إجراءات الهيئة العامة للأوقاف كشفت عن حالات اختلال ونهب طالت أموال الوقف طوال العقود الماضية
معظم المسودات المزورة المرتبطة بعصابات (البسط على أموال الوقف) بعضها يعود إلى ما قبل 250سنة
الثورة/ جميل الحملي
– في عام 2020م انتقل الوارث سعد أحمد الصوفي إلى رحمة الله عن عمر يناهز الـ (75) عاما بعدما انهمك حتى في آخر 5 سنوات، مواصلا تحركاته لدى مكاتب الجهة المعنية من أجل الإلزام بحصر الأراضي التي أوقفها جده الحاج صلاح الجله في مديرية الجبين بمحافظة ريمة وأينما وجدت، ولمواجهة (حالات فساد وإفساد عبر التصرف بالبيع لمواضع ضمن الوقف الخاص !) .
في حين أن العميد المتقاعد أحمد عبدالجليل الحملي الذي تعدى منتصف عقده السابع محتسبا إلى الله وذلك لعدم تملكه هو وجميع الورثة وأولادهم لأراضيهم في محافظة صنعاء وبلاد آنس بذمار، سواء الحر منها أو الوقف، كحال المرحوم والدهم عبدالجليل الابن الوحيد لجدهم حمود الضياء الذي استشهد ضمن حجاج اليمن بمجزرة (تنومة وسدوان) عام 1923م .
وإثر الإشارة إلى مآلات (الصوفي، الحملي) لكونها ارتبطت بأخطر جانب في (قضية الألف عام) التي يمثل حلول (رمضان) شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار مناسبة للتذكير بها باعتبارها متعلقة بـ(أموال الوقف) وما تتعرض له رغم فوائدها الدينية والمجتمعية، فالسطور التي يتضمنها هذا التحقيق غير متمحورة تفاصيلها على تكرار ما يساق ضمن غالبية الأحاديث الإنشائية أو التسويفية البعيدة عن التطرق إلى خفايا متعلقة بعصابات (تزوير المسودات) .
– لم يكن يخطر ببال معظم الورثة المنتفعين بمن فيهم المرحوم سعد أحمد الصوفي قبل وفاته، أن تصل إلى ما وصلت إليه تطورات قضية مواضع الوقف بما فيها تلك المحددة ضمن أراضي أحد الأودية بمديرية الجبين والتي أوصى بها جدهم الحاج صلاح الجله، مع توالي لجان حصرها والتغييرات في منصب مدير مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة ريمة وعدم وصول عوائدها السنوية لأي من الورثة الحقيقيين، في وقت كانت خلاله وسائل إعلام تابعة لمرتزقة تحالف العدوان الغاشم تواصل الترويج – منذ ما بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م – زاعمة من خلال بعض موادها المنشورة عن (الإهمال الكبير والركود العجيب والعبث والنهب اللامتناهي في أموال الوقف …) !
وادي سير
– بالاطلاع على عدد من الشكاوى التي تقدم بها الوارث سعد أحمد الصوفي إلى كبار مسؤولي وزارة الأوقاف والارشاد في العاصمة صنعاء بالإضافة لمجموعة من المخاطبات الرسمية بين جهات إدارية وضبطية، اتضح أن الشاكي واجه خلال الفترة الزمنية القليلة التي سبقت لحظة وفاته، حملة ممنهجة عبر مجموعة أشخاص ضمن المحسوبين على ورثة الحاج صلاح الجله، مستهدفا إخراجهم من مواضع الوقف الخاص في (وادي سير) بمديرية الجبين في محافظة ريمة قبل إيقاف عمليات البيع المخالفة التي طالتها على الرغم من أنه تم البناء في بعضها (محلات، دكاكين، بيوت) !
وبحسب رسائل ومذكرات رسمية فقد استمر اثنان من أولاد المرحوم الشاكي الصوفي في مواجهة ما يحدث تجاه أراضي وقف جدهم الحاج صلاح الجله في (وادي سير) خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة الماضية، بالتزامن مع بروز (غير مسبوق)، المتمثل في الكشف عن أدلة الإثبات المقدمة من النيابة الجزائية في أمانة العاصمة صنعاء أمام المحاكم بشأن قضايا الاستيلاء على مساحات شاسعة من أملاك الدولة والوقف والمواطنين وذلك من خلال عصابات تزوير محررات (بصائر) لأملاك الوقف ومواطنين مسجلة بتواريخ تعود إلى ما قبل (700) عام (بعلم وبدون علم) وكذلك ممن يسمون أنفسهم (متولي الوقف والوصايا) .
