اليمن وتوسيع معادلة الردع

أحلام الصوفي

 

في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، جاء خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ليعيد ضبط البوصلة الاستراتيجية في وجه محاولات الاختراق الصهيوني لمنطقة القرن الإفريقي، خصوصًا بعد إعلان الكيان الإسرائيلي نيّته إقامة وجود غير مباشر في “أرض الصومال” عبر اتفاقات ومشاريع تمويهية تستهدف تثبيت نفوذ أمني واستخباراتي على مقربة من باب المندب.

الخطاب لم يكن مجرد رد فعل على تحرك صهيوني طارئ، بل تجسيد لرؤية يمنية متقدمة تستبق الأحداث وتقرأ بعمق خريطة التحالفات الجديدة التي تعمل إسرائيل على بنائها ضمن مساحات رخوة سياسيًا، لكنها شديدة الحساسية جغرافيًا. السيد القائد حدد بشكل قاطع أن أي تواجد صهيوني في منطقة الصومال أو ممرات البحر الأحمر سيكون هدفًا مشروعًا، وهو ما يعني توسيع دائرة الردع اليمنية إلى ما بعد البحر الأحمر لتشمل القرن الإفريقي ومحيط المضائق الاستراتيجية.

هذا الموقف يمثل تحوّلًا كبيرًا في طبيعة الدور اليمني، فلم تعد صنعاء تكتفي بالدفاع عن حدودها أو بمساندة القضية الفلسطينية من باب التضامن، بل أصبحت تمارس تأثيرًا مباشرًا على التوازنات الإقليمية من منطلق استراتيجي مستقل. التهديد الصريح ضد أي وجود صهيوني في المنطقة يفرض معادلة جديدة على طاولة القوى الإقليمية والدولية، ويعيد الاعتبار لدور اليمن كمحور مقاوم لا يمكن تجاوزه أو تطويقه.

إن ما يجري من تنسيق بين الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة الهشة في القرن الإفريقي، وتحديدًا في “صوماليلاند”، ليس سوى حلقة من مسلسل طويل بدأ بوعد بلفور ولا يزال يتكرر بأشكال جديدة. المشروع الصهيوني يتغذى على تفكك الدول العربية والإسلامية، ويحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم عند كل فراغ استراتيجي، وهذا ما تنبّهت له صنعاء باكرًا، فأعلنت موقفها الحاسم دون مواربة أو دبلوماسية.

الرسالة اليمنية واضحة: لا تساهل مع تمدد صهيوني في محيط اليمن، ولا مكان على الأرض العربية لمن يفتح بوابات البحر والبر أمام عدو الأمة. هذا الموقف ليس اندفاعًا عاطفيًا، بل نابع من قراءة دقيقة لطبيعة التحركات الدولية، ومن شعور عالٍ بالمسؤولية التاريخية التي تتحمّلها صنعاء ضمن محور المقاومة.

وعليه، فإن الخطاب جاء في توقيت حاسم، حيث تحاول بعض القوى الإقليمية خلط الأوراق بين جنوب اليمن والقرن الإفريقي، وشرعنة مشاريع تقسيم وتمكين صهيوني في العمق الاستراتيجي للأمة. وإن كانت بعض الأنظمة قد اختارت طريق العمالة والتطبيع، فإن صنعاء تؤكد بصلابة أنها باقية في خندق الصراع مع العدو، في كل الجبهات.

اليوم، لم يعد البحر الأحمر منطقة حياد، بل ساحة مواجهة مفتوحة، ومن يتحالف مع العدو الصهيوني سيكون في مرمى النار اليمنية. هذه هي معادلة الردع الجديدة التي ترسمها صنعاء، لا بالكلمات فقط، بل بالمواقف والخطى العملية.

السيد عبدالملك الحوثي، في خطابه الأخير، لم يخاطب الداخل فقط، بل بعث برسالة دولية لكل من يراهن على الزمن لتطبيع الاحتلال وتوسيع نفوذه. الرسالة أن اليمن حاضر، والمقاومة مستمرة، والرد لن يكون انتظاريًا، بل حاسمًا، وقادرًا على قلب الموازين.

قد يعجبك ايضا