الحج .. من التوظيف السياسي إلى الاستثمار المجهض للفريضة
قرن الشيطان يفرض رسوما باهظة على الحج والإفتاء المصري يجيز الحج بالتقسيط
الثورة/ يحيى الربيعي
يوصف تسييس الدين في الإسلام أو ما يمكن تسميته باستغلال الإسلام في كل مكان من أجل الوصول إلى مصالح دنيوية للحكام المستبدين، وذلك يؤدي إلى الغش في العلاقة بين المجتمع الإسلامي والإسلام، ويعمل على ترسيخ حكم المستبدين. وإذا ما تقرر أن يكون الحج مناسبة لتداول آلام المسلمين.. هل يمكن أن ننسى أن غالبية فوضى الحروب الملتهب سعيرها في الأوساط العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نظام أبو العقال السعودي هو من يقف خلف أكماتها؟
وليست القضية الفلسطينية، هي القضية الوحيدة للأمة الإسلامية والعالم الإسلامي التي فرط بها نظام قرن الشيطان؟ ولن تكون الفتنة بين طرفي الصراع الدائر في السودان؟ بل ولن تكون أموال الخليج التي حولت سبعة بلدان عربية ومسلمة إلى أراض بلا دول هي آخر حلقات سلسلة ثقافة المؤامرة التي يتبنى هذا النظام رعايتها وتغذية استدامة صراعاتها؟
أما إذا تساءلنا، لماذا يشكل المسلمون غالبية الفقراء في العالم؟ ولماذا النسبة الكبرى من المهجرين واللاجئين في العالم هم من المسلمين؟ ولماذا تقع البلدان الإسلامية في أسفل قائمة الحريات السياسية والدينية والثقافية؟ ولماذا توجد أكثر الحكومات فساداً في العالم الإسلامي؟ فلن تكون مملكة قرن الشيطان ببعيدة عن الإمساك بزمام إدارة هذه الفوضى، وبأموال الأمة تمول، ومنها تنبعث روائح خلافات ما بين فرقاء الأوطان؟
لم يتوقف نظام الشيطان عند أي من المسارات، آنفة الذكر، أم إن نهمه الاستبدادي لايزال يتصاعد يوما بعد آخر في توليد رغبات زعزعة أمن واستقرار الأمة، وإنما بات يسعى إلى إفساد كل شيء في حياة وشعائر المسلمين، فها هو ينتقل بشعيرة الحج من مسار التوظيف السياسي إلى الاستثمار المجهض للفريضة، فكم من المواسم التي وظف فيها هذا النظام الحج في إرضاء الكثير من رغباته السياسية، فهو تارة يحدد عدد الحجاج لدول ويفتح الباب على مصراعيه لأخرى، وأخرى يمارس فيها قذارات الاختطاف لأجل الصنائع السياسية لدى أنظمته العميلة فيما يتعلق بمواقف المعارضين الذين تأتي بهم الأشواق إلى الأراضي المقدسة لأداء ركن الحج، فيجدون أنفسهم ضحايا للمزاج السعودي، فيما يقدم عليه من ممارسات الترغيب والترهيب في فعل مخالف لكل الاعراف والقوانين الدولية المدافعة عن الحقوق والحريات.
هذا العام، تم تحديد تكاليف الحج لعام 2023م، والبالغة 3 ملايين ريال يمني في الحد الأدنى، أي ما يعادل 12820 ريالا سعوديا بنحو 3500 دولار أمريكي للفرد للحجاج الوافدين من الجمهورية اليمنية، خارج كلفة النقل من اليمن إلى المملكة العربية السعودية، وخلاف ما يدفعه الحاج في التغذية وغيرها، فضلا عما يسمى بالحج السياحي وتكاليفه المرتفعة.
إجراء مكن القليل من الميسورين في اليمن، ومن جميع أنحاء العالم، أداء شعائر ومناسك الحج، لكن أغلب مسلمي العالم غير قادرين على أداء هذه الفريضة، التي تعد أحد أركان الإسلام، بسبب ما تفرضه مملكة قرن الشيطان من رسوم حج تتضاعف كل عام عن سابقة.
أحلام تتلاشى
ظل الحاج (علي حسين- 50 عاما) من سكان العاصمة صنعاء، يعشم نفسه بأداء فريضة الحج، منذ سنوات، وهو يعمل على التخطيط والادخار لتحقيق حلمه المنشود، لكن استثمارات النظام السعودي في استغلال شوق المسلمين من بقاع الأرض لأداء الفريضة أجبر الحاج علي، وأمثاله الكثير من المعسرين على تأجيل هذا الحلم إلى أجل قد يصل إلى صرف النظر عن الفريضة بحجة عدم الاستطاعة.
كثيرون يمضي بهم العمر، وحلم أداء فريضة الحج يراودهم سنوات متتالية، وفي كل عام يمنون أنفسهم أنهم قد جمعوا مبلغ الحج، وفقا لأسعار السنة الماضية، فيفاجأون أن الأسعار قد ارتفعت في الموسم التالي، مما يضطرهم لتأجيل الحج لموسم قادم.
