الحج غير آمن في عهدة آل سعود.. اكثر من 90 ألف شهيد من الحجاج خلال 14 عاما
آخر المآسي مذبحة مِنَى وحادثة الرافعة التي راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد
يعدّ الحج لهذا العام (1444هـ) الموسم الـ 100 منذ تسلّم آل سعود إدارة تلك المناسك، حينما أحكم مؤسّس مملكتهم، عبد العزيز، سيطرته، بالسيف، على «الأرض المقدسة»، منقلباً على عهوده التي قطعها للمسلمين عامّة والحجازيين خاصّة، موسم يخاف الحجاج فيه فقدان أرواحهم نتيجة حوادث بيت الله الحرام التي تكررت وحصدت عشرات الآلاف من أروح زائري بيت الله الحرام وسط إهمال النظام السعودي وفشله في إدارة الحج على امتداد السنوات الـ 100 الماضية والتي شهدت حوادث متفرقة.
الثورة/ احمد السعيدي
كارثة منى
في موسم الحج 1436هـ وفي ردود الفعل، تجاوزت ارتدادات أزمة كارثة مِنى المواقف الغاضبة من قبل عواصم العالم الإسلامي، وبلغت حدّ مقاطعة الموسم الذي يليه. قرار أقدمت عليه إيران، المتضرّر الأكبر من الكارثة، وصاحبة السهم الأوفى من الضحايا الذين بلغ عددهم، بحسب الإعلان الرسمي للسلطات السعودية حينها، 769 قتيلاً و694 مصاباً. على الرغم من خوض الطرفين الإيراني والسعودي جولتين تفاوضيتين، في محاولة للتوصّل إلى تسوية للأزمة، بدت السياسة أقوى. إذ إن الرياض تذرّعت ببعض المطالب الإيرانية، التي كانت محقّقة أصلاً في مواسم الحجّ السابقة لرفض الضمانات التأمينية لسلامة الحجّاج الإيرانيّين. إثر ذلك، أعلنت إيران، رسميّاً في ذلك الوقت، أنّها لن ترسل حجّاجها إلى مكّة العام المقبل، ملقية باللائمة على السعودية في تعطيل المناسك.
من فاشل إلى مجرم
في دول إسلامية أخرى أيضاً، ظلّ ملفّ كارثة مِنى مفتوحاً. صحيح أن “زوبعة” إعلان أرقام غير مؤكّدة وتمنية أهالي الضحايا بنتائج التحقيقات التي أجرتها السلطات السعودية، إلّا أن علامات الشكّ لا تزال، حتّى الآن، مرتسمة حول تعاطي حكومات الدول المعنية مع الكارثة. خمسة أعوام مرّت على حادثة مِنى، لم تُجرِ الرياض ما وعدت به من تحقيقات، ولم تترتب على ذلك مسؤوليّات، ولم تعتذر حتّى. والنتيجة: مئات العائلات، من مختلف أقطار العالم، تعيش حالة انتظار “مهين” للاستدلال على قبور أبنائها، أو التعرّف إلى جثثهم، أو الحصول على (دياتهم)، أو مجرّد تهدئة القلوب بالوقوف على حقيقة ما جرى لهم في ذلك اليوم والأيّام التي تلته، علماً أن السعودية سارعت، في حينه، إلى دفن الكثير من الحجّاج، من دون إخطار ذويهم، فضلاً عن انطماس هويّات بعض الجثث، جرّاء “تبخّر” كلّ ما كانت المملكة قد تبجّحت به من استعدادات وخطط، هي ــ في الواقع ــ مجبية من جيوب الحجّاج والمعتمرين، لا من خزائن المشيخة النفطية.
هكذا، تحوّلت الإدارة السعودية من “فاشل” يمكن اغتفار ذنوبه يوماً، إلى “مجرم حقيقي” يصل في توحّشه حدّ رفض الاعتذار إلى أهالي الضحايا، وتحميل الأخيرين، بكلّ عنجهية، مسؤولية حتفهم! (بعد أقلّ من أسبوع على الكارثة، لم يجد الملك سلمان بن عبد العزيز حرجاً في توجيه التهنئة إلى وليّ عهده، محمّد بن نايف حينها، على “نجاح” موسم حجّ 1436هـ!). يؤكّد التوصيف المتقدّم عدّة قرائن، يتصدّرها تمويه الأرقام الحقيقية لضحايا الكارثة. برز ذلك من خلال التناقض الهائل بين ما كانت تعلنه السعودية من إحصائيّات، وبين مجموع الأعداد الرسمية الصادرة من سلطات الدول الإسلامية، التي تبيّن، لاحقاً، أنّها تعرّضت، هي الأخرى، لعمليّات تلاعب، تحت ضغط المصالح المشتركة مع الرياض. ثانية القرائن الآنفة، إحجام المملكة عن إقالة أيّ من المسؤولين عن إدارة شؤون الحجّ، وفي مقدّمهم وزير الحجّ، حينها، بندر بن حجّار، الذي لا يزال على رأس الوزارة حتّى اليوم.
