الإخوان وسياسة التفجيرات

عبد الرحمن مراد

 

من أغرب ما قرأت – خلال ما سلف من أيام في وسائط التواصل الاجتماعي – قول أحدهم أن تفجيرات عدن يقف وراءها أنصار الله، ومن قال ذلك؟.. أكاديمي من الذين يحصلون على الشهادات من جامعة الجزيرة بالسودان أو جامعات باكستان، وقد صدّقَ الرجلُ نفسَه حتى بادر بعد أحداث 2011م، إلى فتح مركز للدراسات الاستراتيجية، ومن مثل هذا وغيره من الذين يتاجرون بالمعرفة وبالحقائق ويقومون بأعمال التضليل تصاب الأمة بالعمه والتيه.
المعرفة ليست “عربة بطاط ” تباع في الأسواق الشعبية ولكنها قيمة، وقبل ذلك أمانة، ومن محاسن الأخلاق، ومن خلال سير العلماء، يتضح للناس ثقل حملها إلا عند أولئك من الذين يحملون أسفارا ثم يتاجرون بالقيم وبالضمائر وبأمانة المسؤولية وأمانة المعرفة فنراهم يستهينون بها .
أنصار الله عرفهم الله والناس، وخبرهم الكل قاصي الناس ودانيهم أنهم قوم لا يداهنون ولا يضمرون الشر ويظهرون الخير، ولا يقاتلون من وراء جدر أو بالعبوات المتفجرة ولا بالأحزمة الناسفة، يعلم عدوهم قبل صديقهم أنهم يقاتلون ببطولات لم يسبق للتاريخ أن رأى مثلها في سالف أيامه، يواجهون عدوهم وجها لوجه ولا يطعنونه في ظهره، ولا يقتلون مدبرا، وما علمناهم يشتغلون على المتفجرات والعبوات ولن يشتغل أنصار الله إلا بما يليق بمثلهم عزما وإيمانا وأخلاقا وقيما وبطولات يقف أمامها التاريخ خاضعا ذليلا، لأنه لم ير مثلها في كل حقبه ولن يرى في غير أهل اليمن مثلها في قابل أيامه .
ما حدث في عدن – أو ما يحدث في المناطق المحتلة من جنوب اليمن على وجه العموم – نعلم ويعلم الكل أن مثل تلك الأعمال دالة على أصحابها فهي تكاد تكون سمة لازمة لجماعة بعينها هي جماعة الإخوان الذين يمارسون غواية القتل والموت بأسماء وهمية، إذا جئت كي تسبر غورها لوجدتها الإخوان.
موضوع الغيلة والتفجير والعبوات الناسفة واستهداف الأسواق والتجمعات بها أو استهداف الأشخاص والأفراد، سياسة لجأ إليها الإخوان في ظروف أمنية وعسكرية بعينها فظلت ديدنهم ومن ثوابتهم لم يبرحوها حتى اللحظة، فهم يقومون بمهام التفجير لأهداف سياسية ثم تجدهم أول الباكين بل أكثر الناس والجماعات بكاء وأكثر الجماعات استثمارا للحدث، كما حدث في حادث التفجير الذي استهدف أحد الصحفيين وزوجته في عدن، فقد زرعوا عبوة متفجرة في سيارتهما ثم اشتغلوا على الموضوع اشتغالا إعلاميا كبيرا، في حين أن هناك أحداثا مماثلة لم تلق هذا الاهتمام المبالغ فيه من ذباب الإخوان الإلكتروني، فالضرورة السياسية تفقدهم حالة التوازن فيفقدون السيطرة على ردود الأفعال فيكون القتل هو الأقرب لهم في إرسال رسائلهم الشبعة بالرموز والإشارات للسلطة وللخارج .
هم اليوم في عدن وفي غير عدن يشعرون بحركة إقصاء تنالهم، أو تستهدفهم وليس لهم من قدرات ذهنية في السيطرة على مقاليد اللحظة سوى أعمال العنف التي في الغالب تقوم بها خلية واحدة يتم السيطرة عليها بطرق ووسائل ومناهج التنمية البشرية مع جرعات من الأحاديث المنسوبة للرسول الأكرم، أو التأويل الخاطئ للنصوص، أو مواقف بعض العلماء المتطرفة التي فرضتها ضرورات اجتماعية أو سياسية في زمنها، فتصبح في نظرهم تشريعا ووسيلة ومنهجا .