وهكذا يقول المزارع عبدالله مقبول- أحد أبناء إب: “حالتي المالية مستورة نوعاً ما، مقارنة مع غيري، ومع ذلك لم أستطع توفير تكاليف الحج التي كلما وفرتها، أفاجأ في الموسم التالي أنها قد ارتفعت، خمس سنوات وأنا أجل، والظاهر أني سأضطر إلى التسليم لحالة عدم الاستطاعة، لأني هذا العام وفرت ما يقارب 12 ألف ريال سعودي، وبقي عليَّ في حدود 800 ريال، واحتياج إلى ما لا يقل عن 1000- 2000 ريال سعودي احتياطي للتغذية والمواصلات الداخلية في حال احتسب الذهاب والإياب إلى الأراضي المقدسة ضمن الرسوم، وإلا فالمبلغ المضاف قد يتضاعف”، سحبت طلب الحج، على أمل أن أتمكن في العام القادم، والله أعلم من يحيا ومن يموت.
وأخرى قيد المغامرة
وتقول الوالدة (س. ع. ص) (47 عاماً) وهي أرملة تعمل في مجال الخياطة النسائية في احدى أحياء العاصمة صنعاء، من الأسر المنتجة: “هذا الموسم الثالث للحج، وأنا أحاول أجمع فيها تكاليف الحج، وكلما قلت إن الله سيكرمني هذا العام بالحج، اصطدم بزيادة تضطرني لتأخير أداء ركن الحج لموسم آخر، وهذا العام اضطررت بمساعدة من أحد المغتربين والذي وافق على أن يحجج لي بمصاريفه التي وصلت إلى 7500 ريال سعودي، لكن في ظل مغامرة وخوف أن الأمن السعودي يمسكه أو يقلب عليه الكفيل، ويبلغ به في أثناء الحج”.
وثالثة في مهب الرياح
وتبقى أحلام الكثير في زيارة الكعبة المشرفة في مهب الريح، في ظل الظروف البائسة، فالعدوان والحصار- كما يعبرون – “طحن البلاد والعباد على مستوى الأسعار التي باتت في ارتفاع مضطرد بشكل مخيف لم نعد معه قادرين على تلبية احتياجاتنا اليومية الأساسية، الأسعار جنونية، والنظام السعودي بالغ في أسعار الحج لهذا، فالمعلن عنه 12800 ريال سعودي، بينما تحتاج في الواقع إلى أكثر من ذلك بألف إلى 3 آلاف ريال سعودي”.
هذا في اليمن، وفي الديار المصرية أصدرت دار الإفتاء- حسب وكالات الأنباء- فتوى بأن الحل لمن لا تتوفر بين أيديهم الأموال ويرغبون في أداء الحج، إمكانية أداء فريضة الحج بالتقسيط، وجاء النص كالتالي: “من المقرر شرعاً أن ملكية نفقة الحج أو العمرة -وهي المُعَبَّرُ عنها في الفقه بالزاد والراحلة – إنما هي شرط وجوبٍ لا شرط صحة، بمعنى أن عدم ملكية الشخص لها في وقت الحج لا يعني عدم صحة الحج بل يعني عدم وجوبه عليه، بحيث إنه إذا لم يَحُجُّ حينئذٍ فلا إثم عليه، أما إذا أحرم بالحج فقد لزمه إتمامه، وحَجُّه صحيحٌ، وتسقط به عنه حجة الفريضة، وكذلك الحال في العمرة، وبعبارة مختصرة يجوز أداء الحج والعمرة بالتقسيط، ولا بأس بهما شرعاً”.
بالفتوى، تنفس كثيرون الصعداء، لأن هذا من شأنه تحقيق الأحلام المؤجلة لملايين الراغبين في أداء الحج، لكن عصام أو حسبما يعرف عن نفسه لـ “بي. بي. سي” بـ”أبو أيوب” (60 عاما) وزوجته أم أيوب.. يقيمان في ألمانيا منذ ست سنوات، يؤكدان عدم استطاعتهما العمل بسبب عائق اللغة وأمور أخرى، لذلك يحصلان على المساعدات والخدمات الاجتماعية المجانية من الحكومة.
وهنا، يقول عصام: “فتوى دار الإفتاء ستحقق حلم الكثيرين، لكن للأسف الشديد أمثالي لن يستطيعوا الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية لأنني لست مؤهلاً للحصول على أي قرض، لكوني عاطلا عن العمل”.
على العكس من ذلك، يفضل كثيرون العمل بالرأي الآخر، وهو الأرجح شرعا، حول أداء الحج بالتقسيط والاقتراض “الحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلاً، والاقتراض يعني أننا لا نملك ما يكفي لقضاء حاجاتنا، ولا يجوز الحج بالاقتراض إذا كان ذلك سيجعلنا نواجه سنوات من التقشف والحرمان لسداد الديون، أما إذا كان القرض مضافا عليه فوائد ربوية، فإن الكلفة ستصبح هنا ما لا حراما، ولا يجوز الحج بالمال الحرام”.
