يشعر التحالف بفشل الحرب وبخسرانه فيها، ويحاول أن يشتغل على نصر من طرق بديلة غير الحرب، فمنذ بدأت الهدنة إلى يومنا المشهود حدثت متغيرات في المناطق المحتلة وفي بنية النظام هناك وفي الوظائف، فقد استبدل عميل بآخر، ومكون بغيره وتم إقصاء أسماء، وإحلال أخرى وتعددت التجارب في المناطق التي تحت نير الاحتلال.
كانت هناك فكرة دولة حضرموت، ويبدو أن الفكرة وأدت نفسها قبل أن تعلن عن نفسها بشكل صريح وواضح، وكانت هناك فكرة الجنوب العربي – وبالرغم من كثافة الاشتغال على الفكرة – إلا أن الأيام تثبت أنها تأتي بنتائج عكسية تعزز من قيمة الوحدة الوطنية، ولذلك هزمت الممارسات والسلوكيات المنحرفة فكرة دولة الجنوب ولا تكاد تجدها إلا على لسان طامع في السلطة أو طامع في ثروة.
والغريب أن الذين اشتغلوا على فكرة ملتقى التشاور الوطني عام 2009م وأصبحوا حكاما بعد 2011م وحكاما مشردين وعملاء بعد 2015م، يرتكبون أبشع الفظائع ضد وطنهم، فقد خرجوا في مايو من عام 2009م معلنين الانتصار لليمن، وكانت لهم رؤى ومشاورات تتحدث عن جذور الأزمة الوطنية، وغياب الدولة المؤسسية وإلغاء الشراكة الوطنية وإضعاف الروابط الوطنية، ونهج العنف والتطرف، وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، ولم يطل بهم الأمد حتى كانوا حكاما على اليمن، فتعمقت جذور الأزمة الوطنية، وغابت الدولة كليا، وانقلبوا على اتفاق السلم والشراكة في صنعاء، واستنفروا كل الإمكانات المتاحة لإضعاف الروابط الوطنية وتمجيد المحتل للأرض وللقرار، وشاركوا في تنمية قيم العنف والتطرف، وقد رأينا أبشع الممارسات خلال سنوات العدوان على اليمن، وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي إلى درجة أن أصبحت اليمن مهددة بأخطر كارثة على مستوى العالم بعدما حاصروها برا وجوا وبحرا وتحكموا في غذائها ودوائها وفي حركتها .
شلة اللقاء المشترك التي كانت سببا في انهيار النظام العام والطبيعي في اليمن، هي نفسها من تمارس ذلك الانحطاط، ومن وضعت كرامة اليمن تحت بيادات المحتل, فعاثوا في اليمن فسادا، وجعلوا منها غنيمة يتقاسم ثرواتها المحتل الأمريكي والصهيوني، والغريب أن المحتل يستبدل أحذيته بين الفينة والأخرى، وقد اتضح لكل وطني شريف أن رموز وقيادات اللقاء المشترك لم يكن لهم من قضية سوى السلطة والثروة ولو على حساب كرامة واستقلال وسيادة اليمن، وقد كان لهم ما كان، فقد نهبوا الثروات كما لم ينهب أحد مثلهم، بل خرجت الصحف الغربية تتحدث عن ثروات وشركات فلان وزعطان من المرتزقة، والأغرب أن طفلاً صغيراً من أبناء المرتزق معين عبدالملك أصبح أغنى طفل على مستوى العالم، هذا فضلا عن العقارات التي يملكها والده، وكل قيادات اللقاء المشترك الذين بدأوا بنقاء ثوري مطلع الألفية ها هم يكشفون عن سيقان سوءتهم ويتعرون، حتى مٌنظِّرهم الكبير ياسين سعيد نعمان سقط وقد حاول تبرير باطله، لقد سقطوا في وحل الرذيلة والعمالة والارتهان، لا همَّ لهم سوى المال، وقد جمعوه ولكن هل يغني عنهم المال شيئا ؟ .
كل ذلك الغثاء من العملاء والمرتزقة اليوم تتم تعريتهم وكشف سوءاتهم، وتتم غربلتهم، ويبدو أن مدة صلاحيتهم قد انتهت عند التحالف، ولذلك كلف التحالف ذبابه الإلكتروني حتى يسقط أقنعتهم، وقد فعل بهم ما يستحقون، وتلك عواقب العملاء على مرّ التاريخ ولا عزاء لهم.
لكن ما أود أن أصل إليه هو أن التحالف الدولي يمارس في اليمن لعبة البيضة والحجر، فقد أوقف عدوانه على اليمن، وهو اليوم يحاول تعطيل نتائج ثمان سنوات من العدوان العسكري، ويحاول ترتيب نسقه الجديد وبما يحقق مصالحه، ولذلك يحاول تعطيل أي اتفاق على هدنة جديدة ويحرص على أن يبقى الحال في المنطقة الرخوة الممتدة بين اللا سلم واللا حرب.
تعطيل أي اتفاق على هدنة معناه تعويم الانتصار العسكري، وفي السياق هو يستفيد من زمن الهدنة في تشذيب الترهل الذي فرضته ضرورات الحرب في صفوف العملاء والمرتزقة، وهو اليوم يسعى إلى ترتيب واقع جديد، بعد أن هدم معبد العملاء القدامى ليبني معبدا جديدا متسقا وآماله في الجغرافيا اليمنية.
اشتغال التحالف اليوم لا يقتصر على المناطق المحتلة، بل يمتد إلى المناطق الحرة والمقاومة للمشروع الأمريكي والصهيوني التابعة لحكومة صنعاء، فهو يشتغل على بعدين مهمين: هما البعد الاقتصادي، والبعد الثقافي، وهما بعدان يتركان أثرا مدمرا على البعد الاجتماعي وعلى النسيج العام والنظام الطبيعي وعلى وحدة الصف، وثمة مؤشرات تطل بقرونها كظواهر نغفل عنهما ولكنها قد تكون مستصغر الشرر الذي يسبق النار.
لقد استخدم التحالف التنويم المغناطيسي لنصحو على ضياع تضحيات شعبنا الكبيرة إن لم نتدارك الأمر فما فات جله قد يدرك بعضه.
فالبقاء في المناطق الرخوة بين اللا سلم واللا حرب لن يكون أمراً مستحسنا ولا بد من تحديد موقف، فترك الحزم في أوانه يورث الندامة، كما أن الانصراف عن قضايا المجتمع وعدم الاشتغال عليها حتى يشعر المجتمع بتفاني قادته في خدمته – وإن كابد عقوق الناس – ففي ظني سوف يتركٍ ذلك فراغات تتسع كلما تحركت الضرورات في النفوس ووجدت في البدائل ملاذا قد ترى فيه النجاة.