تحالف ” الإخوان” و”القاعدة” في مشروع الفرع اليمني لــ “داعش”.. الخبايا والجذور “1-4”

> لماذا دفعت الدوحة بمشروعها لإنتاج فرع يمني لـ “داعش” وقت كانت فيه العملية السياسية والتسوية تمضي قدما برعاية خليجية ودولية وأممية¿

بين ركام أزمات عاشها اليمن منذ مطلع العام الجاري ظهر قبل أيام إلى العلن مخطط الفرع اليمني لـ “تنظيم داعش” واحدا من تجليات أزمة عميقة فعلت فيها أجهزة المخابرات العربية والدولية الكثير في إطار مساعيها المحمومة لإجهاض آمال اليمنيين في الحرية والعدالة وأكثر من ذلك وضع نهاية لكابوس الوصاية الخارجية.

التنظيم أعلن عن نفسه بالسيطرة على مدينة المكلا بمؤسساتها ومعسكراتها وتوغل في رقعة جغرافية واسعة تعادل مساحة أربع دول خليجية وبشريط ساحلي يزيد عن 450 كيلو مترا ومنافذ برية وبحرية وبرية ومقومات جيوسياسية تم اختيارها بعناية لكي تكون أراضي صلبة لدولة الفرع اليمني لـ “داعش” هذا السرطان الذي أراد اللاعبون الدوليون والاقليميون زرعه في بقعة تمده بمقومات الحياة ليكون تاليا أداتهم الاستراتيجية لتحويل اليمن إلى رقعة جغرافية تعصف فيها الحروب.
إعلان دولة الفرع اليمني لـ”داعش” والذي أطل بقرونه في المكلا لم يكن جديدا ولا وليد الأزمات العاصفة التي ترافقت مع هزات عنيفة لمراكز نفوذ الوصاية الخارجية بل إن محاولات إظهاره إلى الوجود بدأت في وقت مبكر للغاية وتحديدا في العامين الأخيرين لولاية الرئيس السابق علي عبدالله صالح ثم عاودت الظهور بعدما افلحت حركة الاحتجاجات الشعبية في العام 2011م الإطاحة به.
لكن المشروع تأجل لصالح آخر أرادت قوى الوصاية الدولية أن تقدم فيه جماعة الإخوان المسلمين وريثا وحيدا للنظام السابق في حكم اليمن وهو المشروع الذي انهار تماما في العام 2014م.
فما حدث خلط الأوراق وشكل مفاجأة كبيرة للقوى الدولية التي طالما استخدمت نفوذ الإخوان في تكريس الوصاية الخارجية ولأداء أدوار سياسية لم تخرج عن إطارها المعتاد في التوغل بداخل الدولة العميقة واختلاق الأزمات وإشعال الحرائق والحروب وعرقلة أي توجهات لتسويات توافقية لبناء الدولة الجديدة بعيدا عن مراكز نفوذ الوصاية الخارجية.
هذه التعقيدات هي المسؤولة عن حركة الاحتجاجات الشعبية التي اطاحت بحكومة دولة الاخوان ووصلت أصداءها إلى القصر الرئاسي وهي ذاتها التي انتجت اتفاق السلم والشراكة التي وضع سائر القوى الدولية ومراكز نفوذها في الداخل وسط مأزق كبير ارغمها على كشف سائر أوراقها والتي كان تجلياتها الظاهرة شن عدوان وحشي وهمجي بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن اما الخفية فكانت في المضي قدما بمشروع دولة الفرع اليمني لـ “داعش”.
الجذور والشاهد الوحيد
لم يكن إعدام “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” الصحافي الأميركي لوك سامرز والمعلم الأفريقي الجنوبي بييركوركي في شبوة المشهد الأخير في جريمة خطفه التي استمرت 14 شهرا كما لم تكن نهاية حتمية للتهديد الذي أطلقه التنظيم بإعدامه في حال لم تلب واشنطن مطالب التنظيم فذلك الفيلم كان فقط مناورة غبية لإخفاء شاهد العيان الأخير للمشروع الأميركي القطري لتشكيل الفرع اليمني لداعش والذي تعهد بتنفيذه ““الاخوان” ” و”القاعدة”  في اليمن العام 2013م.
