أكد الدكتور أحمد عبدالملك حميد الدين أستاذ القانون بجامعة صنعاء أهمية تعزيز الوعي لدى مختلف شرائح المجتمع بماهية الأقلمة وأن الفيدرالية لا تعني الانفصال أو عدم التجانس وإنما هي دولة واحدة تتقاسم فيها الوظائف الدستورية والسياسية بين الدولة المركزية والدولة اللامركزية الأمر الذي يجعل من الفيدرالية مفهوماٍ للتعايش السلمي والتجانس بين الناس والأقاليم في ظل دولة موحدة .
وأضاف الدكتور حميد الدين أن الضمانة الوحيدة للتعايش السلمي للأقاليم في ظل الوحدة هو وجود دولة مدنية يسود فيها القانون وتتساوى فيها الحقوق والواجبات إلى جانب التبادل السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ووجود مبدأ التكافؤ في الفرص مشيرا إلى أن اليمن يمتلك وحدة في الدين واللغة والعرق الأمر الذي يعزز من مبدأ التعايش السلمي بين الأقاليم في ظل الدولة الفيدرالية .. تفاصيل أكثر تجدونها من خلال الحوار التالي :
التعايش السلمي يمكن تحقيقه من خلال وجود دولة مدنية يسود فيها القانون وتتساوى فيها الحقوق والواجبات
يجب على الجهات المسؤولة توعية شرائح المجتمع بماهية الفيدرالية كحل للإشكاليات والقضايا الشائكة
• من وجهة نظرك كيف يؤسس النظام الفيدرالي لمستقبل أفضل لليمن ¿
– الفيدرالية كنظام سياسي تتطلبه مجموعة من العوامل الديمغرافية والجغرافية والسياسية وغيرها, والأصل أن النظام الفيدرالي إما أن يتكون من خلال دول سابقة تتحد فيما بينها وتشكل فيدرالية أو تتفتت دولة بسيطة وتتحول إلى فيدرالية, والحال في اليمن أنها دولة موحدة يراد منها أن تتقسم لولايات أو أقاليم ويكون لكل نظام أو إقليم نظامها الداخلي في إطار مركزية معينة, وفي الفيدرالية يكون الجانب السياسي هو العامل الرئيسي والسائد علي جميع الأقاليم في حين تأتي الجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية وغيرها من الجوانب كعوامل ثانوية ويوضع لها أنظمة خاصة, ولكن في اليمن أسست الفيدرالية على الجانب الاقتصادي وذلك لشعور بعض الجهات أو المناطق أن لديها متطلبات اقتصادية لا يمكن أن تتوفر إلا من خلال الفيدرالية, باستثناء المشكلة الجنوبية التي أساسها سياسي أكثر مما هو اقتصادي مثلما حصل في كردستان بالعراق وجنوب السودان والتي كان لها خصوصيات خاصة جعلت من دولها تضع لها نظام فيدرالي خاص بها .
• هل ترى أن تجربة الفيدرالية في بعض الدول العربية جاءت كحل للمشاكل التي كانت تعاني منها ¿
-لاشك في ذلك وخاصة إذا كانت الفيدرالية ستشكل حلاٍ لمشكلة من المشكلات التي تعاني منها تلك الدول, وهذا ما كنا نطلبه في اليمن بمعني إن كانت هناك إشكالية معينة في منطقة معينة نضع لها نظاماٍ إقليمياٍ خاصاٍ بها وتكون بقية المناطق تحت دولة موحدة بسيطة, ولكن الحاصل في اليمن وما هو مطروح هو الاتجاه إلى الأقلمة لكافة المناطق وهذا فيه خطورة من وجهة نظري لأنها قد تكون خطوة للانفصال إلى دويلات ولكن لو تركزت الفيدرالية على الجوانب الاقتصادية بمعنى أن نغلب الجانب السياسي المركزي على كافة الأقاليم ونضع لكل إقليم حلولاٍ اقتصادية خاصة بها ستكون الفيدرالية لا خطورة فيها وستحقق نتائج إيجابية .