سقوط الرافعة
لم تكد تمرّ أشهر على منع السعودية “مجموعة بن لادن”، إحدى أكبر شركات المقاولات في المملكة (تتولّى المجموعة أعمال التوسعة في الحرم المكي، وهي صاحبة الرافعة التي سقطت في 11 أيلول 2015 داخل الحرم)، من الدخول في مشاريع جديدة، حتّى صدر مرسوم ملكي بـ”إعادة تصنيف الشركة، وعودتها إلى تنفيذ المشاريع الحكومية، ورفع حظر السفر الذي فُرض على كبار مسؤوليها”. أمّا ثالث الدلائل، انعدام أيّ نوع من أنواع التجاوب مع الدعوات إلى تعويض أهالي الضحايا، وتلبيس المعلومات المتّصلة بمواضع القبور. قرينة يضاف إليها المماطلة في إصدار نتائج التحقيقات، أو حتّى كشف بعض خيوطها، على الرغم من مرور عام كامل على الفاجعة، في إشارة شديدة الوضوح إلى أن السعودية راهنت، ولا تزال، على تكفّل الزمن بأن يُنسي المسلمين عامّة، وذوي المتوفّين والمصابين خاصّة، هول الحدث، إلى جانب تعويلها على استثمار نجاح محدود متوقّع في موسم 1437 هــ.
وفاة 90 ألف حاج
تقرير مسرب لقاعدة بيانات من وزارة الصحة السعودية، كشف الفشل في إدارة مناسك الحجّ والعمرة والزيارة، وغياب الشفافية فيما يتعلّق بالحوادث التي قد تتخلّل تلك المواسم، ممتدّين على مدار السنوات، وولّادين، باستمرار، لمآسٍ راح ضحيّتها الآلاف، بالجملة وبالمفرّق. تكشف البيانات المعنونة بـ”بيان بالمتوفّين خلال الفترة من 1423هـ إلى1437 هـ”، تحت تصنيف “حجّاج ــ جميع الجنسيّات”، أعداد وأسماء وأجناس وجنسيّات وأعمار وتواريخ وفاة المتوفّين خلال السنوات الـ 14 الأخيرة، دون إيضاح ما إذا كان ذلك يشمل المعتمرين أو أنّه مقتصر على الحجّاج. على امتداد 3121 صفحة ترتصف بيانات 90267 حاجّاً لقوا حتفهم في الأراضي المقدّسة، في تلك الفترة. رقم قد تبدو أمامه كارثة منى مجرّد تفصيل، حتّى لو أخذنا بالحسبان أن السعودية استقبلت خلال الفترة المذكورة عشرات الملايين من الحجّاج والمعتمرين، جلّهم من كبار السنّ، الذين ترتفع احتمالات مفارقتهم الحياة، سواء “قضاءً وقدراً”، أو لعدم استطاعتهم تحمّل الزحام والجهد، فإن الرقم يبقى مُفزِعاً إلى حدّ أنّه يقارب حصائل الحروب الفتّاكة الكبرى.
ومن المفيد، هنا، استرجاع بعض الأرقام المعلنة، رسميّاً، من قبل السعودية خلال أبرز حوادث الحجّ. فبحسب إحصاءات السلطات، توفّي جرّاء ما تسمّيه المملكة “حوادث تدافع” فقط، ما بين 1990 و2015، قرابة 3200 حاجّ. وإذا ما أضفنا إلى هذه الحصيلة ضحايا حوادث متفرّقة، من مثل الحرائق والانهيارات والاشتباكات، وقعت ما بين 1975 و2015، يرتفع الرقم إلى نحو 4500 حاجّ متوفٍّ. أمّا البيانات المخبّأة، فإنّها تظهر أن مناسك الحجّ “قتلت”، خلال 14 عاماً فقط، أكثر من 90 ألف شخص.