قبل مقتل الصحافي الأميركي والمعلم الأفريقي الجنوبي تحدث القيادي في “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” نصر الآنسي عبر مقطع فيديو بثته ” الملاحم” عن مطالب قدمها التنظيم للولايات المتحدة وقال إن الأميركيين ” يعلمونها جيدا” مفصحا عن صفقات مشبوهة بين التنظيم ووكلاء المخابرات الأميركية  في شأن قضية الرهائن التي ظلت خفية لشهور وظهرت فجأة في مفاوضات اللحظات الأخيرة للإفراج عن الصحفي الأميركي وانتهت سريعا بمشهد مأساوي للغاية.
كان الصحافي سامرز يتحرك في صنعاء بحرية ويصور لوكالات عالمية ويكتب قصصا إخبارية حسب إفادة الــ بي بي سي ثم اختفى في سبتمبر العام 2013 وهو العام الذي أفاق فيه الذراع السعودية للإرهاب في اليمن (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) بعد سبات استمر سنوات حْيِد خلالها تماما لمصلحة الذراع القطرية (جماعة أنصار الشريعة) .
التنظيم بقيادة الإرهابي ناصر الوحيشي أفصح يومها عن مخطط لتكرار سيناريو تنظيم داعش في العراق وتحدث في بيان عن الأسرى ( سجناء القاعدة في السجون اليمنية) الذين طالب بالإفراج عنهم وتاليا توعد بتحريرهم.
يومها كان مطبخ الدوحة قد رفع يده عن جماعة “أنصار الشريعة” بعد خسارتها أكثر معاقلها الرئيسية في أبين وتولت المخابرات القطرية والتركية عمليات ترحيل لمقاتليها اليمنيين والأجانب من عدة محافظات وخصوصا أبين وشبوة إلى سوريا عبر تركيا.
بعد خلافات بين الراعي السعودي وقيادات ” تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” على صلة بقضية التمويل وملف السجينات من قريبات الإرهابيين المحتجزات في السجون السعودية وصلت إلى خطف ديبلوماسي سعودي وخوض مفاوضات لتحريره سعيا للحصول على فدية تسلمت الدوحة ملف التنظيم في إطار مشروع جديد في انشاء الفرع اليمني لـ “داعش”.
تفاعلات هذا السيناريو برزت إلى العلن في اغسطس العام 2013 عندما ظهر ناصر الوحيشي في بيان حمل عنوان “رسالة إلى الأسير في سجون الطغاة ” توعد فيه بـ ” تحرير أسرى التنظيم المعتقلين بسجون الطغاة قريبا” وأعلن كذلك أن ” فجر الخلافة الراشدة يوشك أن يبزغ…. ولم يبق على النصر إلا خطوة والنصر صبر ساعة… وماهي إلا أيام ويرفع الاستضعاف وتنتهي مرحلة البلاء وتبدأ مرحلة التمكين”.
لم تكن مطالب الوحيشي بتحرير السجناء وتوعده بتحريرهم حالة يمنية فريدة بل محاكاة لسيناريو سابق اشرفت على تنفيذ في العراق ففي 9 / 4/ 2013  بثت قناة “الجزيرة” خطبة لزعيم ” داعش” أبو بكر البغدادي أعلن فيها ظهور تنظيم الدولة في العراق والشام “داعش” ودعمها بفتاوى اطلقها القيادي والأب الروحي للتنظيم الدولي للاخوان يوسف القرضاوي اثارت جدلا واستنكارا واسعا وتلاها مباشرة الخطة الميدانية التي دشنها ” داعش ” بتاريخ 21/7/2013 والتي اعتبرتها “الجزيرة” عملية تحرير لآلاف الأسرى في سجون الحكومة العراقية من سجني التاجي وبغداد المركزي”.
