واشنطن مصدومة والعدو الصهيوني يبتلع الوجع.. أكبر من سفينة وأبعد من خطر

عملية البحر الأحمر تلفت أنظار العالم وتحشد الجماهير العربية والإسلامية خلف المواجهة بالسلاح

 

الثورة / تقرير
لفتت العملية النوعية – التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وتكللت بالاستيلاء على سفينة شحن صهيونية – أنظار العالم، وخلال الساعات الماضية أظهرت وسائل الإعلام والمحللون والمراقبون اهتماما مكثفا تجاه العملية لما فيها من أهمية وأبعاد عسكرية واقتصادية، ولما تشكله من قفزة نوعية في موقف اليمن نصرة لغزة.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي نشاطا مكثفا وفاعلا من مختلف البلدان العربية والإسلامية تفاعلا مع العملية وإشادة بها وتأييدا وتعبيرا عن حجم كبير من التقدير والاحترام للشعب اليمني وقيادته وقواته المسلحة على تنفيذ هذه العملية المباركة.
واعتبر مراقبون أن استيلاء القوات المسلحة اليمنية على أول سفينة شحن إسرائيلية في البحر الأحمر هو تطوّرٌ نوعي يفرض نفسه على واقع الحرب العدوانية على غزة، وعلى المحتشدين في دعمها ورعايتها، كما أنها تضع العدو الصهيوني الذي حاول خلال الأسابيع الماضية اتباع استراتيجية التخفي والتمويه في البحر الأحمر، أمام واقع لا يستطيع تجاوزه.
فبحسب المصادر فإن السفينة الإسرائيلية «جالاكسي ليدر»، كانت تتعمّد التمويه وترفع علم الباهاما، وتطفئ أجهزة التعارف، ومع ذلك تمكنت القوات المسلحة اليمنية من رصدها وتعقبها والاستيلاء عليها، حيث جرت العملية المصورة بواسطِة طائرة عمودية هبطت على سطح السفينة، واقتادتها إلى موانئ اليمن مع طاقمها.
وإلى أبعد من ذلك، فإن العملية من شأنها أن تؤدي إلى خنق اقتصاد كيان العدو الصهيوني وتكبيده خسائر فادحة، فالعملية تكرس بأن السفن الصهيونية لم تعد قادرة على الإبحار في البحر الأحمر، وما يضاعف الخسائر هو أن العدو الصهيوني يعتمد على البحر الأحمر في استيراده بنسبة 70%، علاوة على ذلك فقد أدت العملية إلى رفع شركات الشحن الأخرى في رفع تكاليف الإبحار إلى موانئ كيان العدو وارتفاع رسوم التأمين البحري بعشرة أضعاف.

عملية وازنة لصالح غزة
وقد عبر الفلسطينيون عن سعادتهم الغامرة تجاه العملية، مؤكدين أن العملية أشعرتهم بأن اليمن على استعدادٍ للذهاب إلى أبعد مدى في دعمهم، وأعادت إلى الفلسطيني ثقته بقدرة قضيته على حشد المقاومين في مختلف الساحات، واعتبروا العملية تثبت أن اليمنيين أنصارٌ لله اسماً ومسمّى، وأنصارٌ لمستضعفي فلسطين فعلاً وعملاً.
واللافت في دخول اليمن على خط المواجهة منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في الـ 7 من أكتوبر الماضي، أنها لم تكن مطالبة بذلك، فالكلّ يدرك بُعد المسافة بين اليمن وبين الأراضي المحتلة، كما يعرف الجميع الصعوبات التي يعيشها اليمنيون بسبب الحرب التي شنت عليهم من قبل التحالف السعودي الأمريكي العربي منذ تسعة أعوام، لكن اليمن اختار القتال رغم كلّ المعوّقات.
وعلى مدار الأسابيع الماضية استمرت القوات المسلحة اليمنية بإطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه أم الرشراش المحتلة «إيلات»، حيث لا تكمن عبقرية هذا العمل العسكري فقط في قدرته على تخريب منشآت تابعة لكيان الاحتلال الصهيوني، أو إسقاط قتلى بين صفوفه، وإنما تكمن في قدرة محور المقاومة على اصطياد الصهيوني أينما كان.
فعندما فرّ المستوطنون من شمال الأراضي المحتلة على وقع صواريخ حزب الله إلى الجنوب – أي إلى «إيلات»، لقضاء وقت آمن في فنادقها وملاهيها – كانت صواريخ اليمن بانتظارهم، لتكون الرسالة واضحة، لا مكان آمن للصهاينة في فلسطين المحتلة.
ومع ذلك لم تكتفِ اليمن بصواريخها ومسيراتها التي تعبر البحر الأحمر طولاً لنحو 2000 كم أو أقلّ قليلاً، بل صعّدت من مشاركتها في «طوفان الأقصى»، فكان إعلان قائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يوم الاثنين الماضي، بإدخال المعادلة البحرية وتأكيده أنّ القوات المسلحة اليمنية ستظفر بسفن العدو الصهيوني في البحر الأحمر، إيذان بما يخطط له اليمن من عمليات موجعة للعدو الصهيوني.
وقد جاء التنفيذ مُصدّقاً لما قاله قائد الثورة، بإعلان القوات المسلحة يوم أمس الأول، أنّ القوات البحرية اليمنية نفّذت عملية عسكرية كان من نتائجها الاستيلاء على سفينة إسرائيلية واقتيادها إلى الساحل اليمني، إنجاز تحقق رغم أن السفن الصهيونية تتعمد منذ أسابيع في حركتها بالبحر الأحمر على التهريب والتمويه، إذ لا ترفع العلم الصهيوني على سفنها، وتطفئ أجهزة التعارف ومع ذلك تمكنت القوات البحرية اليمنية من القبض على سفينة الشحن ليدر.
وهذا الأمر يكشف ما يكشف لناحية قدرة القوات المسلحة اليمنية الاستخبارية، والتي مكّنتها من تحديد هوية السفينة و«جنسية» مالكيها، كما تكشف لناحية الاستيلاء وتنفيذ العملية وسط البحر الأحمر إلى أن مياه البحر الأحمر تحت سيطرة القوات المسلحة اليمنية وسيادتها بشكل شبه كامل.

