تاريخ الغرب المسيء وحضارته الهمجية.. وانسياقاته نحو الهاوية
السيد عبدالملك الحوثي يحذر الغرب من سخط الله..لماذا يمعن الغرب في الإساءة إلى الله وكتابه الكريم ؟
الثورة /تقرير
اعتبر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمته بمناسبة عاشوراء ما يقوم به اللوبي اليهودي من إحراق وتمزيق المصحف في الدول الغربية ذروة الكفر والاعتداء على الإسلام والمسلمين، وحذر المجتمعات الغربية من حالة العبودية للوبي اليهودي الذي يسوقها نحو الهاوية، وإلى حيث تتعرض لعقاب الله وسخطه.
وقال السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إن الحالة التي وصلت إليها المجتمعات الغربية هي حالة سيئة ومتخلفة وحالة رهيبة من العبودية، وإنني أدعوهم للتحرر من عبودية اليهود، وأن يعودوا للرسالة الإلهية، وأضاف: أدعو المجتمعات الغربية إلى أن يعيدوا النظر في تعاملهم مع القرآن، وأدعوهم إلى الإسلام فإن فيه وحده نجاة المجتمع البشري».
الغرب يتصدر الإساءات إلى القرآن الكريم، والسؤال المطروح اليوم.
لماذا يمعن الغرب في الإساءة إلى الله ومقدساته؟
لماذا تصدُر الإساءات المتكرّرة من بلاد الغرب بحق الإسلام والمسلمين؟ سؤال على بداهته تحتاج الإجابة عنه إلى قراءة شاملة لكل ما يُنشر عن الإسلام في تلك البلاد، ولكل المفاهيم التي يجري الترويج لها باسم الإسلام للنيل منه.
لا خلاف على أنّ مئات ملايين الدولارات تُنفق في سبيل «شيطنة» الإسلام وتشويه صورته باسم حرية الرأي والتعبير المزعومة. يتّفق مراقبون على أنّ ماكينات إعلامية غربية تعمل ليل نهار لتظهير الإسلام بصورة تبعث على الحقد والكراهية.
ثمّة من يتخصّص من جهة بترسيخ صورة نمطية مشوّهة للإسلام في ذهن الرأي العام الغربي والعالمي، ومن جهة أخرى ثمّة من يتخصّص في حرف المسلمين عن المسار الطبيعي لما يؤمنون به من خلال الترويج لآفات ومفاهيم غريبة عن الدائرة الإسلامية كالشذوذ الجنسي وغيره.
ولا شكّ أنّ تحقيق الغرب لهدفه المتمثّل باستهداف الإسلام لم يكن بالأمر السهل، فقد اصطدمت المخططات الغربية بعقائد راسخة لدى ملايين المسلمين حول العالم، لكن الغرب بات محكوما من اللوبي الصهيوني ولهذا يندفع نحو هذه الأعمال.
انصرفت الماكينات الغربية حينها لنشر الكراهية والبغض والتحريض على المسلمين. تمامًا كما عملت على استثارة مشاعرهم على قاعدة «النيل من الإسلام».
وعليه، لم تقف الاعتداءات عند حدّ معيّن. كل صنوف الشتم والتدنيس استُخدمت وأغلبها بشكل رسمي أي بضوء أخضر من الحكومات الغربية. التصويب اشتدّ على القرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما لهما من مكانة مقدّسة في قلوب كل المسلمين الأحرار في العالم.
المقدسات الإسلامية أيضًا كان لها نصيب من الاستهداف والإجرام الذي لم يقف عند حد معيّن.
وبمراجعة سريعة للتاريخ الحديث لتلك الاعتداءات، تحضُر جريمة البريطاني من أصول هندية سلمان رشدي في عام 1988م حيث نشر كتابه «آيات شيطانية» الذي انتهك مشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
وبدل أن يلقى رشدي العقاب المطلوب عملت الحكومة البريطانية على حمايته ووضعته تحت حماية الشرطة حيث كانت تحرسه قوات خاصة على مدار الساعة. أكثر من ذلك، حصل على لقب «فارس» بأمر من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في العام 2007م.
كما جرت مساعدته من قبل السلطات البريطانية على تبديل مسكنه 30 مرة لضمان بقاء محل إقامته سريًا. بعدها انتقل «المجرم» المذكور عام 2000م للعيش في الولايات المتّحدة حيث تلقى كل صنوف الحماية قبل أن يتلقى طعنة بسكين عام 2022م على خشبة مسرح في نيويورك ويُصاب بجروح وصفت بالخطيرة.
