غارات وقرارات.. مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن (الحلقة 18)
مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن
الثورة /
لم يبذل مجلس الأمن أي جهد للتأني في دعم عدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن، وإذا كان لم يُلقِ لميثاق انشائه ولقرارات الأمم المتحدة وللقانون الدولي أي اعتبار فكيف يمكن أن يعول عليه في إلزام السعودية بـ”معاهدة الطائف“، الموقعة بينها وبين اليمن في 20 مايو 1934 والتي وثقها النظام السعودي وسلمها للجمعية العامة بتاريخ 9 أكتوبر 2006 وحملت رقم (1297) ضمن ارشيف المعاهدات لدى الجمعية العامة.
المعاهدة ألزمت الطرفين في المادة (9) بالامتناع عن استخدام أراضي أي طرف للعدوان على البلد الآخر، حيث نصت المادة على: “يتعهد كل من الفريقين الساميين المتعاقدين بأن يمنع بكل ما لديه من الوسائل المادية والمعنوية، استعمال بلاده قاعدة ومركزًا لأي عمل عدواني أو شروع فيه أو استعداد له ضد بلاد الفريق الآخر”.
وكذلك المادة (15) تلزم الطرفين بعدم الدخول في تحالفات تضر ببلد أي طرف منهما، حيث نصت على: “يتعهد كل من الفريقين الساميين المتعاقدين بعدم المداخلة مع فريق ثالث سواء كان فردًا أم هيئة أم حكومة، أو الاتفاق معه على أي أمر يخل بمصلحة الفريق الآخر أو يضر ببلاده أو يكون من ورائه إحداث المشكلات والصعوبات له أو يعرض منافعها ومصالحها أو كيانها للأخطار”.
أما المادة (17) فقد ألزمت الطرفين بالوقوف على الحياد التام في حالة حصول اعتداء على بلد أحدهما، فجاء نص المادة على النحو الآتي: “في حالة الحصول اعتداء على بلاد أحد الفريقين الساميين المتعاقدين يتحتم على الفريق الآخر أن ينفذ التعهدات الآتية:
أولاً: الوقوف على الحياد التام سرًا وعلنًا.
ثانياً: المعاونة الأدبية والمعنوية الممكنة.
ثالثًا: الشروع في المذاكرة مع الفريق الآخرة لمعرفة أنجح الطرق لضمان وسلامة بلاد الفريق الآخر ومنع الضرر عنهما والوقوف في موقف لا يمكن تأويله بأنه تعضيد للمعتدي الخارجي“.
يتضح لنا مما سبق أن مجلس الأمن ارتكب مخالفة، إن لم يكن التوصيف الأصح “جريمة”، بدعمه لعدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن بمبرر طلب رئيس مستقيل لا يمثل طرفاً أو مكوناً وطنياً ولم يعد متواجداً في البلد، حيث فر منها بعد إعلانه الانقلاب على قرارات مجلس الأمن و”اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، الذي اعتمده مجلس الأمن كمرجعية، كما أن ما قام به مجلس الأمن ودول التحالف بقيادة السعودية خالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والقانون الدولي واتفاقية الطائف الموقعة والموثقة والمعتمدة لدى الأمم المتحدة، وبهذا فإن مجلس الأمن بقيامه بهذه المخالفات وإصراره على استمرار هذه “الجريمة”، في حق اليمن أرضاً وشعباً لا يعتدي على اليمن فقط، وإنما يعتدي على منظومة الأمم المتحدة وعلى أعضائها وعلى البشرية جمعاء، مهدداً بانهيار منظومة الأمم المتحدة إرضاءً للدول العظمى في تكبرها واستبدادها وتسلطها على الشعوب، لتتكرر مأساة انهيار عصبة الأمم مرة أخرى، {لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [الأنفال: الآية44].
بعد خذلان الأمم المتحدة (اليمن يمارس حق الدفاع عن النفس):
بعد انتهاء مبادرة الأربعين يوماً، وبعد أن أثبت اليمنيون أنهم مظلومون وحريصون على السلام، وبعد أن يئسوا من أي تدخل إقليمي أو دولي إيجابي، خصوصاً بعد المواقف السلبية لمجلس الأمن الداعمة للتحالف، وفشل الأمم المتحدة وأجهزتها في القيام بأي مبادرة لإثبات حيادها وجديتها في الحرص على تطبيق ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وإصرار السعودية ودول التحالف على رفض كل دعوات السلام واستمرارها بالعدوان وارتكاب أبشع المجازر في حق اليمنيين، وبعد مرور أربعين يوماً بدأت قيادة الثورة بإعطاء الضوء الأخضر لقوات الجيش واللجان الشعبية بالدفاع عن الشعب وأركان الدولة ضد العدوان الخارجي، بقاعدة مشروعية الموقف وامتلاك “المشروعية القرآنية الإيمانية”، حيث قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: الآية39]، وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: من الآية194] وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}[البقرة: من الآية 190].
ومن مبدأ الدفاع عن النفس الذي اعتمدته البشرية في جميع مبادئها وقوانينها وأعرافها، فقد نص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الـ(51) على: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة”، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.”
انطلاقاً من هذا المبدأ قامت قوات الجيش واللجان الشعبية الثورية بالرد على عمليات التحالف وبشكل تدريجي تهديدي باستهداف المواقع العسكرية السعودية وتنفيذ عمليات برية دفاعية تمنع احتلال الأراضي اليمنية من القوات الأجنبية، كانت هذه العمليات تُعلن كعمليات عسكرية استراتيجية دفاعية مرحلية، حيث يظهر قائد الثورة في كل مرحلة مطالباً التحالف والمجتمع الدولي بإيقاف العدوان والعودة للحلول السياسية السلمية التي تضمن استقلال وسيادة الجمهورية اليمنية، مرحباً بأي مبادرات جادة لإيقاف العدوان والجنوح للسلام، مصداق ذلك الاستجابة والمشاركة الجادة في كل دعوة لأي مفاوضات، كما تم في جنيف والكويت واستكهولم وعُمان.
وهذا ما وضحه قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمة بمناسبة اليوم السادس والخمسين للعدوان على اليمن في 20-5-2015 حيث قال: “على مدى أربعين يوما من العدوان حتى الرد لم يرد عليكم أحد في عدوانكم، هذا على مدى أربعين يوما، من بعد أربعين يوما بدأت اللجان الشعبية وبعض من الجيش وبعض من القبائل بردود محدودة عسى أن تعتبروا، عسى أن تستيقظوا عسى أن تنتبهوا، عسى أن ترتدعوا من عدوانكم ولكن أيضا يبدوا أنكم لم تستفيقوا حتى الآن، هذا العدوان من مكاسبه الحمقى من مكاسبة السيئة لكم من مكاسبه الغبية، أنه يعزز في نفوس الشعب اليمني ويرسخ مشاعر الاستياء منكم، اليوم بعد كل هذا الإجرام أصبحت كل الأسر في اليمن مكلومة مجروحة، أصبح كل مواطن يمني مكلوم معاني، يشعر بالأذى من جانبكم أنكم أسأتم إليه.”(1)
(1) كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في اليوم السادس والخمسين للعدوان على اليمن 20-5-2015 | مركز هُدَى القُرآن (huda.live)