• التنوع في الموارد الاقتصادية والسياحية وغيرها من الموارد بين الأقاليم في ظل الدولة الفيدرالية .. ماذا ستحقق لليمن ¿
-لا شك أن التنوع في الموارد يشكل لأي بلد نمواٍ اقتصادياٍ وسياحياٍ وسياسياٍ, واليمن بحمد الله تعالى يتميز بخصوصية التنوع في كل النواحي إلى جانب التنوع الديمغرافي وكل هذه العوامل سواء كنا دوله فيدرالية أو موحدة تشكل عوامل تنمية ونهوض بالبنية التحتية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي, كما تشكل جوانب جذب مهمة للاستثمارات الخارجية والذي يساعد في نهوض البلد إذا ما أحسن استغلال هذا التنوع الموجود لدينا .
• هل ترى أن التنافس بين الأقاليم لتحقيق الأفضل سيعود بالفائدة لليمن ¿
– التنافس في تحقيق الأفضل بين الأقاليم يعتمد على وعي الناس وهذا ما نراه في الفيدراليات الواعية مثل سويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والتي تخلق في أقاليمها أو ولاياتها التنافس وتضع لكل ولاية أو إقليم خصوصيات معينة توظفها لصالح كل منها بما يعود بالمنفعة على الدولة بشكل كامل, ولكن في ظل انعدام الوعي وظهور التخلف والأمية قد يكون التنافس سلبياٍ مثل التنافس على الحدود أو الموارد أو ظهور المناطقية بين الأقاليم , ولكن هذا كله يعود إلى قوة الدولة المركزية وعدم قوتها فإذا ما كانت الدولة ووضعت ضوابط معينة للتنافس الشريف والإيجابي فسيكون هذا التنافس إيجابياٍ ويخدم الأقاليم والوطن, أما في حالة عدم وجود قوة حقيقية للدولة وغياب الضوابط والتشريعات لتحديد أساليب التنافس وكيفيته فسيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
• الفيدرالية في اليمن هل ستجسد لمفهوم التعايش السلمي في ظل الوحدة ¿
– الضمانة الوحيدة للتعايش السلمي للأقاليم في ظل الوحدة هو وجود دولة مدنية يسود فيها القانون وتتساوى فيها الحقوق والواجبات, والشيء الآخر هو أن يكون هناك تبادل سلمي للسلطة من خلال الانتخابات ووجود مبدأ التكافؤ في الفرص وهذا كله يعتبر وسيلة للتعايش السلمي بين أثنيات متعددة وبين مذاهب وديانات مختلفة ونحن في اليمن نمتلك وحدة في الدين واللغة والعرق الأمر الذي يجعل مبدأ التعايش السلمي فيما بيننا مقبولاٍ وممكناٍ, ولكن يلاحظ مؤخرا انتشار ثقافة مناطقية لم تكن موجودة من قبل فبمجرد ظهور رؤى الأقاليم بدأنا نسمع مقولة أنت من إقليم كذا وذاك من إقليم كذا وهذه الظاهرة إذا لم يتم وضع ضوابط وحلول لها قد تأتي بنتائج سلبية, ولذلك يجب على الجهات المسئولة تعزيز الوعي لدى مختلف الشرائح بماهية الأقلمة وما هي فوائدها وأن الفيدرالية لا تعني الانفصال أو أنها تعني أننا لم نعد متجانسين وإنما هي دولة واحدة في ظل دولة مركزية مظهرها الخارجي واحد وعلمها والاعتراف الدولي بها واحد وأن الفيدرالية تأثيرها يكون داخلياٍ فقط ومعناها أن يكون لكل إقليم دستور خاص وسلطات خاصة بها لتدير شؤونها في إطار تقاسم الوظائف الدستورية والسياسية بين الدولة المركزية والدولة اللامركزية الأمر الذي يجعل من الفيدرالية مفهوماٍ للتعايش السلمي والتجانس بين الناس والأقاليم في ظل دولة موحدة .
• قصور الوعي لدى المجتمع بماهية الفيدرالية إلى ما قد تؤدي ¿
– الوعي السلبي والمتخلف وراء كل الصراعات والحروب الأهلية, ولكن هناك عنصر مهم قد يحد من هذه المشكلة بغض النظر عن الوعي أو عدم وجوده وهو وجود دولة قوية يسود فيها القانون التي تتفتت فيها كل الأهواء وتضمحل فيها الرغبات اللاواعية والمصالح الشخصية والأحقاد والكراهية وما إلى ذلك, فنحن نرى مجتمعات غير واعية لكن نرى فيها قوة للدولة والقانون ونأخذ مثلا المجتمع الهندي الذي تتنوع فيه الديانات والعروق واللغات ومع ذلك لا نرى فيها أي صراعات أو حروب أهلية, وأكد هنا على ضرورة تفعيل وتعميم مبدأ سيادة القانون لأنه الحل الوحيد لاختفاء كل أنواع مظاهر التخلف والصراعات, فالتعايش السلمي يأتي عندما يخضع الحكام والمحكومين للقانون لترتضي الناس كافة ويسود المجتمع كل أشكال الحريات والحقوق العامة وتكافؤ الفرص, وهذا كله لا يأتي إلا من خلال التشدد في مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة التشريع والمبادئ المنبثقة منه والذي يثمر منه التعايش السلمي بين مختلف شرائح المجتمع .