وفي 30 سبتمبر 2005م، ذهبت صحيفة «يولاندس بوستن» الدانماركية بعيدًا في وقاحتها وإجرامها بحق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث نشرت مقالة في الصفحة الثالثة بعنوان «وجه محمد» ونشرت معها 12 رسمًا من الرسوم في بعضها استهزاء وسخرية من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ إنّ إحداها تُظهر عمامته على أنها قنبلة بفتيل. حينها أثارت الجريمة موجة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي.
وفي عام 2006م قامت الصحيفة النرويجية «ماغازين نت» والصحيفة الألمانية «دي فيلت» والصحيفة الفرنسية «فرانس سوار» وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور المسيئة.
أما عام 2010 فقد انتفض المسلمون بسبب نشر الدانمارك كتابًا مُعنونًا بـ: «طغيان الصمت» والذي يضم بين ثناياه مجموعة من الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت قد نشرتها صحيفة «يولاندس بوستن».
وبضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية، وفي عام 2012م، عُرض فيلم مسيء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحت عنوان «براءة المسلمين» بتمويل من 100 شخصية يهودية.
وقد عمل المخرج الأميركي-الإسرائيلي سام باسيل على تحويل مشهد من خمس ثوان إلى لقطة مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولاحقًا، قرّرت محكمة استئناف أميركية السماح لموقع «يوتيوب» بعرض الفيلم رغم أنه أثار موجة غضب واسعة في العالم الإسلامي، وقررت هيئة محلفين من 11 عضوًا في سان فرانسيسكو إلغاء حكم كان قد صدر وأمر موقع «يوتيوب» بإزالة الفيلم بالرغم من إقرار القاضية مارغريت ماكيون بأنه مسيء للإسلام.
وحينها، استثار عرض الفيلم مشاعر ملايين المسلمين حول العالم، وفي لبنان دعا حزب الله إلى مسيرة «الولاء للرسول الأكرم» تحت عنوان «لبيك يا رسول الله» التي شارك فيها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله شخصيًا وفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم واستنكارًا للإساءة للمقدسات التي تعرض لها الفيلم الأميركي المشين.
وفي عام 2015م نشرت مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الرسومات المسيئة للنبي محمد صلوات الله عليه وآله وسلم. كما ظهر في صحيفة «برلينجسكي» الدانماركية بضعة رسوم ساخرة سابقة أعادت نشرها من الصحيفة الفرنسية (شارلي إيبدو) ومن بينها رسم يصور النبي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم وآخر بشأن الشريعة الإسلامية. وأثارت مثل هذه الرسوم ردود فعل غاضبة من المسلمين.
الأمر لم يقتصر على فرنسا والدانمارك وهولندا وألمانيا، فقد قال مدير تحرير صحيفة «كوريير ديلا سيرا» أبرز الصحف الإيطالية في مقال افتتاحي: «إن الصحيفة ستُعيد أيضًا نشر رسوم «شارلي إبدو»، كما نشرت الكثير من الصحف الأوروبية الأخرى رسوم «شارلي إبدو» للتنديد بالهجوم «الذي تعرّضت له عام 2015م إثر جريمتها التي مسّت مشاعر ملايين المسلمين».
طلب بوضع الرسوم الكاريكاتورية في المناهج التعليمية
التجرؤ والإساءة للرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم لم يقفا عند حدود الرسوم الكاريكاتورية. الأمر وصل إلى حدّ طلب أحد اتحادات المعلمين الدانماركيين أن يتم وضع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المناهج التعليمية، وقد أعيد تكرار الطلب في أزمنة مختلفة في دلالة واضحة على حجم المخطط المرسوم لتشويه صورة الإسلام على مرّ العصور. وفي هذا الإطار، دعا حزب «الشعب الدانماركي» اليميني إلى جعل تدريس هذه الرسوم الكرتونية المسيئة «إلزاميًا في الدروس الدينية».
محاولات الغرب وإعلامه لإهانة كرامة المسلمين استمرّت على مدى كافة السنوات الماضية ولم تتوقّف عند حدود. الصحيفة الفرنسية «شارلي إيبدو» أعادت عام 2020م نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم رغم الحملة الواسعة التي تعرّضت لها. وبرّرت الصحيفة المذكورة جريمتها بمقال افتتاحي قالت فيه: «إنها تلقت طلبات متكررة بمواصلة نشر الرسومات عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منذ هجوم 2015م» أي منذ تعرّضت لردة فعل من قبل مسلمين انتُهكت كرامتهم ومشاعرهم الإسلامية.
