عندما يتحول التطرف إلى منهج

تستمر سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي تطال أبطال قواتنا المسلحة والأمن والمواطنين في ظل تباطؤ دور العلماء والمرشدين في وقت يتطلب منهم فيه طاقة أكبر للتوعية بمخاطر الفكر

التفكيري الذي يقود إلى أعمال إجرامية إرهابية تستهدف المجتمع وأمنه واستقراره وتعليقاٍ على هذا الدور والعمليات الإرهابية الأخيرة استطلعنا آراء مجموعة من العلماء والمرشدين والدعاة :
القاضي العلامة أحمد يحيى المتوكل -عضو المحكمة العليا قال: يجب على العلماء والخطباء أن تكون لهم النظرة الثاقبة في كيفية الدعوة إلى الإسلام القويم والمحبة والنهج القرآني الصحيح الذي

يدعو إلى الخير وجمع صفوف المسلمين قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا) .. فالله عز وجل أمر بالجمع وعدم الفرقة والعلماء لهم الدور الأساسي في توعية الناس وذلك عن

طريق الخطاب الدعوي الذي يركز على الوسطية المنهجية الصحيحة التي تجمع المجتمع الواحد أما الخطاب التحريضي المتشدد فلا لأنه يمزق نسيج المجتمع المسلم وهو نهج مرفوض ولا

ينبغي أن يكون من العلماء.
وأضاف بالقول: فالعلماء ورثة الأنبياء فهم يخاطبون عقول الناس ولذلك قال عز وجل لرسوله الكريم: (ادúعْ إلى سِبيل رِبكِ بالúحكúمِة وِالúمِوúعظِة الúحِسِنِة وِجِادلúهْم بالِتي هيِ أِحúسِنْ) فالحكمة من

شروط أولي العلم.
حتى يبتعدوا عن التجاذبات التي تقود إلى الخلاف الذي يؤدي إلى الفرقة والتلفيق والتزييف والتحريف في عقول الناس والذي تكون نتيجته فكر دموياٍ إرهابياٍ.
الخطاب المتطرف
فيما وجه القاضي حمود السعيدي –وكيل مساعد لشئون التوجيه- رسالة إلى العلماء والخطباء والمرشدين تحثهم على التوعية للناس بالحسنى وعدم التطرف والفرقة قائلاٍ: “إن الإسلام هو

الاعتصام (واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ويد الله مع الجماعة) والعنف والفضاضة والشدة في الخطاب يولد البغضاء

والعداء والقتال والخصام وقال تعالى عز وجل: (وقولوا للناس حْسúناٍ).
وتابع بالقول: فالحكمة والموعظة الحسنة في الخطاب بالتي هي أحسن من شروط الخطاب الإسلامي الذي لو طْبق لوجدنا أننا مثل الجسد الواحد والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل

المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وبنبرة فيها الأسف يقول: هذا الشعور لم يوجد إلا في عهد الصحابة للأسف أما الآن فلا وجود إلا للخطاب الناري الذي يدعو لسفك الدماء والخصام والعداوة والبغضاء والمادية والعنصرية

والتي تقود إلى انقسام المجتمع إلى طوائف وجماعات.
ويضيف السعيدي: إن العنف لا يولد إلا العنف والخطاب المتشدد والمتشنج لا يولد إلا السقوط في الهاوية قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
فالرحمة في أهل الحكمة الذين وصفهم النبي بأصحاب القلوب الرقيقة واللينة..
والجرائم التي ارتكبت في بيوت الله وطالت الجنود إنما هي نتييجة للخطاب المتشدد وغرسه في أصحاب النفوس الضعيفة.
الدخيل المستورد
من جهته يقول محمد علي السهماني –خطيب مسجد النور ومدير عام مركز التدريب والتأهيل بوزارة الأوقاف والإرشاد: يعد الخطاب الديني المتشدد من أهم أسباب اتساع وانتشار ظاهرة

