في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلادنا جراء استمرار العدوان والحصار الأمريكي السعودي على بلادنا منذ عشر سنوات، تأتي المبادرات الصحية المجتمعية كضوءٍ في نهاية النفق، وكان للمركز الوطني لمختبرات لاصحة العامة المركزية دورٌ ريادي في هذا السياق، إذ أتيحت لي الفرصة لزيارته والاطلاع على حجم الجهد المبذول في سبيل خدمة المواطنين، وبمبالغ رمزية تعكس روح المسؤولية المجتمعية، خصوصاً في ظل الميزانية المتواضعة التي تخصصها له وزارة المالية.
المركز يستقبل يومياً مئات المرضى الذين يبحثون عن خدمات فحص مخبرية دقيقة وموثوقة، وفي ظل التكلفة المنخفضة التي تُطلب مقابل هذه الفحوصات، بدا واضحاً أن المركز لا يسعى للربح بقدر ما يهدف إلى تحقيق العدالة الصحية، خاصةً وأنه يقدم فحوصات مجانية بالكامل للفئات الخاصة من المجاهدين وأسر الشهداء والجرحى وأحيانا كثيرة للأسر أشد احتياجاً، وهي لفتة إنسانية تعكس إلتزاماً وطنياً في التعامل مع قضايا المجتمع والتضحيات التي يقدمها أبناؤه.
خلال الزيارة، لفت انتباهي التنظيم المحكم والنظام الدقيق الذي يسير به العمل، فضلاً عن الأجهزة الحديثة التي تم توفيرها مؤخراً.. هذا التطور اللافت لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة للقيادة الحكيمة والإدارية المحترفة التي يمثلها المدير التنفيذي الحالي ونائبه للشؤون الفنية والمدير المالي، والذين أحدثوا نقلة نوعية في أداء المركز، من حيث جودة الفحوصات وسرعة الإنجاز وتسهيل الإجراءات أمام المرضى.
ورغم هذه النجاحات، يظل سؤال كبير يطرح نفسه: أين دور المؤسسات الإيرادية الكبرى في دعم استمرارية هذا المركز الحيوي؟ أين مساهمة الهيئة العامة للزكاة والهيئة العامة للأوقاف التي يفترض بهما أن تسهما في دعم مثل هذه المرافق الخدمية؟ وما موقف شركات الاتصالات والبنوك والمصارف؟ تلك الجهات التي تحقق أرباحاً كبيرة من المجتمع، ألم يحن الوقت لتقوم بدورها في تعزيـز الاستقرار الصحي؟
إن دعم المركز الوطني لمختبرات الصحة لا ينبغي أن يكون مقتصراً على وزارة المالية فقط، فالمركز اليوم يحتاج إلى موارد ثابتة وإيرادات دائمة تضمن استمرار خدماته وتطوره، وهذه مسؤولية جماعية تتطلب تحركاً من كل الجهات التي تُحسب على القطاع العام والخاص، لأن الاستثمار في الصحة هو الاستثمار في الإنسان، وهو أساس كل نهضة وتنمية مستدامة.
زيارتي لهذا المركز جعلتني أدرك مدى أهمية وجود مؤسسات صحية تعمل بمفهوم الخدمة قبل الربح، ولكنها كذلك زادت من قناعتي أن النجاح لا يمكن أن يستمر دون تكاتف الجميع ودعمهم، فهل نرى قريباً مبادرات مسؤولة من تلك المؤسسات لدعم هذا الصرح الطبي؟ الجواب بيد كل من يؤمن أن صحة الإنسان لا يجب أن تكون محل مساومة أو انتظار.