وفي السياق، سجلت أسعار الكلفة الإجمالية لحج القرعة العام الماضي نحو 94 ألف جنيه (3042 دولاراً) فيما ارتفعت هذا العام إلى نحو 214 ألف جنيه (6910 دولارات) تفوق 100 %، أما أسعار الحج السياحي، فقفزت من 193 ألف جنيه (6246 دولاراً) إلى نحو 310 آلاف جنيه (10032 دولاراً) للموسم الجاري.
أما في سوريا، فيقول الحاج محمد عمر: “المشكلة هي أننا لم نعد قادرين على الادخار أصلاً، فضلا عن أن تكون هناك فوائد على المال المقترض من أي جهة كانت، فالفكرة قطعاً مرفوضة لدي ولن أفعلها”.
اليمنيون والسوريون والمصريون ليسوا وحدهم من يتأثرون بالمزاج السعودي في رفع تكاليف الحج، بل معظم بلدان العالم والشرق الأوسط، حتى تلك التي لم تدُر فيها أي صراعات أو حروب أهلية، تعاني نفس الحال مع الغطرسة السعودية في العبث بمشاعر المسلمين تجاه بيت الله الحرام، فهؤلاء ستة أخوة من أسرة باكستانية مسلمة ميسورة يعلنون أن 2 فقط منهم من يستطيع مجموع ايراد السنة أن يسفرهم لأداء فريضة الحج طبق التسعيرة المعلنة لهذا العام من قبل النظام السعودي.
وكذلك الحال مع مسلمي المغرب وتونس والجزائر، ورغم تقليص عدد الحجاج المسموح بدخولهم لأداء فريضة الحج إلا أن أغلب مواطني هذه الدول غير قادرين على تدبير ما أعلنت عنه السعودية من رسوم مدفوعة خلاف المواصلات والتغذية والسكن، وما إلى ذلك.
وحتى المقيم؟
وفي حال، إذا كنتَ تعتقد أن المقيمين العرب والأجانب في المملكة العربية السعودية محظوظون وقادرون على أداء هذه الفريضة بسهولة، أعتقد أنك ستغير رأيك الآن.
جميلة محمد، امرأة عراقية مقيمة في العاصمة السعودية الرياض منذ أكثر من 10 سنوات، ولديها أربعة أطفال، قالت لـ “بي. بي. سي”: “ربما يعتقد البعض أننا محظوظون كوننا نعيش في المملكة العربية السعودية وقريبون من مكة، وكذلك قد يظن البعض الآخر أننا لا نحتاج الكثير من المال لأداء الحج، لكن الواقع عكس ذلك تماماً”.
وتضيف المرأة البالغة من العمر 41 عاماً: “الحياة هنا ليست سهلة على الإطلاق، فهناك الرسوم الباهظة اللازمة لمدارس الأطفال، ورسوم تجديد الإقامات السنوية التي تكلف 5000 ريال سعودي للشخص الواحد – ما يعادل 1300 دولار – ورسوم التأمين الصحي وإيجار المنزل وفواتير الكهرباء والانترنت والهواتف واحتياجات الأطفال اليومية والمدرسية وما إلى هنالك”.
وتشرح قائلة: “إن راتب زوجي أعلى من متوسط الدخل هنا، ولذا أتساءل كيف تدبر الأسر الأخرى التي تعيش براتب أقل من المتوسط أمورها اليومية؟ وما بالك بمواطني بلدان الشرق الأوسط التي تترنح تحت وطأة الحروب والدمار وغلاء الأسعار!”.
وبلا شك، الأمر أسهل بالنسبة للسعوديين وحاملي الجنسية السعودية، لأن رواتبهم وأجورهم أعلى من رواتب الأجانب المقيمين بشكل عام.
قوافل الحجاج
تختلف الأسعار والرسوم والإجراءات وتكاليف قوافل الحجاج بحسب البلدان التي يأتون منها.
وكحد أدنى، تبدأ تكلفة الحملة/ القافلة الواحدة من 12000 ريال سعودي (ما يزيد عن 3500 دولار) للشخص الواحد وفي الظروف الأقل مميزات وبسكن بعيد عن المشاعر المقدسة، أما بالنسبة لقوافل الحج الفاخرة فالرقم أعلى، هذا إذا كان الشخص بسيطا، لكن الرقم قد يتجاوز 6000 دولار للشخص الذي يريد خدمات أرقى وسكن أقرب.
وتحدد المملكة العربية السعودية في كل عام موعداً وتاريخاً أخيراً لدخول الحجاج إلى مكة في موسم الحج، كما تغلق أبواب المدينة أمام الزائرين المحليين والخارجيين، باستثناء حاملي تصاريح الحج والعمرة أو حاملي هوية مقيم صادرة من مكة، وذلك تحت ذرائع تنظيم الحجاج القادمين لتأدية مناسك الحج وتسهيل أمورهم ومنع الازدحام والتدافع وضمان سلامة وراحة الحجاج.
فهل يقف نظام قرن الشيطان عند هذا الحد من العبث بمقدسات المسلمين، ومشاعرهم تجاهها أم يكتب الله من لدنه أمرا، هذا ما ستأتي به قادم الأيام؟