ظاهرة الناشئين
يكتبها اليوم / حمدي دوبلة
رسم صغارنا الابتسامات على شفاه كل اليمنيين من أقصى الوطن إلى أقصاه وهم يهزمون المنتخب السعودي في عقر داره وأمام جمهوره قبل أن يرفعوا بجدارة واستحقاق كأس بطولة ناشئي غرب آسيا لكرة القدم.
-الفرح العارم الذي عاشه اليمنيون كان ممزوجاً بالألم وكثير من الوجع لسقوط ضحايا أبرياء نتيجة هستيريا الاحتفالات التي اجتاحت كل منطقة في البلاد، حيث أطلق الناس العنان لمشاعرهم دون التفكير في العواقب والتداعيات والآثار الناجمة عن الرصاص الراجع فسقط العشرات من الجرحى وتوفي عدد آخر في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات.
-في السابق وصل ناشئو اليمن إلى العالمية وقدموا مستوى كروياً مشرفاً في نهائيات كأس العالم بفنلندا عام 2003م وقارعوا يومها أبطال القارات الثلاث الأكثر عراقة في كرة القدم عندما وقع اليمن في مجموعة ضمت كلاً من البرازيل – بطل أمريكا الجنوبية، والبرتغال- بطل أوروبا – والكاميرون – بطل أفريقيا وقد كان المنتخب اليمني الممثل الوحيد للعرب في تلك البطولة التي ظلت محفورة في الذاكرة باعتبارها الإنجاز الرياضي الأبرز للوطن اليمني.
-استبشرنا حينها خيراً بوضع أساس متين لمنتخب وطني قوي قادر على مقارعة الخصوم ورفع اسم اليمن عالياً, لكن للأسف فذلك المنتخب الذي أسمي في ذلك الوقت منتخب الأمل تبخر تماماً وتلاشى وذاب كفص ملح في الماء ولم نسمع عن لاعب واحد فيه وصل إلى المنتخب الأول في حالة غريبة وغير مسبوقة في عالم المستديرة الساحرة وفي أعراف وتقاليد تكوين المنتخبات في كل بلدان العالم.
– تألُّق الناشئين لم يتوقف عند ” منتخب الأمل” الذي حلّ وصيفاً في بطولة آسيا بعد خسارة المباراة النهائية أمام نظيره الكوري بركلات الحظ الترجيحية قبل الوصول التاريخي إلى نهائيات كأس العالم في نسختها العاشرة في فنلندا تحت قيادة الكابتن المخضرم أمين السنيني, لكن ظل ناشئو اليمن طوال تلك السنوات يتركون بصمات مشرفة في كل مشاركاتهم القارية وصولاً إلى المنتخب الحالي الذي توّج مسيرة التألق والإبداع ببطولة قارية وُلدت من رحم المعاناة والحرمان وأطلت من تحت الركام وخرجت من وسط القصف والحصار لترسم السعادة في قلب شعب مكلوم أرهقته سنوات العدوان السبع ولا يزال يدفع أثماناً باهظة من دمائه ومقومات حياته.
– تَمَيُز الفئات العمرية الصغرى في المنتخبات الوطنية وخصوصاً في لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم, وانحسارها التدريجي مع تقدم العمر باللاعبين لتصل إلى أسوأ مراحلها في المنتخب الأول, باتت ظاهرة في أمسّ الحاجة للوقوف أمامها ودراستها ومعرفة أسبابها من قبل المختصين والمسؤولين الرياضيين ويجب وضع معالجات علمية وعملية لها وفق برامج ومعايير محددة وإقامة معسكرات تدريبية دائمة وأكاديميات متخصصة في الرعاية والتأهيل بعيد المدى لا الاكتفاء بالاحتفالات والأفراح العشوائية وإعلان التبرعات “الزائفة” من قبل التجّار والسياسيين ممن يجدون في إنجازات الأطفال فرصة للترويج والتسويق لأسمائهم وبضاعتهم دون أن يصل إليهم سوى أقل القليل مما يتم إعلانه، والأمثلة على ذلك عديدة.
شهداء المنتخب
الشاب النبيل والمجاهد الخلوق علي محمد صالح الخولاني من أبناء حارة الشريف في نقم ارتقى شهيدا برصاصة طائشة إثر جنون الاحتفال بفوز المنتخب الأسبوع الماضي، قضى نحبه في المستشفى بعد يوم من إصابته برصاص راجع خلال تواجده بميدان السبعين، على الرغم من مشاركته الدائمة في مختلف جبهات العزة والشرف دفاعاً عن الوطن.. إنه جاري في السكن وقد عرفته مذ كان طفلاً صغيراً وكان – رحمه الله، هادئا مثل نسائم السحر، ولا تكاد الابتسامة تفارق وجهه الوديع، تعازينا الحارة لأهله وذويه ولكل ضحايا الاحتفالات وكم سيكون رائعا أن يبادر مسؤولونا الكرام إلى اعتماد هؤلاء ضمن شهداء الوطن خاصة وأن فيهم من كان مجاهداً في سبيل الله أمثال الشهيد علي الخولاني الذي صال وجال في أكثر من جبهة قبل أن يترجل بهدوء بسبب الاحتفالات الصاخبة والمجنونة.