• هل تعتقد بأن الدولة الاتحادية ستكون بديلا مناسبا للوحدة ¿
– الوحدة في اليمن كانت وحدة طبيعية قبل أن تنشأ الوحدة السياسية فقد كانت علاقة الناس قبل الوحدة بين الجنوب والشمال علاقة شعبية ووحدوية وحينما انعكست إلى وحدة سياسية حصل التنافس بين السياسيين على المصالح الشخصية وتصارعت الأحزاب فيما بينها على الحكم والتي نتج عنها حرب الانفصال عام 1994م والتي كانت آثارها سلبية على الوطن والمواطنين, وكان لإغفال حقوق الجنوبيين وأطماع المتنفذين في الجنوب والشمال ونهب أموال الدولة والاستيلاء على أراضي الجنوب تأثيرات سلبية لدي الناس وتبلورت هذه المشكلات في ذهنيات الإخوة الجنوبين أن هذا كله حاصل بسبب الوحدة وبسبب الاندماج مع الشماليين مع أن الشماليين كانوا في تلك الفترة متضررين وكانت أحوالهم لا تسر, وهذا كله نتج عنه غياب الوحدة الطبيعية السابقة ووصل للأسف لفقدان الوحدة الشعبية حتى وإن استمرت الوحدة السياسية, وفي رأيي أن الهوية الجنوبية أصبحت هوية لاوحدوية بسبب العوامل التي ذكرتها بالإضافة إلى ظهور استراتيجيات إعلامية حرضت على الوحدة أدت إلى ظهور انقلاب رأي عام على الوحدة, وهذه الظروف أجبرتنا على اللجوء إلى النظام الاتحادي أو الفيدرالي للتخلص من هذه المشكلات .
• ماهي الحلول التي تراها لتجنب الانزلاق¿
– الحلول تكمن فيما ذكرته سابقا من تطبيق وفرض سيادة القانون وقوة الدولة إلى جانب نشر ثقافة الوعي بماهية الفيدرالية وتعزيز الوعي بها ونشر ثقافة التعايش السلمي في ظل أرض ودولة واحدة واحتكام الجميع للقانون .
• مخرجات مؤتمر الحوار الوطني كيف تنظرون إليها ¿ وما الذي حققته للوطن ¿
– الإشكالية ليست إشكالية تنظير أو ماذا نريد فنحن نمتلك القواعد والقوانين ولكن الإشكالية في التطبيق, وما انبثق عن الحوار يحتاج للتطبيق والتطبيق لا يمكن أن توجده إلا دولة قوية, ومن وجهة نظري إذا كانت هناك دولة قوية لم نكن نحتاج من الأساس للحوار, ومع هذا انتهى الحوار ومازالت مخرجاته في متاهات وتشكيل لجان لتنفيذها وهذا يشكل استنزاف للموارد ويشكل عبئاٍ على ميزانية الدولة في حين أننا نحتاج لهذه الميزانيات لإعادة بناء البنية التحتية وتنمية الاقتصاد والمشاريع للقضاء على الفقر والبطالة .
• ما الذي يحتاجه النظام الفيدرالي ليؤدي الغرض المنشود منه ¿
– الكلام عن الفيدرالية في ظل دستور عام 1991م وتعديلاته والذي أقيم لدولة بسيطة مركزيه لا يمكن, وإذا ما أردنا الانتقال إلى الدولة الاتحادية لابد أولا من تغيير نظام الدستور وتبديل قواعد الدولة المركزية وإرساء بدلا عنها قواعد النظام الفيدرالي, ولابد للشعب أن يوافق عليه وعلى النظام الفيدرالي وهذا لن يتم إلا عن طريق الاستفتاء الشعبي ليكون تأسيس النظام الفيدرالي في اليمن مبنياٍ على أسس صحيحة وقانونية .