ولو عدنا بالذاكرة إلى صنعاء، وكيف كانت صنعاء في السنين الخوالي قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م لوجدنا نفس الصورة النمطية دون تغيير، كلما وجد الإخوان أنفسهم في مخنق سياسي سارعوا إلى إحداث قلاقل أمنية دون خوف من الله ودون رقيب من ضمير وتجدهم أول الباكين، وأكثر الناس نياحا وعويلا واستثمارا للحدث، يسعون عن طريق السيطرة على الرأي العام إلى فتح نافذة لهم حتى يتنفسون منها الصعداء ومن ثم يبحثون عن مخارج لهم من بين ركام الأحداث وشلالات الدم، حتى يضمنون وجودا فاعلا في المعادلة السياسية والاجتماعية والثقافية .
أسلوب الإخوان ومنهجهم في التعاطي مع الأشياء والأحداث كارثي ومدمر، وقد كشفت ثورة 21 سبتمبر كل أوراقهم فلم تعد تنطلي أساليبهم وألاعيبهم إلا على أتباعهم فقط من الذين بايعوا الحركة على السمع والطاعة في المنشط والمكره، أما من سوى أولئك فقد عرف الحقيقة وسبر غورها .
لم ينتصر الإخوان منذ نشأتهم في أي معركة، كما أن مشروعهم فشل فشلا ذريعا في تقديم نفسه للمجتمعات، فالتضاد مع المجتمع الذي عليه مشروعهم في اليمن هو نفسه في مصر ونفسه في تونس وهو نفسه في ليبيا سيناريو واحد لا يتغير، حين يشكو الرئيس التونسي من حركة النهضة تمر أمام عينيك ذات المآسي في اليمن من حزب التجمع اليمني للإصلاح، ولذلك لم يفلحوا ولن يفلحوا .
وحين تقرأ تاريخ حركة الإخوان منذ التأسيس في القرن الماضي تجدها بدأت بحركة إقلاق للسكينة العامة وحركة اغتيالات واسعة النطاق، وكانت تصطدم مع السلطات فتخرج من السجون بأفكار تحرض على العنف وتدعو إليه، بل قالوا وهم في السجون بجاهلية المجتمع ورأوا ضرورة تحقيق حاكمية الله ولم تكن وسائلهم في الدعوة متسقة مع روح القرآن ولا منهج الدعوة بل كانت تتسق اتساقا كاملا مع الماسونية في التدمير والقتل، لأن الشيطان في معتقدهم يرغب في مزيد من الدماء حتى يرضى، ولذلك كان القتل بالنسبة لهم عادة واعتيادا، فقد يفجر في الأسواق دون اكتراث ولا وازع من ضمير أو خوف من عقاب الله، وقد يفجر في دور العبادة ولا يرى ذلك منكرا ولا باطلا أبدا بل يراه يحقق غايات الرب، والرب المقصود هنا هو الشيطان وليس الله .
هناك وجهان للإخوان ظاهر وباطن، وتبعا له هناك قيادتان، قيادة ظاهرة هي التي نراها حاضرة في المشهد، وقيادة باطنة لا نكاد نعرفها وهي القيادة التي تدير الفعل السياسي الحقيقي، ولذلك يظهر التناقض في مواقفهم فقد تتخذ القيادة الظاهرة موقفا تراه صائبا وتعود عنه في ظرف زمي وجيز، ولذلك يخاف الناس من عهودهم ومواثيقهم لأنها غير متزنة ولا ملتزمة فقد ترى القيادة الباطنة رأيا مخالفا فتلتزم القيادة الظاهرة حتى كأن الرائي يراهم ينقضون مواثيقهم وعهودهم، ولكم أن تراجعوا ما تمّ في اتفاق السلم والشراكة وكيف نقضوا الاتفاقات وانقلبوا على العهود وكذلك هو ديدنهم.

قد يعجبك ايضا