المزرق والمطار..جرائم حرب دولية

في الأعوام الماضية كان اليمنيون يرقبون الموت من الأرض فقط إذ لم تكن طائراتهم مسخرة لذلك  فكانوا يحصلون عليه من قذيفة مدفعية تخترق نوافذ منازلهم أو يجدونه في أماكن أخرى كالشوارع والأسواق بعد اشتباكات بين الأطراف المتنازعة.. اليوم الأمر يختلف كثيرا فقد تغيرت المعطيات وبالتالي تغيرت النتائج إذ لم يعد اليمنيون ينتظرون أقدارهم من الأرض وحسب بل من السماء والأرض بعد أن تعرضت أراضيهم منذ أيام لضربات جوية عدوانية من قبل دول التحالف الهمجي بقيادة السعودية لضرب اليمن وبما أن هذه الضربات قد استحلت مسبقاٍ الأراضي اليمنية لتدمر كل ما هو جميل في اليمن بما في ذلك مقدرات المؤسسة العسكرية فما الذي يمنعها من أن تستحل دماء اليمنيين وهو ما حدث بالفعل إذ لم تتورع طائرات التحالف من استهداف المدنيين  بما فيهم النساء والأطفال .. السطور التالية تستعرض ما خلفته الضربات الجوية التي استهدفت المواطنين العزل وهم آمنون في منازلهم .