وبينما اعتبر أحد أحفاد الورثة الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، أن ما جاء ضمن أدلة الإثبات المقدمة من النيابة الجزائية في أمانة العاصمة صنعاء، مؤخرا، يعزز من حقيقة ما تعرضت له أراضي وقف جده الحاج صلاح الجله في مديرية الجبين عبر عمليات إخفاء أو تزوير (مسودات) متعلقة بـ(الوقفية الأصل) خلال الأربعمائة سنة الهجرية الماضية بمشاركة من بعض المتولين للوقف ووجاهات اجتماعية مع تجار ومسؤولي سلطات محلية في محافظة ريمة، كشف عن ما قال إنها حادثة غير معروفة على نطاق واسع، متعلقة بأراضي وقف جده الحاج صلاح الجله في ما يطلق عليه (وادي فاطمة) الواقع حاليا في داخل حدود السعودية .
وادي فاطمة
– ما تم الكشف عنه بخصوص خفايا أراضي الوقف في (وادي فاطمة) قرب مكة في السعودية كرره (ع، أ، ح) وهو أحد المطلعين على ملف متكامل يشمل قضايا وقف الحاج صلاح الجله، مشيرا إلى أن أحدهم وصل إلى بيت أحد الورثة المنتفعين لكونه من أبناء ريمة وتحدث عن حصوله على مسودة وقفية (في عدة دول) باسم بنت وارثة من نسل تقي الدين صلاح بن عبدالله الحاج، لكن أحد أشهر تجار الصرافة في ريمة جمع الورثة وأخبرهم بأن المشايخ يحصلون سنويا على نصيبهم من عوائد أراضي وقف (وادي فاطمة) بما يقدر بـ(50 مليون ريال سعودي)، عارضا عليهم التوقيع له باعتباره من ورثة الحاج صلاح الجله على أن يلتزم للقرية بصرف ثلاث سيارات حديثة سنويا ومعاشات شهرية فقوبل ذلك بالرفض من الأغلبية باستثناء ناظر الوقف وكان من أقرب المقربين لأحد كبار مسؤولي جهاز الاستخبارات العسكرية خلال عقود حكم رئيس النظام السابق .
وهو ما توافق مع ما كشفت عنه إجراءات الهيئة العامة للأوقاف في أمانة العاصمة صنعاء، أخيرا، عن حالات الاختلال والنهب التي طالت أموال الوقف طوال العقود الماضية في الداخل ووصولا إلى الخارج، في تأكيد على استشراء فساد كبار القيادات العسكرية والمدنية التابعين لرئيس النظام السابق ولاسيما أولئك الذين وقفوا ضد ثورة 21 سبتمبر 2014م في بدايات اندلاعها، ويعيد إلى الأذهان حادثة مرتبطة بالسعودية وعوائد وقف الحاج صلاح الجله في (وادي فاطمة) حدثت في مبنى مطار صنعاء قبل فترة زمنية غير بعيدة .
ووفقا لمصادر خاصة وإعلامية متطابقة، فحينها تم توقيف أحد المسافرين القادمين من السعودية على متن إحدى الطائرات الواصلة إلى مطار العاصمة صنعاء ومصادرة (50 مليون ريال سعودي عوائد سنوية من وقف وادي فاطمة) وجدت في داخل حقائبه قبل أن يتمكن من استرداد ما لايقل عن (10 ملايين ريال سعودي) هي التي استولى عليها فقط، رغم أن المفروض مع (40 مليون ريال سعودي المصادرة !) صرفها تبعا لمسودات وقفية الحاج صلاح الجله (على فقراء المسلمين ولإقامة الحضرات وإحياء لياليها بالتلاوة والذكر والتهليل وقراءة الأحاديث النبوية) .
