في زمن الصمت العالمي المطبق حيث تغلق الأبواب وتشد الأسلاك الشائكة على حدود الإنسانية.. ينهض بحر من القلوب الحية ليكسر جدار العزلة بقوة التضامن.
أسطول الصمود العالمي ليس مجرد سفن تقطع البحر بقوة وثبات، بل هي إرادة جماعية تترجم أقوال الشعوب إلى أفعال وتحول الصرخات إلى حركة ملموسة.
هذه المبادرة التي انطلقت من خليط من الألم والأمل تحمل في طياتها رسالة واضحة: لن نترك إخواننا في غزة يواجهون المصير وحدهم. إنها تذكير للعالم بأن الإنسانية يجب أن تظل فوق السياسة، وأن الضمير الحي لا يمكن أن يقبل بحصار يجوع الأطفال ويمرض المرضى ويمنع أدوية الحياة.
لكن الطريق إلى غزة ليس مفروشاً بالورود فالسفن تواجه تهديدات واضحة وعنفاً معلناً وكأن محاولة إنقاذ الأرواح أصبحت جريمة في عيون البعض. الهجوم على إحدى السفن بمادة حارقة هو رسالة لا تخطئها العين لكنها لن تثني العزائم عن متابعة المسير. فالحق لا يهزم بالخوف والإرادة الشعبية أقوى من كل أنواع القمع.
وفي خضم هذه التحركات تبرز أصوات دولية متضاربة، فبينما تعلن إسبانيا دعمها الكامل للأسطول وتؤكد على حماية المشاركين، تعبر إيطاليا عن تحفظها وتخشى على سلامة رعاياها. هذا التباين يعكس انقساماً أوروبياً عميقاً حول القضية الفلسطينية لكنه في النهاية لن يمنع تقدم الموجة الإنسانية التي تقودها الشعوب بمعزل عن الحكومات.
الأهم من وصول السفن إلى غزة هو وصول صوتها إلى العالم. هذه المبادرة تفضح الصمت الدولي والتواطؤ مع جرائم الحرب وتكشف أن المجتمع المدني العالمي ما زال يملك روحاً يقظة وضميراً حياً. إنها تثبت أن التضامن الإنساني يمكن أن يكون قوة تغييرية حقيقية تتجاوز الحدود والاختلافات.
في النهاية نحن أمام لوحة إنسانية كبيرة يرسمها أناس عاديون بأيد ملأى بالإيمان والكرامة. قد تواجه السفن العواصف والتهديدات لكنها ستظل تمضي قدماً لأنها تحمل في قلوب بحارتها أعظم قوة: قوة الحق والعدالة.