دون طيار فيما اتجه التنظيم إلى تنفيذ خطة لخطف رهائن من الرعايا الأميركيين والأجانب ليكونوا ورقة مساومات وصفقات سرية مع واشنطن عند الحاجة.
عمليات الخطف شملت الصحافي الأميركي سامرز والمعلم الأفريقي الجنوبي كوركي وقبل ذلك طالت الديبلوماسي الإيراني أحمد نور بنكبخت من العاصمة والذي أفرج عنه قبل أسابيع في إطار صفقة بين قيادات دولة “داعش” في العراق والسلطات العراقية اطلق بموجبها عملاء داعش في اليمن سراح الديبلوماسي الايراني مقابل إفراج السلطات العراقية لرهائن من تنظيم الدولة “داعش”.
 لماذا غامرت اميركا بالسكوت على سيناريو إرهابي بهذا الحجم¿
أميركا تعامت فعلا عن مشروع الدوحة في التأسيس للفرع اليمني لـ”داعش” في حين أن الدوحة كانت واثقة من هذا الموقف خصوصا وأن هدفها يتماشى كليا مع سياسة واشنطن تجاه التحولات السياسية في اليمن فالحضور القوي والجديد لتنظيم القاعدة كان مطلوبا لكبح أي تحولات من شأنها إضعاف “الاخوان” في الدولة التي يقوى فيها نفوذ جماعة أنصار الله.
لكن موقف واشنطن تغير كليا بعد كشف المخطط الارهابي السري بين الوحيشي والظواهري والذي قال الوحيشي أنه” سيغير مجرى التاريخ” في حين أن السعودية قاومت المشروع القطري لأنه كان يتصادم مع مشروعها لتوجيه كل الطاقات الإرهابية نحو سوريا للإجهاز على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
مفاوضات تحرير الرهائن
الحكومة القطرية التي سبق لها إدارة مفاوضات مباشرة مع مسلحي “القاعدة” لتحرير رهينة سويسرية من دون علم الحكومة اليمنية ونقلتها إلى الدوحة بعد تحريرها وحصول الخاطفين على فدية مالية كانت في الواقع تدير علاقات طبيعية مع التنظيم الإرهابي بل وتعمل على ضمان وصول تمويلاتهم المالية بمعاونة قادة كبار من طابور القادة الجهاديين في حزب التجمع اليمني للإصلاح.
لم تتوفر حتى الآن على الأقل أدلة موثقة على إدارة الدوحة مفاوضات مع “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” لتحرير الصحافي الأميركي والمعلم الافريقي الجنوبي وغيرهم من الرهائن الذين خطفهم تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب لدعم خطة هروب قادته من اليمن مقابل فدية لكن تقاطعات أخرى تفصيلية يصعب حصرها تشير إلى أن الدوحة أدارت مفاوضات من هذا النوع وفشلت في منتصف الطريق.
بعد مقتل الصحافي الاميركي سامرز تحدثت عائلته عن مفاوضات حصلت في أبريل 2014م لتحريره من خاطفيه مقابل فدية كما أعلن فرع لمنظمة وقف الواقفين الدولية في اليمن عن مشاركته في مفاوضات لتحرير الرهينة الأفريقي الجنوبي.. وبحسب مديرها في صنعاء أنس الحماطي كان فرع المؤسسة يتابع حالة الرهينة كوركي كما جرت مفاوضات من أجل اطلاق سراحه ودْفعت أموال من أجل تأمين حياته لكنه قتل قبل أن تنتهي هذه الجهود.
لماذا فشلت المفاوضات¿
أبرز أسباب الفشل كانت في كشف “القاعدة ” يمني يدعى أمين عبدالله المعلمي اتهمته بأنه جاسوس يعمل لصالح المخابرات الاميركية وأعدمه مسلحو التنظيم وصلبوا جثته بعدما سجلوا له شريط فيديو أدلى فيه باعترافات عن تجنيده من المخابرات الاميركية لتتبع مسلحي التنظيم في محافظة حضرموت من طريق زرع شرائح (GBRS) المستخدمة في بعض الهواتف الحديثة لتحديد المواقع في سياراتهم وحقائبهم ليسهل استهدافهم من الطائرات الاميركية من دون طيار.
التنظيم أكد يومها أن عملية التجسس هذه أدت إلى  مقتل سبعة من مسلحيه قضوا في غارات شنتها طائرات أميركية من دون طيار في حضرموت حيث كان يختبئ قادة التنظيم الكبار ومعهم الرهائن ما دعا التنظيم إلى اعدامه رميا بالرصاص قبل صلب جثته في ملعب رياضي بمدينة الشحر.
الفيديو الذي نشره تنظيم “القاعدة” عن عملية إعدام المعلمي أطاح يومها بوزير الداخلية السابق اللواء محمد قحطان ورئيس جهاز المخابرات اللواء غالب القمش.
هل كانت القاعدة تخطط للاستيلاء على العاصمة¿
الجواب قطعا لا . فكل المؤشرات تؤكد أن التنظيم كان يخطط للاستيلاء على حضرموت أو أجزاء منها مع اجزاء من محافظة شبوة وإعلان دولة اسلامية على غرار دولة تنظيم “داعش” في العراق.
والهدف من نشر مسلحي التنظيم في العاصمة والذي أثار مخاوف وأرغم السلطات على المواجهة  استهدف فقط ارباك الاجهزة الامنية عن طريق عمليات إرهابية تستهدف المصالح اليمنية والغربية.
قادة التنظيم أرادوا كذلك أن تكون هذه العمليات أشبه باشارة مموهة لكي تبدأ مطابخ تفريخ الإرهاب حشد  عناصرهم المنتشرين في عدة محافظات إلى حضرموت.
قبل ذلك وفي أثناء التخطيط لمشروع الفرع اليمني لـ “داعش ” كانت حضرموت وحدها تدفع ثمنا غاليا إذ كانت مسرحا لأوسع عمليات اغتيال طالت ضباطا في جهاز الامن السياسي المخابرات وضباطا في الجيش في عمليات اغتيال لم تكن بعيدة عن مخطط “الاخوان”  والقاعدة اعلان هذه المحافظة منطلقا لدولة الفرع اليمني للدواعش كما أن اصداءها ظلت لفترة طويلة تلاحق الكثير من القادة العسكريين والأمنيين في العديد من المحافظات.

قد يعجبك ايضا