عوامل داخلية وأزمات
لماذا دفعت الدوحة بمشروعها لانتاج فرع يمني لـ “داعش” وقت كانت فيه العملية السياسية والتسوية تمضي قدما برعاية خليجية ودولية وأممية¿
ثمة أبعاد محلية وأخرى دولية دعت قيادة التنظيم الدولي للإخوان في الدوحة إلى افتعال أزمات كبيرة للخروج من نفق الجمود الناتج عن التسوية السياسية بعدما حشر “الاخوان”  في خيارات صعبة لم يكن متوقعاٍ أن تمضي بالشكل الذي مضت به.
من ذلك النجاحات الكبيرة التي تحققت في مؤتمر الحوار الوطني بحلحلة أكثر القضايا موضع الخلاف والتي مضت قدما مع توافق الأطراف السياسيين على خطة لبناء الدولة خلطت أوراق مطابخ التنظيم الدولي للإخوان الذي سبق له الاستفراد بالقرار بعدما مكنته القوى الخارجية من وراثة النظام السابق في إدارة شؤون البلد.
كان التنظيم ينتظر أن يخلص مؤتمر الحوار الوطني إلى شعارات وأمنيات غير قابلة للتطبيق في شأن بناء الدولة غير أن المؤتمر انتج خططا تفصيلية ورؤى وطنية توافقية لبناء الدولة بمشاركة الحوثيين والحراك الجنوبي والنظام السابق.
كانت كل هذه القضايا والعراقيل تسعى إلى كبح توجهات وطنية للشراكة والتي كانت تمثل تهديدا حقيقيا لنفوذ “الاخوان” وشكل التوافق حولها ضربة قاضية للإخوان زاد منها النجاحات المحققة في مؤتمر الحوار الوطني في التوافق النسبي على الفيدرالية لحل القضية الجنوبية وفق خطة انتقالية وخصوصا بعد فشل “الاخوان” في محاولة عرقلة هذا التوجه عبر التحالف القبلي الذي كان يترأسه الشيخ صادق الأحمر ” تحالف قبائل اليمن” والذي أبلغ هادي تحفظ التحالف على مشروع خطة تقترح فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تتيح انتقال اليمن إلى دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي. وتشكيل حكومة انتقالية يشارك فيها الجنوبيون بنسبة متساوية مع الشماليين.
هذه التطورات انتجت في الواقع  مخاوف لدى مطابخ التنظيم في الدوحة فاتجهت لإنتاج أزمات كبيرة  وشديدة الخطورة.
تحركات العرقلة التي باشرتها الأذرع السياسية والعسكرية والقبلية لـ “الاخوان”  في الداخل تزامنت مع تحركات من الخارج طالت بتأثيراتها الجانبين الاقتصادي والأمني بعدما باشرت السلطات السعودية بطرد الآلاف من اليمنيين العاملين بطريقة غير نظامية بالتزامن مع تصاعد مريع في الهجمات على منشآت إنتاج النفط والطاقة الكهربائية وعمليات اغراق مفاجئة لليمن بشحنات السلاح التركي التي أعلنت السلطات ضبط العديد منها وأخفى نفوذ الإخوان في الدولة التحقيقات حولها ولا تزال خفية حتى اليوم رغم أن آثار القضية ظهرت بعد ذلك في سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال.
تنفيذ المخطط
مخطط الفوضى الذي رعته الدوحة ومعها اسطنبول وتعهدت بـ “الاخوان”  و”القاعدة” لتنفيذه بدا لهؤلاء ضرورة وخصوصا بعد التداعيات الخطيرة التي خلفها الانهيار الكبير لدولة “الإخوان”  في مصر والتي اثارت مخاوف لدى قادة الذراع العسكرية للفرع اليمني للتنظيم حتى ان الجنرال محسن الذي كان يتقلد منصب المستشار العسكري والأمني للمخلوع المطلوب للعدالة عبد ربه منصور هادي لم يكترث لمنصبه في مؤسسة الرئاسة وصرح بأن ما حدث في مصر كان” انقلابا عسكريا وتقويضا للعملية السياسية وعودة بمصر إلى ما قبل الثورة”.
