سياسة التفكيك قد ترتد على الإمارات

محمد محسن الجوهري

 

تحرص الإمارات على صون وحدتها الوطنية وحماية اتحادها القائم على سبع كيانات منفصلة جغرافياً واجتماعياً، وتتعامل مع هذا الاتحاد بوصفه خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو المساس به، وتوظّف كل أدوات القوة السياسية والأمنية والاقتصادية لضمان استمراره واستقراره. غير أن هذا الحرص المعلن يتناقض تناقضاً فاضحاً مع دورها التخريبي في اليمن وغيرها من الدول العربية، حيث تنخرط بصورة مباشرة في دعم مشاريع التفكيك، وتغذية الصراعات المناطقية، والعمل المنهجي على تمزيق البلاد إلى كيانات متناحرة وضعيفة، يسهل التحكم بها وإدارتها من الخارج. فبينما ترى في وحدة أراضيها ضمانة لبقائها ونفوذها، تنظر إلى وحدة اليمن بوصفها خطراً يجب كسره، وهو ما يكشف ازدواجية المعايير وطبيعة المشروع القائم على الأنانية السياسية.

وهذا السلوك العدائي لا يمكن أن يمر دون تبعات، فالتاريخ السياسي يؤكد أن محاولات ضرب هوية الدول أو العبث بوحدتها الوطنية لا تظل فعلاً أحادي الاتجاه، بل تولّد ردود فعل مساوية لها في الحجم، ومناقضة لها في الاتجاه. وحين يوجد طرف قوي وواعٍ يستثمر في ضرب الوحدة الوطنية للإمارات، ويعمل على التفكيك إماراتها السبع مستغلاً نقاط الخلاف فيما بينها، فإن المشروع الإماراتي يصبح عبئاً على أصحابه قبل أن يكون خطراً على اليمن. فالهويات الراسخة تزداد صلابة تحت الضغط، وكل محاولة لتقسيم اليمن إنما تفتح الباب، عاجلاً أو آجلاً، لصراعات إقليمية معاكسة، لن تكون الإمارات بمنأى عن ارتداداتها السياسية والأمنية.

وتزداد فرص الانتقام من الإمارات باتساع مؤامراتها في الوطن العربي، فاليمن جزء بسيط من مشروع التفكيك لعيال زايد، فهناك لا يزال السودان وليبيا وسورية والعراق، وربما مصر في المستقبل القريب، وكل هذه الأطراف لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الصلف الإماراتي، ولها الحق أن تلعب على نفس الوتر الحساس الذي تلعب عليه، وأن تجعل من وحدة الإمارات وسيلة للفوضى والاقتتال الداخلي.

إن منطق السياسة لا يقوم على الفعل من طرف واحد دون تبعات، وكل مشروع يستثمر في ضرب الوحدة الوطنية للدول الأخرى يفتح الباب، موضوعياً، أمام ردود فعل مقابلة في الاتجاه المعاكس، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو الصراع الإقليمي أو إعادة تشكيل التحالفات.

وحين يتحول تفكيك الدول إلى أداة نفوذ، فإن وحدة الكيانات المتدخلة نفسها تصبح، نظرياً، عرضة للضغط والابتزاز السياسي في بيئة إقليمية مضطربة لا تعرف الثوابت. ولهذا، فإن الاستمرار في هذا النهج لا يهدد فقط الدول المستهدفة، بل يزرع عوامل عدم الاستقرار على المدى البعيد في قلب النظام الإقليمي كله، بما فيه الدول التي تتوهم أن قوتها الراهنة كفيلة بعزلها عن نتائج الفوضى التي ساهمت في صناعتها.

سياسات التدخل الإماراتية في العالم العربي منذ عقود أثّرت في مسارات النزاعات والسياسة في دول عديدة، وغالباً كانت تلك التدخلات تُسوّق على أنها مساعي ل«الاستقرار» أو «مكافحة الإرهاب». لكن الأدلة الميدانية والتحليلات تشير إلى أن هذه السياسات أدّت إلى نتائج عكسية: فوضى ممتدّة، صراعات متجددة، تفكك الدولة، وتعقيد المفاوضات السياسية في المناطق. وفي المقابل، هذه السياسات قد ترتد على الإمارات نفسها في صورة توترات مع حلفاء، تهديدات ضد وحدتها ووضعها الدولي، وظهور ردود فعل مضادة من القوى التي تأثرت بتدخلاتها.

 

 

 

قد يعجبك ايضا