الثورة نت/ خاص
في خطوة تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والمؤسسة العامة للكهرباء، شرعت كهرباء المنطقة الثالثة بأمانة العاصمة في تنفيذ مشروع رائد يهدف إلى استثمار فائض إنتاج الطاقة الشمسية لدى المواطنين والمنشآت التجارية وضخه مباشرة إلى الشبكة الوطنية، في تجربة تمثل تحولًا نوعيًا في إدارة الطاقة وتوليدها.
المشروع، الذي بدأ التخطيط له منذ عام، ودخل حيز التنفيذ قبل شهرين فقط، يسير بخطى ثابتة نحو تحويل كل منزل ومنشأة في العاصمة إلى شريك منتج للطاقة، لا مجرد مستهلك.
هذا ما أكده المهندس غرسان عبدالباري غرسان، مدير كهرباء المنطقة الثالثة، لــ” الثورة نت” مستعرضاً تفاصيل المبادرة وأهدافها ونتائجها الأولية، متطرقًا إلى أبرز التحديات والآمال المستقبلية.
من الفكرة إلى الواقع
وفي هذا الصدد، أوضح المهندس غرسان أن المشروع انطلق من رؤية استراتيجية تهدف إلى سد فجوة العجز الكهربائي التي تفاقمت نتيجة سنوات الحرب وتضرر المنظومات التوليدية، وكان لا بد من التحول من فلسفة “التوليد المركزي” إلى “الإنتاج المجتمعي التشاركي”.
وأشار إلى أنه تم إدخال ثلاث منظومات إنتاجية في المرحلة الأولى، أبرزها محطة الخمسين التي تنتج حوالي 62 كيلوات، وتُرفد الشبكة الحكومية بما يعادل 9.5 ميجاوات شهريًا.
أما المشروع الثاني، فيقوم على الاستفادة من الفائض الإنتاجي للمنشآت التجارية الكبيرة، مثل المصانع والمطاعم، حيث تم التعاقد مع أحد المطاعم والذي يمتلك منظومة شمسية بقدرة 45 كيلوات، فيما لا يتجاوز استهلاكه اليومي 25 كيلوات. وخلال عشرة أيام فقط، قام المطعم بتصدير 1.8 ميجاوات من فائض إنتاجه مجانًا ودون مقابل.
وفي المشروع الثالث، تم التعاون مع أحد الثلاجات المركزية الخاصة، التي تصدر نحو 60 كيلوات من الطاقة يوميًا إلى الشبكة الحكومية، ويتم تصدير الفائض مجانًا.
وبحسب المهندس غرسان، فقد بلغ إجمالي ما تم تصديره خلال شهرين فقط أكثر من 29 ميجاوات، مع تزايد عدد المشتركين المتعاونين.
المواطنون شركاء لا مستهلكون
المدهش في هذا المشروع أن 80% من المواطنين الذين قاموا سابقًا بتركيب منظومات شمسية، لم يعودوا بحاجة إليها بعد تحسن خدمة التيار الحكومي أو التجاري، ما يجعل استثمارها في التصدير خيارًا ذكيًا واقتصاديًا.
ولتشجيع هذه الشراكة المجتمعية، يتطلع المهندس غرسان إلى أن تعتمد المؤسسة خطة تقضي باحتساب مبلغ 30-40 ريالًا لكل كيلووات يتم تصديره إلى الشبكة، بحيث يتم اقتطاعه من فاتورة المواطن في حال كان لديه استهلاك حكومي شهري، ما يخلق حافزًا حقيقيًا للاستمرار في التصدير، خصوصًا في النهار.
وفي هذا السياق، أفاد المهندس غرسان أن المؤسسة تقوم بتبديل وتركيب عدادات ذكية وفق المعايير العالمية، تحتسب الطاقة المصدّرة والمستهلكة بدقة، مما يسهل عملية احتساب الفارق وإصدار الفواتير على أساس الاستهلاك الصافي فقط.