إلى جانب الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تكرّرت الجرائم بحق القرآن الكريم حرقًا وتمزيقًا دون أي رادع وبتوقيع من الحكومات الغربية، ففي نيسان من العام 2022م، قام السياسي السويدي- الدانماركي المتطرف راسموس بالودان مع أنصار حزبه بإحراق نسخ من القرآن الكريم. وقد أعاد جريمته في 21 ديسمبر 2023م. وفي 28 يونيو 2023م أقدم المدعو سلوان موميكا في أول أيام عيد الأضحى المبارك المنصرم على حرق نسخة من المصحف الشريف بعدما أصدرت السلطات السويدية إذنًا بإقامة احتجاج تُحرق فيه نسخ من القرآن خارج مسجد في مركز مدينة العاصمة ستوكهولم. ورغم موجة الغضب والإدانات التي واجهت السويد لن تتراجع الأخيرة عن فعلتها ما دفع موميكا إلى التجرؤ مرة جديدة أمس الخميس في 20 يوليو 2023م على تمزيق نسخة من القرآن الكريم مجددًا وإهانة العلم العراقي عبر تمزيقه.
المقدسات
وعلى مرّ العقود الماضية، لم تنجُ المقدسات الإسلامية أيضًا من الاعتداءات، فكم مرة ومرة دنّس الاحتلال المسجد الأقصى المبارك وسط صمت غربي وأوروبي دون الالتفات لمراعاة الحد الأدنى من مشاعر المسلمين. تمامًا كما حفل التاريخ بالاعتداء على المقدسات الإسلامية، ولم تجد الولايات المتحدة الأميركية حرجًا عام 2004 إبان الاحتلال الأمريكي للعراق في انتهاك حرمة العتبات المقدسة عبر اعتداء المحتلين على مسجد السهلة وصحن أمير المؤمنين (ع) والذي استشهد على إثره العشرات على يد القوات الأمريكية. تلك الجريمة دعا على إثرها سماحة السيد نصر الله إلى مسيرة الأكفان للدفاع عن العتبات المقدّسة حيث غصّت الضاحية الجنوبية لبيروت بالحشود المهيبة التي شاركت دفاعًا عن هذه المقدسات.
لهذه الأسباب يُصوّب على القرآن الكريم
بعد استعراض جزء من الاعتداءات والإساءات الغربية بحق الإسلام والمسلمين، عودة إلى السؤال الأساسي: لماذا تصدُر الإساءات المتكرّرة من بلاد الغرب بحق الإسلام لا سيّما عبر استهداف القرآن الكريم؟. أستاذ علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي يوضح في حديث لموقع «العهد» الإخباري أسباب تلك الجريمة التي تتكرّر. على المستوى المعرفي، يُدرك الغرب عمومًا أنّ القرآن هو أساس صناعة الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، وهذه الحضارة وصلت إلى حدود أوروبا وأنجزت كل ما عند الغرب من علوم في القرون الماضية ــ وهو يعرف ذلك ــ وعليه يعمل على «تبخيس» قيمة هذه الثروة وهذا الكنز وهذا الكتاب العظيم.
أما على المستوى السياسي فالغرب يعرف أنّ كل المسلمين عمومًا من دون تمييز بين الطوائف يقدسون هذا الكتاب بغض النظر «سنة أو شيعة»، بالتالي ما يحصل محاولة استفزاز لكي يتحول المسلمون إلى «داعش»، إذ من مصلحة الغرب أن يكون جميع المسلمين كـ«داعش» يرتكبون الجرائم ويحرقون السفارات ويقتلون أي فرد أجنبي يسير في الشارع لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
وفي الدوافع، يبرز لدى عتريسي سعي الغرب لإحداث فتنة داخلية في قلب المجتمعات الإسلامية، فهذا هو ديدن الغرب الذي يعمل على الفتن بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين أنفسهم على اعتبار أن الشخص المسلم نفسه يكرر نفس الجرم.
ما سبق يدعو إلى الاستنتاج – يقول عتريسي – أن الغرب منافق فهو يقول ما لا يفعل وبأمر رسمي يدفع الناس نحو ارتكاب هذه الجرائم، فحتى الأمم المتحدة والشرائع الدولية تحترم الثقافات وتدعو لاحترام التنوع والثقافة فلماذا السماح بإهانة مقدسات وثقافات أخرى؟
في الختام، لا شكّ أن التاريخ يحفل بالنماذج المخزية التي جرى سردها والتي تحتاج رُبما إلى توثيق أشمل لكل هذه الاعتداءات التي نالت من كرامة نحو ملياري مسلم حول العالم. تلك الاعتداءات بالتأكيد لا يكون الرد عليها بالإدانات فقط بل بخطوات عملانية توقف الحكومات الغربية عند حدّها وتلزمها باحترام مشاعر وديانات الآخرين.
موقع العهد.. فاطمة سلامة