250 لبنة وقف
– وما بين تفاصيل هذا التحقيق، بداية من (وادي سير) في محافظة ريمة وإلى (وادي فاطمة) في مكة، تظهر إزاء قضايا أراضي الوقف الخاص والعام ما يمكن اعتبارها ضمن توابع تلك المجزرة التي استشهد فيها قرابة (3) آلاف من حجيجنا في (تنومة وسدوان) قبل أكثر من قرن، حيث كشف الباحث الدكتور حمود عبدالله الأهنومي – في أحدث طبعة لكتابه الوثائقي (مجزرة الحجاج الكبرى) – عن تواجد ضحايا ممن وثق أسماءهم في قائمة بالمئات لشهداء تلك المجزرة الوحشية لم يتمكن ورثتهم من تقسيم التركة أو الميراث لمدد زمنية طويلة وصل بعضها إلى أكثر من (70) عاماً، ما تعتبر إشارة بحثية واضحة إلى فداحة توابع تداول أنباء استشهاد غالبية الحجيج في ذلك الوقت وانعكاساتها على أحوال أهاليهم وأقاربهم، ولاحقا على مدى ثبوتهم على أملاكهم أو تملكها (ورثا) سواء جميع البيوت أو الحوانيت أو الأراضي الزراعية (حر، وقف) .
وفي محتوى وصية واحد من أبناء شهداء مجزرة (تنومة وسدوان) وهو المرحوم عبدالجليل بن حمود الضياء الحملي – الذي توفي عام 1980م – لم تشتمل تلك الوصية لأولاده الأربعة وابنتيه وزوجته التوريث لما يقارب من (250 لبنة وقف مال ورهق) ضمن الأراضي الواقعة في مديرية السبعين بأمانة العاصمة وكذلك في ضاحية الروضة التابعة لمحافظة صنعاء طبقا لمضمون (بصائر مجهولة !) وجدت ضمن الفصول والأحكام الشرعية الصحيحة التي تم الاعتماد عليها في إثبات ملكية الموصي (ورثا من بعد والده الشهيد حمود الضياء الحملي)، لمنزلين بقرية حمل ومدينة صنعاء القديمة، بعيدا عن بقية الوثائق لديهم بما فيها تلك المتعلقة بالأراضي في بلاد آنس بذمار إثر حدوث (تغيير) في التسميات وحدود المواضع المورثة مع ألقاب جميع (الغرماء) المتملكين لها بدون وجه حق !
تأريخ البسط
– من جهته يوضح علي عبدالكريم الحملي أن عمه العميد المتقاعد أحمد عبدالجليل الحملي، قد حاول استرجاع جميع أملاك وأراضي الجد الشهيد حمود الضياء الحملي في قرية حمل بمحافظة صنعاء عبر القضاء في عام 1996م لولا القرار الظالم بعدم سماع الدعوى (لمضي المدة الطائلة على تأريخ البسط !) اعتمادا على مواد قانون (الإثبات الشرعي) التي لا تتضمن ما يتعامل مع حالات (غير معهودة) من أمثال توابع مجزرة الحجيج في (تنومة وسدوان) عام 1923م.. مضيفا : غير المفهوم مع وجود بصائر (250 لبنة وقف) أن تلك المواضع على شارع تعز والروضة بصنعاء حتى اليوم لم تستغل بشكل كامل من قبل الجهات المعنية بالوقف العام بينما نحن لم نتمكن من الحصول على ما يثبت أنها ضمن أملاك جدنا الشهيد حمود الضياء الحملي ! .
أما أبرز المصادر التاريخية، فنوهت بشأن قضايا أموال الوقف العام والخاص وما يصفه بعض الباحثين والمعنيين بـ(غسيل أموال الوقف) إلى الفترة الزمنية لحكم الإمام المهدي لدين الله العباس بن المنصور بالله الحسين، باعتبارها كانت الفترة التي اشتهرت بالاهتمام على مستوى (الدولة) بتنظيم (أموال الوقف) والاستفادة من عوائدها في بناء وتوسيع وترميم المساجد والمدارس والأربطة الدينية في أنحاء البلاد، بالإضافة إلى صرفها على فئات الفقراء والمساكين وعابري السبيل، لكن ذلك لم يمنع من تداول اجتهادات حديثة ترجح أن معظم المسودات المزورة المرتبطة بعصابات (البسط على أموال الوقف) تعود إلى فترة ما بعد عهد حكم الإمام المهدي لدين الله العباس، وذلك منذ قرابة 250 سنة هجرية.