العنف والإرهاب ولا يمكن بأي حال تجاهل الدور الخطير لخطاب المسجد السلبي الذي يتسم بالتعبئة الفكرية المتطرفة والفهم المغلوط والمشوه للنصوص والأحكام وفي تعاطي هذا الخطاب

المتشدد مع الأحداث بلغة التعصب والتطرف ونبذ الآخر بعبارات ومصطلحات التكفير واعتماد الفتاوى الدينية المتشددة والمتطرفة .. وغيرها من السلوكيات التي كان لها الدور الكبير في تنامي

ظاهرة الإرهاب والعنف من خلال ما يمارسه بعض الخطباء من دور سلبي في المساجد .. وأضاف بالقول: كلنا يعلم أن كثيراٍ من الناس خصوصاٍ الشباب انخرطوا في الجماعات المتطرفة

بناء على ماسمعوه وتلقوه ثم اعتقدوا به بناءٍ على الدعوات المتشددة والمتطرفة وبالتالي كان الاستغلال الأسوأ من قبل أرباب الإرهاب ومتصدري العنف ودعاته لمنابر المساجد سبباٍ رئيسياٍ

في انتشار هذه الظاهرة الخطيرة  وفي انضمام العديد من الناس خصوصاٍ من لا يملكون قسطاٍ معقولاٍ من العلم.
ويواصل السهماني حديثه بالقول: كما يجب هنا أن نشير ونحن نجري المقارنة وأوجه المشابهة بين علاقة خطاب المسجد المتشدد وبين تنامي الإرهاب أن نستذكر أن بدايية ظهور الخطاب

المتشدد في اليمن ودخوله إليها في بداية التسعينيات كان بداية لخطاب شاذ اعتبر في حينه غريباٍ على واقع الخطاب الديني في المساجد في تلك الفترة وهذا الخطاب المتشدد انخذع به الكثيرون

وتأثروا بمغالطات هذا النوع الذي حرص أن يتقمص رداء الدين وادعى انتسابه إلى مدرسة السنة من حيث العمل بها واقتفاء أثرها وزعم هذا الخطاب الدخيل والمستورد أنه ينهج منهج السلف

وغيرها من الادعاءات الفضفاضة والكلمات الجالبة للتعاطف وقال: لقد تمكن هذا الخطاب من خداع الكثيرين حتى وصل حال بعض المساجد إلى أن أصبحت بؤراٍ للإرهاب وانطلقت منها

الكثير من العمليات الإرهابية كما لفت إلى ضعف دور الجهات الرسمية الذي ساهم في انتشار هذه الظاهرة.
وخلص إلى القول: إن استمرار خطاب المسجد المتشدد والمتطرف بهذا الشكل الخطير دون إلجامه أو حتى الحد منه سيبقى مصائب الإرهاب وكوارثه الإجرامية قائمة وستتواصل مخططات

الإرهابيين إلى ما لا نهاية.
داعياٍ إلى تصحيح رسالة المسجد وتكريس الخطاب الجامع لا المفرق والوسطي لا المتطرف الخطاب الذي لا يكرسس ثقافة العنف والكراهية.
وتمنى السهماني أن تقوم الجهات المعنية بتشجيع ودعم وإظهار رسالة المسجد التنويرية رسالة الوسطية والاعتدال في وجه رسالة التطرف والتشدد وأن نقدم النموذج الأمثل من خطاب الجمعة.
وتابع: كم أشعر بالأسى والخزن عندما أسمع تنامي وانتشار خطب الجمعة المتطرفة ليس فقط في بعض المساجد بل وفي التسجيلات والمواقع والقنوات وفي المقابل انحسار وتضاؤل خطب

الجمعة المتزنة والمرحلة تتطلب منا تكريس المحبة والوئام والسلام كون هذا النوع من الخطاب مقصد من مقاصداٍ الإسلام الحنيف.     

قد يعجبك ايضا