عبقرية التوقيت… وجسامة الهدف
باحتجاز السفينة الإسرائيلية «غالاكسي ليدر»، يوم الـ 19 من نوفمبر، تكون القوات البحرية اليمنية قد نجحت في توجيه عدد من الرسائل، منها ما هو موجّه إلى كيان العدو الصهيوني، ومنها ما يتخطّى ذلك ليصل إلى مسامع البيت الأبيض والعالم أجمع، ومنها ما يستهدف المواطنين العرب والمسلمين في كل مكان حول العالم، يمكن إجمالها في الآتي:
أولاً: التعاطف مع الفلسطينيين لا يعني مجرّد التباكي على الشهداء أو التأوّه عند مشاهدة الأطفال الجوعى النازحين برفقة أسرهم، بل يعني التضامن معهم في دربهم الطويل الذي ساروا فيه لتحرير أراضيهم من الاحتلال بكل سبل المقاومة المتاحة، وهذا يشمل فعل كل ما هو متاح لإيذاء وإضعاف وتشتيت تركيز عدوّهم الإسرائيلي، وهذا ما يقوم به بالفعل محور المقاومة على مختلف الجبهات.
ثانياً: الكيان الإسرائيلي هشّ وضعيف رغم عدوانيّته المُفرطة والدعم الغربي الذي يتمتع به، ويمكن النيل منه وإرباكه، فقط، إذا توفّرت الإرادة وتحلّت المقاومة بالصبر والثبات.
ثالثاً: القوات المسلحة اليمنية نجحت في تطوير قدراتها على التتبّع والرصد، وذلك بالتعاون مع كامل المحور المقاوم الذي تنتمي إليه، مما مكّنها من تحديد هوية السفينة المحتجزة، رغم أن السفن الإسرائيلية دوماً ما تعتمد أسلوب التمويه في البحر الأحمر.
رابعاً: كيان العدو الصهيوني سينزف من دمه واقتصاده طالما استمر عدوانه، فعملية اليمن الأخيرة، ستُلحق أضراراً بالغة بالتجارة البحرية الصهيونية، ويصبح البحر الأحمر منطقة محرّمة على السفن الإسرائيلية.
خامسا: العملية تكرس ما يعني أن الخناق يضيق يوماً بعد آخر على الكيان الصهيوني، وسيتضرر كثيرا من النواحي الاقتصادية وسيعيش وضعا خانقا بتوقف الشحن عبر البحر الأحمر.

الفصائل الفلسطينية تحيي العملية
أشادت الفصائل الفلسطينية كافة من حركة حماس إلى الجهاد إلى الجبهة الشعبية بتمكّن القوات المسلحة اليمنية من السيطرة على سفينة إسرائيلية، ليس لأنها تؤلم العدو وتحرمه من أمانه فقط، بل لأنها تُدخل المعركة بالفعل في مرحلة جديدة، مرحلة تدفع العدو الإسرائيلي إلى إدراك أنه محاصر ومطارد ومُستهدف داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وأن الأضرار ستتسع وستضغط عليه لوقف العدوان على غزة.
ومن اللافت أن الإعلام الصهيوني تحدث بوضوح عما سيحدث من أضرار اقتصادية وغيرها من هكذا عملية، وما يلفت النظر هو اهتمام العدو الإسرائيلي بالجبهة اليمنية منذ فترة طويلة وتوقّعه تطوير قدراتها، وذلك على العكس من كثيرين قلّلوا من إمكاناتها أو شكّكوا في قدرتها على تأدية دور إقليمي يتخطّى حدود اليمن، ولهذا كانت العملية مفاجئة للعالم أجمع.
ومن المؤكد أن العملية أصابت واشنطن بصدمة، فالبيت الأبيض منذ اليوم الأول لاحتدام الصراع في فلسطين، يحرص على عدم اتساع جبهات القتال، وهو لا يريد أن تتشكّل ضمن تلك الظروف جبهة واسعة ترفع شعار العداء لكامل منظومة النهب الغربية، وتوجّه سلاحها، من دون تردّد أو وجَل، إلى القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا أو إلى أساطيلها الجوّالة في البحر الأبيض والأحمر.
وإذا كانت «السي آي إيه» تحذر من ارتفاع منسوب العداء للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط بسبب دعمها للعدو الصهيوني ورعايتها الكاملة للحرب الإجرامية على غزة، فإن المشكلة التي تواجه الإدارة الأميركية حالياً لا تنحصر في «أن العرب يكرهون بايدن ومن سبقوه»، فالمشاعر بحد ذاتها لا تعني أحداً طالما ظلّت حبيسة الصدور، بل لأن هذه الكراهية والسخط تجد طريقها للترجمة إلى فعل عسكري.
وهذا واضح من التأييد العربي والإسلامي الجارف الذي لاقته عملية القوات البحرية اليمنية، وهو أمر تدركه الإدارة الأمريكية بوضوح تام، إذ أن تياراً شعبياً ضخماً تراه يلتفّ حول اليمن ومحور المقاومة وحول النموذج الذي يقدمه اليمن في المعركة وأن كثيراً من العرب تحرّروا من الخطابات الطائفية والدعاية الكاذبة التي وضعت حاجزاً بينهم وبين جبهات المقاومين.

قد يعجبك ايضا