فوائد متعددة وأثر مستدام
يرى المهندس غرسان أن المشروع يمثل ثورة في قطاع الطاقة المحلي، كونه يقلل الاعتماد على الديزل ويخفض تكلفة التشغيل، ويعزز من إنتاج الطاقة خلال ساعات النهار، حيث يرتفع الاستهلاك غالبًا في الليل، كما يُحفّز المواطنين على الانتقال من التحايل والسرقة إلى الشراكة والبناء، ويساهم في تنشيط اقتصاد الطاقة المجتمعية، ويحول كل سطح منزل إلى مصدر طاقة.
وأضاف: أن هذا المشروع يدفع نحو تخفيض تعرفة الاستهلاك للمواطنين من التيار الحكومي، خصوصًا في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد جراء الحرب والعدوان، مما يعزز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
وأشار إلى أن هذا المشروع يسهم في الحدّ من تغوّل “لوبيات” المولدات التجارية الذين سارعوا عند عودة المؤسسة لنشاطها وحقها في خدمة المواطن، إلى إطلاق حملات مزيفة وتخفيضات في محاولة لاجتذاب كبار المشتركين من حضن المؤسسة، في حين لا يحظى المواطن البسيط بأي تخفيض أو حتى حسن معاملة، أما كهرباء المنطقة الثالثة، فعلى العكس، تستقبل المواطنين بكل ودّ، وتُسهل جميع المعاملات لتوصيل التيار الحكومي لهم.
خطوات مستقبلية
يتطلع مدير عام المنطقة إلى توسيع القدرة التوليدية المصدّرة من المواطنين إلى الشبكة الوطنية، وخاصة خلال أوقات الذروة، في ظل إقبال واسع وتجاوب مجتمعي مشجّع.
ومع ذلك، لم تكن الطريق معبّدة بالكامل، إذ واجه المشروع تحديات أبرزها مقاومة بعض المنتفعين من أصحاب المولدات ومصالحهم التي ارتبطت بفوضى ما قبل عودة المؤسسة، وفقا للمهندس غرسان.
يستدرك غرسان حديثه قائلاً:” أن قيادة الوزارة والمؤسسة ستكون الداعم الأول لإصدار قرار رسمي بهذا الخصوص، استجابة لتوجهات حكومة التغيير والبناء، وتنفيذًا لتوجيهات السيد القائد وتطبيقًا عمليًا لوصايا الإمام مالك الأشتر في وصاياه لاستثمار الإمكانات المتاحة في خدمة المواطن وتخفيف معاناته”.
ويؤكد غرسان أن ما يجري اليوم في كهرباء المنطقة الثالثة تجربة رائدة في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتحويل “المواطن المستهلك” إلى “مواطن منتج”، في بلد يتمتع بأعلى معدلات السطوع الشمسي في العالم، وأمام تحديات تتطلب حلولًا مبتكرة وشراكات صادقة.
البعد البيئي والحفاظ على المناخ
إلى جانب البعد الاقتصادي والخدمي، يساهم المشروع في التخفيف من الأثر البيئي السلبي لأنظمة الطاقة الشمسية التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على البطاريات، فمعظم هذه البطاريات تحتوي على مواد سامة وثقيلة كالرصاص والحمض الكبريتي، وتمثل خطرًا بيئيًا كبيرًا عند التخلص منها بطرق غير آمنة أو عند تخزينها بشكل عشوائي في المناطق السكنية.
ووفق المهندس غرسان، فإنه ومن خلال تشجيع تصدير فائض الطاقة مباشرة إلى الشبكة الوطنية، يقل اعتماد المواطنين على البطاريات، مما يقلل من المخاطر البيئية طويلة المدى، ويعزز الاتجاه نحو طاقة نظيفة ومستدامة.
ويضيف: كما أن هذا المشروع يتماشى هذا التوجه مع الجهود العالمية للحد من التغيرات المناخية والانبعاثات، ويمنح اليمن فرصة حقيقية للمساهمة في حماية البيئة، رغم التحديات والعدوان الذي يمر به يمننا الحبيب والغالي.