حزب الإصلاح كذلك وصف في بيان الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة المصرية بحق الرئيس المقال محمد مرسي بأنها” انقلاب على إرادة الشعب المصري ونسفا للعملية الديمقراطية باعتبارها المكسب الاول لثورة 25 يناير”.
انكشاف أوراق “الإخوان”  في مصر أوجد مدا ثوريا في اليمن تكلل بإعلان مكونات ثورية تشكيل ” تكتل إنقاذ اليمن” على غرار حركة تمرد في مصر التي أطاحت بنظام مرسي كما فتح الباب على مصراعية للكشف عن مدى تغلغل حزب الإصلاح واستحواذه على كعكة التسوية وأكثر من ذلك مدى استثماره لتكتل اللقاء المشترك في تنفيذ مشاريعه السياسية الاستحواذية.
والتداعيات الداخلية والخارجية في مصر شجعت مطابخ الدوحة في عهد رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم للدفع بجناح “القاعدة” في جزيرة العرب لتنفيذ مشروع الفرع اليمني لتنظيم “داعش” فدفع بدوره  بالعشرات من اخطر قادته الميدانيين إلى العاصمة صنعاء لحشد المقاتلين والانتحاريين والشروع في تنفيذ هجمات متعددة الأهداف كما دفع بخلايا أخرى  للانتشار في المحافظات والاستعداد لشن هجمات إرهابية.
كان الهدف الظاهر من هذه الهجمات كما أعلن حينها الضغط على الحكومتين اليمنية والسعودية  تحرير سجناء التنظيم أما الهدف الخفي فكان خلط أوراق العملية السياسية وكبح حركة التحولات التي كانت على وشك أن تفقد الأذرع العسكرية والقبلية والسياسية والاقتصادية للإخوان أكثر مناطق مناطق النفوذ والسيطرة.
ترقب أمني
خطوة الدوحة هذه لم تجر في الخفاء على كل حال بل كانت مرصودة من الأجهزة الأمنية بعدما أشاعت قلقا امنيا كبيرا لدى صنعاء وكذلك لدى الدوائر الغربية بما في ذلك واشنطن ولندن وباريس وبرلين وعواصم غربية اخرى شرعت في إجلاء رعاياها ونصحهم مغادرة اليمن كما باشرت إجراءات لإقفال سفاراتها مؤقتا فضلا عن شروعها بإجلاء ديبلوماسييها غير الأساسيين.
ورغم الترتيبات الحثيثة التي شرعت فيها الدوحة لإطلاق مشروعها الداعشي الجديد إلا أن تسرب معلومات عن تهديد قادة في تنظيم “القاعدة” باستهداف المصالح الأميركية بالتنسيق مع زعيم التنظيم أيمن الظواهري كان سببا كافيا لتلاشي الدعم المخابراتي الدولي للمشروع.
كان ذلك سببا كافيا أيضا لاستئناف واشنطن غاراتها عبر الطيرات من دون طيار والتي سجلت في تلك الفترة أعلى معدل في عدد الغارات واستمرت لعدة اسابيع وأوقعت عشرات القتلى والجرحى من مسلحي التنظيم حتى أن وتيرة الغارات استمرت خلال شهر رمضان بعد التقارير التي كشفت مخطط التنظيم بتنفيذ سلسلة هجمات في الأيام الاخيرة لشهر رمضان.
أعلى معدل للغارات سْجل حينها في حضرموت نتيجة حشد الدوحة لمسلحي التنظيم في هذه المحافظة فيما اتجهت واشنطن إلى تعزيز حراسة مصالحها وأرسلت فريقا من قوات المارينز لحماية مجمع السفارة والمصالح الاميركية كما أدخلت لأول مرة طائرات الاستطلاع ( P-3) في عمليات تعقب الإرهابيين لدعم جهود صنعاء في تعقب الإرهابيين وتعزيز إجراءات الأمن التي فرضتها لمواجهة تهديد “القاعدة”.

https://www.althawranews.net/pdf/2015/04/12/13.pdf

قد يعجبك ايضا