قبل أن تنوي السعودية ومعها قوات التحالف  التسع توجيه ضربات عدوانية على الشعب اليمني كان الشاب أديب محمد البالغ من العمر 22عاما قد استجاب لدعوات والديه بالعودة إلى ملجأ النازحين الواقع في منطقة المزرق بمحافظة حجة بعد غياب استمر  قرابة أربع سنوات  ونصف وقبل ذلك  كان الشاب يتوق ــ حينما ترك أسرته مهاجرا إلى العاصمة صنعاء بحثا عن فرصة عمل  ــ إلى تحسين الوضع المعيشي لأسرته التي زادت الحروب من معاناتها وأوجاعها لكنه عاد ـ كما يقولون ـ بخفي حنين عاد ليدفن حلمه وحسب  كان الشاب يعلم أن الحروب شردتهم وأن الصراعات هتكت عرض حياتهم فارتضوا بأن يفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء  ولم يكن يتوقع أن السماء المفتوحة التي ائتمنها على أحبائه ستخون يوما ما أمانته لكنها فعلت وخانته حينما فتحت فضاءها لطيران الأعداء التي جاءت وهي تحمل قنابل الموت لتضرب من قست عليهم الحياة فقتلت العشرات ممن أهانهم المتصارعون على الوهم وكان من بين الضحايا أقرباء كثر لهذا الشاب فأمه وأخيه الأصغر من عداد الجرحى وابن عمه من الشهداء .. عاد الشاب مجددا إلى صنعاء وهذه المرة ليس للعمل أو لتحسين الوضع الاقتصادي لأسرته بل لاسترداد العافية التي سلبتها الطائرات السعودية من أمه أخيه الأصغر وذلك في مستشفيات الأمانة فلعل الموت يترك له من عاش لأجلهم ليعيش معهم ويقاسمهم شقاء الحياة وضنكها .
 حالة أخرى من ذات المجزرة غير أنها أشد مأساة من سابقتها حيث تصور هذه الحالة كل أنواع العذاب وتضعه في قالب واحد في قلب رجل واحد ذاك الرجل هو عبدالكريم السعيدي الذي بلغ سن الــــ 35 من عمره.. أما قصته بل مأساته فتبلورت في فقدانه لأبنه الوحيد الذي طال انتظاره لسنوات كثيرة فهو منذ أن تزوج في العام 2004م لم يرزقه الله بولد يملأ له فراغه العاطفي وظل طيلة هذه السنوات وهو يدعو الله ألا يخيب رجاءه وبعد أن كان اليأس قد بدأ يدب في قلبه إلا أن  الله أجاب  دعواته المستمرة والمتوالية ورزقه بولد أسماه محمد وبينما كان والد  محمد ينتظر أول يوم من شهر إبريل من العام الحالي ليطفئ الشمعة الثالثة من عمر طفله كانت طائرات التحالف الهمجي قد تولت هي بالنيابة عن والده إطفاء شمعة حياته وإلى الأبد بعد أن استهدفت الأبرياء من الناس هناك وهو من بينهم.
أحد الناجين
الضربة العدوانية الأولى للمدنيين لم تكن ببعيدة فقد نفذت في قلب العاصمة صنعاء وبالتحديد بالقرب من القاعدة الجوية “قاعدة الديلمي” وسقط في هذه العملية العديد من الشهداء والجرحى سليم الفقيه الذي كان أحد شهود العيان لهذه الجريمة كما أنه أحد الناجين منها يقول ” لم تتورع طائرات التحالف العدواني على اليمن من استهداف المدنيين فكل ما يهمها هو نفث غلها التي كانت تخبئه في صدورها الآثمة للشعب اليمني ” الفقيه  يصف لنا الحادثة بقوله: “لم نكن على ثقة بأن طائرات التحالف لا تخطئ أهدافها التي قالت إنها عسكرية وبالتالي كان الخوف يداخلنا كلما سمعنا أصوات الطائرات وهي تحلق فوق سماءنا  ولم يخيب التحالف ظننا ففي إحدى هجماته كان لنا نصيب منها إذ سقطت بعض القذائف على منازل المواطنين وهنا سقط عدد من الشهداء وبجانبهم عدد من الجرحى وبدورنا قمنا بإسعاف الضحايا إلى المستشفيات لعلهم يستردون عافيتهم التي سلبتها طائرات التحالف .
 تفاصيل المأساة
 شريف عبدالرحمن  كان على بعد أمتار قليلة  من مكان الضربة الجوية للطائرة السعودية في شارع النصر بالقرب من قاعدة الديلمي ولأن الضربة كانت قوية فلم ينجو هو من آثارها إذ أصيب بشظية في ظهره أردته الأرض مغمياٍ عليه ولم يصحو من غفوته القسرية إلا على سرير المستشفى وهو ذات المكان الذي أفصح فيه عن تفاصيل الجريمة السعودية بحق اليمنيين شريف  أحب أن يقول للسعودية ومن تستخدمهم كمعاول ومعاونيين لعدوانها أنها مهما عملت ومهما قتلت فإنها لن تستطيع ان تكسر عزيمة اليمنيين ولن تصل إلى أهدافها في تشريد اليمنيين وسفك دمائهم وانتهاك أراضيهم ولو أنها أرادت هذه الأخيرة فإن الهزيمة  النكراء ستكون في انتظارها ولن يمر هذا العدوان الظالم الغاشم على الشعب اليمني دون عقاب .
الأطفال والنساء
حمدي محمد جاء من محافظة حجة لزيارة بعض أقاربه في صنعاء وقبل أن يؤدي الغرض الذي أتى من اجله حدث ما لم يكن في الحسبان حيث طيران التحالف يقصف بلا هواده ودون اكتراث منازل المواطنين الأبرياء وكان من بين المنازل المقصوفة منزل صهره زوج شقيقته عامر الجهمي هذا المنزل كان على بعد أمتار قليلة من مكان سقوط القذيفة إلا أن قوة انفجارها أوصلت الأذى إلى الكثير من المنازل القريبة ولأنها كذلك فقد توزعت شظايا القذيفة العدوانية على تلك المنازل وحصل منزل هذا الرجل على قسط منها ومن رعاية الله أنه لم يحدث خسائر في الأرواح رغم وجود أكثر من عشرة أفراد داخل المنزل أكثر من النصف هم من النساء والأطفال .
  ضربات العدوان واستهدافها للمدنيين لم يقتصر ضررها على الناحية المادية والجسدية رغم أنها تعد جرائم بحق الإنسانية بل تعدى ذلك إلى أضرار نفسية بالغة أصابت الناس بالذعر بل أنها ــ بحسب مختصين ـ ستؤثر على الحالة النفسية للسكان على المدى المتوسط والطويل لا سيما عند الأطفال والنساء وفي ذات السياق أدلى الكثير من المواطنين بتصريحات كلها تصف حالة الخوف الكبيرة التي تعرضوا لها أطفالهم ونسائهم عند وقوع الضربات الجوية للعدوان السعودي إلا أنهم أكدوا ـ في سياق حديثهم ـ أن السعودية ومعاونيها من الدول العربية لن تحقق ما تصبو إليه وأن اليمنيين سيظلون صامدين مهما بلغت قسوة ضربات العدو .
ليس جديدا
مواطن من أبناء أمانة العاصمة كان له رأي آخر حول ضربات العدو على المدنيين ومدى تأثر الأطفال والنساء نفسيا بها فقال ” أطفالنا ونساؤنا ليسوا بالغرباء على الوضع في اليمن فنحن وإياهم نعيش كل الأوقات سلمها وحربها واعتقد أن أطفالنا ونساءنا قد أخذوا مناعة من الخوف من الحروب فهم عايشوا الصراع الدامي بين اليمنيين ـ على الأقل ـ في الأربع السنوات الماضية ولهذا لن تستطيع السعودية إركاع اليمنيين مهما امتلكت من سلاح أو قوة وعتاد عسكري فاليمن عْرفت منذ القدم أنها مقبرة للغزاة وحسبنا الله ونعم الوكيل “.

قد يعجبك ايضا