الشتاء.. ربيع المؤمن

عبدالرحمن علي البعداني –
نعيش الآن فصل الشتاء نحْسْ بنفثات برúده نستنشق نسمات هوائه اللاذع نتأمل في كيفية تدرج برودته على بني البشرº فكم لله من آيات في كل ما يقع الحس عليه ويبصره العباد وما لا يبصرونه.
تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته ولو دخل عليه فجأةٍ لأضر ذلك بالأبدان وبالنبات وأهلكها ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك فهل من متأمل ومتفكر¿!
إن هذا الفصل نعيشه جميعا ولابد أن نستشعر أن هناك من هو أحوج بالرأفة والمساعدة منا لابد أن نتذكر أولئك الذين لامس بل اخترق بردْ الزمهرير عظامهم.
إن هناك مسلمين لا يحلم بل لا يتصور أحدهم وإن شئت قل لا يتوقع في الحسبان أن يصل إليه ثوب قد جعلته أنت مما فضل من ثيابك وملابسك.
قل لي بربك كم يملك أحدنا أثواباٍ¿ وكم يجدد ويتفنن في تنويع ملابسه¿ ملابس للصيف … و ملابس للشتاء …
وكم وكم وكم¿ خير كثير ونعِمَ لا تحصى ولكن !!!
هل جال في فكر أحدنا تلمس حال أولئك الذين لا يجدون ما يقيهم قساوة البرد وضراوة الشتاء.
إلى الله المشتكى!
لاِ تِحúقرِنِ صِغيúرِةٍ إنِ الúجبِالِ منِ الúحِصِى
فهيا أخيº امض وتصدق ولو بشيء يسيرº فربما يكون في نظرك حقيراٍ وعند ذلك الفقير المحتاج كبيراٍ وعظيماٍ.
فرح السلف بالشتاء:
قال عمر – رضي الله عنه -:”الشتاء غنيمة العابدين” وقال ابن مسعود: “مرحباٍ بالشتاءº تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام”.
ومن درر كلام الحسن البصري: “نعúم زمان المؤمن الشتاءº ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه” ولذا بكى المجتهدون على التفريط – إن فرطوا – في ليالي الشتاء بعدم القيام وفي نهاره بعدم الصيام.
ورحم الله معاذاٍ حيث قال: “لولا ثلاث: ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباٍ”.
وإنما كان الشتاءْ ربيعِ المؤمنº لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميِسِرة فيه ويصبر المؤمن في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحل به من جوع ولا عطش وكان أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – يقول: “ألا أدلكم على الغنيمة الباردة¿ قالوا: بلى. فيقول: الصيام في الشتاء”.
وقيام ليل الشتاء يسيرº لطوله فيمكن للنفس أن تأخذ حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاةº قال ابن رجب -رحمه الله -: “قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف”
رسائل الشتاء
ومن فضائل الشتاء أنه يْذكر بزمهرير جهنم ويوجب الاستعاذة منها.
ففي الحديث عند الشيخين وغيرهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “اشتكت النار إلى ربهاº فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاٍ فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيفº فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير” ورْوي عن ابن عباس أنه قال: “يستغيث أهل النار من الحرº فيغاثوا بريح باردة يصدع العظامِ بردْهاº فيسألوا الحر ويستغيثوا بحر جهنم”.
هذا خبر من قبلنا أما خبر أهل زمانناº فنسأل الله أن يصلح الأحوالº تضييع للفرائض والواجبات وتجرؤْ على حدود رب الأرض والسموات وسهر على ما يغضب الله ويْظúلم القلب ويطفئ نور الإيمان.
قال الخطابي: الغنيمة الباردة أي السهلةº لأن حرة العطش لا تنال الصائم فيه.
قال ابن رجب: معنى أنها غنيمة باردة: أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقةº فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواٍ صفواٍ بغير كلفة.
فحري بنا اقتناص هذه الغنيمة لاسيما في الأيام الفاضلة مثل الاثنين والخميس أو الأيام البيض ونحو ذلك.
وصية عمر الشتوية:
كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذا حضر الشتاء تعاهد ولاته وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعارٍا – وهي ما يلي البدن – ودثارٍا – الملابس الخارجية – فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه ومن كلام يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصره بمنامك والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك. وعن عبيد بن عمير – رحمه الله – أنه كان إذا جاء الشتاء قال: “يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا وقصر النهار لصيامكم فصوموا”.
فهي رسالة لنا جميعاٍ أن نجتهد في طلب مرضاة الرحمن في ليال الشتاء الطوال وفي غيرها ونكثر من صيام نهارهº فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ” الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة” رواه أحمد وحسنه الألباني إنها لغنيمة فأين المشمرون المخلصون¿!
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لطاعته واغتنام الساعات في مرضاته

قد يعجبك ايضا