منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، كان الأمل يحدو الشعوب أن يكون مجلس الأمن مظلةً للعدل، وساحةً لإنصاف المظلومين، وكابحًا لجموح المعتدين. غير أن هذا الأمل ما لبث أن تبدّد مع أولى خطوات المجلس، حين تحوّل “الفيتو” إلى أداة تعطيل، وحق احتكار تفرضه الدول الخمس الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ ذلك الحين صار الفيتو الأمريكي أداةً ثابتة لحماية المعتدي وتكريس الظلم، لا سيما حين يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني أو بالمصالح الأمريكية المباشرة.
لقد تكرّرت مواقف واشنطن في استخدام الفيتو عشرات المرات ضد قرارات تدين جرائم الاحتلال الإسرائيلي، أو تطالب بوقف الاستيطان، أو تدعو لحماية المدنيين الفلسطينيين. وفي كل مرة، كانت الولايات المتحدة تعلن للعالم –بشكل سافر– أنها ليست راعية للسلام، بل شريك مباشر في قتل الأبرياء، وغطاء سياسي لإرهاب الدولة المتمثل في الكيان الصهيوني. بهذا الفيتو لم تُجهض قرارات دولية فحسب، بل قُبرت معها آمال الملايين من المستضعفين في نيل حقهم المشروع.
إن من يتأمل مسيرة الفيتو الأمريكي يدرك أنه لم يكن أبدًا أداة لتحقيق السلم العالمي، بل كان ولا يزال عدوًا للسلام والإنسانية. فما معنى أن تعترض دولة واحدة –مهما بلغت قوتها– على إرادة المجتمع الدولي بأسره؟ وما معنى أن تُعطّل قرارات أممية، توافق عليها عشرات الدول، لأن مصالح واشنطن أو مصالح حليفها الاستراتيجي مهددة؟ أليس هذا اعترافًا صريحًا بأن القانون الدولي لم يُخلق إلا ليُطوّع لمصلحة الأقوياء؟
لقد باتت صورة أمريكا، في عيون الشعوب، صورة الدولة التي تتشدق بحقوق الإنسان فيما هي أول من ينتهكها. فهي من يدّعي حماية الديمقراطية، بينما يمنح غطاءً شرعيًا لقتل الأطفال والنساء في غزة ولبنان والعراق واليمن وأفغانستان وغيرها. وهي من تتحدث عن محاربة الإرهاب، بينما يرعى فيتوها الإرهاب الحقيقي، ويمنح القتلة حصانة مطلقة من المساءلة والعقاب. بهذا المعنى، يمكن القول إن أمريكا ليست فقط حليفًا للظالم، بل هي صانعة الظلم وراعيته الأولى.
أيها الذين احتميتم بالفيتو الأمريكي، وتدثّرتم بظله، اعلموا أن التاريخ لا يرحم، وأن الشعوب لا تنسى. فمهما طال الزمن، ومهما جرى تزوير الحقائق، تبقى ذاكرة الأمة حية تسجّل المواقف، وتفرّق بين من ناصر المستضعفين ومن باع نفسه للظالمين. والولاء للظالمين ليس خيارًا سياسيًا عابرًا، بل هو خيانة لله ورسالاته، ونكوص عن واجب نصرة المظلوم، وهو عارٌ يلاحق أصحابه جيلاً بعد جيل.
إن العالم اليوم أمام حقيقة جلية: الفيتو الأمريكي لم يكن أبدًا أداة لتحقيق السلام، بل مظلة لاستدامة العدوان، وإرهاب مقنّن يشرعن القتل والتهجير. ومن هنا فإن مسؤولية الشعوب الحرة، وأصحاب الضمائر الحية، أن يفضحوا هذا النفاق، وألا يركنوا إلى وعود زائفة أو مؤتمرات جوفاء. فالتغيير لا يأتي من موائد التفاوض، بل من وحدة الشعوب ومقاومتها وإصرارها على أن الحرية حق لا منح، بل يُنتزع انتزاعًا.