خليل المعلمي
تختلف أراء السياسيين والمفكرين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك تجاه الحرب على غزة وتجاه القضية الفلسطينية، فالكثير منهم أصبح يلقي باللوم على الفلسطينيين وبالأخص على الفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال، وهم بذلك يرتكبون جرما وخيانة تجاه أمتهم العربية والإسلامية وتجاه إخوانهم الفلسطينيين الذين تقتلهم آلة الحرب الإسرائيلية في كل المناطق الفلسطينية سواء في الضفة أو غزة، وتطبق عليهم نظام الفصل العنصري في قوانينها وإجراءاتها وسياساتها، حتى الفلسطينيين الموجودين في فلسطين الداخل بما تسمى “أراضي ٤٨”، فهؤلاء أيضا يمارس الكيان الصهيوني عليهم نظام الفصل العنصري والتهجير والظلم بكافة أنواعه وعلى كافة المستويات، كونهم عرب وفلسطينيون وليسوا يهوداً.
وكما تنبأ الكاتب والمفكر عبد الوهاب المسيري في إحدى فعالياته قبل عدة عقود بأنه سيكون هناك صهاينة بيننا يؤدون الصلاة معنا ويشاركوننا العيش والأكل والشرب، وبالتالي فلن يحتاج الكيان الإسرائيلي إلى بذل المزيد من الجهد للترويج لأفكارهم ومعتقداتهم، فهناك الصهاينة العرب الذين سيبذلون قصارى جهودهم في الدفاع عن وجود هذا الكيان بل ومحاربة وحصار من يقاوم هذا الكيان الغاصب، حتى وصلنا إلى ما ذكره المسيري في الوقت القريب، وقد كشفته عملية طوفان” الأقصى” بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م.
ومع ذلك فلا يزال هناك الكثير من المفكرين والعقلاء والسياسيين من يحترمون أنفسهم وذواتهم وتاريخهم ومعتقداتهم والتاريخ النضالي للفلسطينيين والعرب خلال أكثر من 80 عاماً، والكفاح العربي ضد الدول الاستعماري خلال القرون الماضية حتى نالت الاستقلال.
بكل شجاعة يؤكد المفكر الكبير الدكتور مصطفى النشار أستاذ الفلسفة المتفرغ بكلية الآداب جامعة القاهرة رئيس الجمعية الفلسفية المصرية وهو أحد الفلاسفة الكبار في مصر والوطن العربي أن “حرب غزة” أهم حلقة من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي من عدة نواح فهي أولاً قد أيقظت الوعي العربي والإقليمي والدولي بأن ثمة قضية فلسطينية لم تحل بعد أن كاد الكلام عنها والاهتمام بها ينتهى وإلى الأبد، وثانياً أن هذه أول حرب حقيقية يخوضها ويقودها الفلسطينيون لتحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي، وثالثاً وهذا هو الأهم أن هذه هي البداية الحقيقية لزوال دولة إسرائيل المصطنعة على الأرض العربية حيث أيقظت هذه الحرب وفى العالم بشبابه وشيوخه، بل وعي الإسرائيليين أنفسهم بأنهم دولة احتلال وأنهم يعيشون على أرض ليست أرضهم، ومن ثم فقد بدأ الكثيرون منهم يعيدون النظر في جدوى وجودهم على هذه الأرض وفي دوام تصديقهم الترهات التي يرددها الحاخامات المتطرفون أنها أرض الميعاد…. إلخ.
وعلى الرغم من أن الغرب يتعامل بمنطق حق “إسرائيل” في الوجود من الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن الدكتور النشار يؤكد حول ذلك بالقول: ليس هناك تاريخياً دولة تسمى إسرائيل وإنما هي كيان استعماري خلقه المستعمرون الغربيون ليتخلصوا من ضغط اليهود الصهاينة ويبعدوهم عن أوروبا والغرب وليكونوا رأس حربة لهم مزروعاً في المنطقة العربية لتسهيل الاستيلاء على ثرواتها وللدفاع عن المصالح الغربية فيها، وأن التاريخ يعلمنا أن أي كيان استعماري مآله بالطبع إلى الزوال مهما طال الزمن به ومهما كان جبروته وقوته ومهما كانت قوة داعميه.
وأشار الدكتور النشار إلى أن إصلاح التعليم هو البوابة الواسعة لتحقيق التقدم والتنمية، وأنه المقوم الحضاري الأول لأي دولة تريد أن تتقدم، ونحن في الدول العربية نعرف ذلك جيداً لكننا للأسف لا نعمل بشكل كاف وجدي للوصول إلى تحقيقه.
وللدكتور النشار مؤلفات عديدة حول هذا الموضوع تؤكد أن نقطة البداية لأي دولة تريد أن تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة هي وضع استراتيجية خالصة يعدها الخبراء وليس غيرهم، بحيث تكون خطة طويلة الأجل تقوم على عدة محاور أولها القضاء المبرم على الأمية الأبجدية لتصبح مجتمعاً خالياً منها، وثانيا التركيز على التعليم التكنولوجي والمهني نظرياً وعملياً، وثالثاً غرس قيم ثقافة التقدم في أبناء المجتمع منذ نعومة أظفارهم، ورابعاً ضرورة إعطاء الأولوية القصوى لإصلاح حال المعلمين في كل مراحل التعليم من دور الحضانة إلى الجامعة، بحيث يتقاضى المعلمون أعلى راتب في البلاد لكي يتقنوا أداء أدوارهم ويخرجون لنا أجيالاً جديدة مسلحة بالعلم والمعرفة وأيضاً بالقدوة الأخلاقية الصالحة.
واستعرض الدكتور مصطفى النشار المواقف المتخاذلة التي اتخذتها الدول العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة وفلسطين، وأكد أنها تدل على مدى الضعف والهوان وتكشف في مجملها عن عدم شجاعة في اتخاذ القرار الصواب في الوقت المناسب، فلو أن أمريكا والدول الأوروبية وذيلهما إسرائيل أحسوا لحظة واحدة بأن العالم العربي والإسلامي قادر على اتخاذ موقف موحد وصارم رافض لهذا الاحتلال الغاشم ولهذه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لما استمر الكيان الإسرائيلي في هذا التعدي السافر للقانون الدولي ولما فعلت في غزة ما فعلت مما سيظل وصمة عار في جبين الإنسانية ككل، وشهادة على أن بشر هذا الزمان الردي، وقفوا يتفرجون على شعب يباد بأطفاله ونسائه وشيوخه، وإنسانيته تنتهك كل لحظة وبيوته تهدم بهذا الشكل الهمجي ليعيش بالعراء فاقداً كل مقومات الحياة.
ويبقى السؤال متى سيكون للحكومات العربية والإسلامية اهتمام بالمفكرين والعلماء وبدراساتهم وأبحاثهم الفكرية والعلمية والإنسانية ليستوعبوا أهمية ذلك في تطوير وتقدم مجتمعاتهم لمواجهة الأخطار التي يواجهونها، وكذلك للعمل من أجل الدفاع عن الشعوب المظلومة سواء كانت عربية أو إسلامية وغيرها من شعوب العالم التي تعاني الظلم من قبل الدول العظمى كأمريكا والدول الأوروبية.
