تحسين أداء مؤسسات الدولة.. أولوية في مواجهة العدوان

د. يحيى علي السقاف

 

 

التعبئة العامة ليست فقط في الجبهة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية بل تشمل الجبهة الإدارية في جميع مؤسسات الدولة وتحسين وتطوير أداء عملها عن طريق تنفيذ توجيهات القيادة الثورية التي دعا فيها إلى ضرورة تطهيرها من الكوادر الوظيفية الفاسدة والمندسة والتي تعمل على عكس التوجه الثوري وتخدم وتنفذ أجندة أعداء اليمن في الداخل والخارج وخاصة في ظل العدوان الغاشم والحصار الظالم على اليمن حيث يختلف الوضع في هذا العدوان في أنها حرب غير متوازنة وحصار خارجي بهدف تجويع الشعب وإخضاعه بالقوة للأجندة الخارجية التي لا تسمح بتحصيل مواردها ولا تسمح بتصدير ثرواتها وخاصة النفطية والتي تجعل الدولة تعتمد على مواردها الداخلية المتاحة فقط وهي لا تفي بالالتزامات الضرورية ويلزم في مواجهة ذلك إعداد خطة استراتيجية واقعية تهدف إلى حصر كافة الإمكانيات المتوفرة في البلاد ووضع مصفوفة عمل تنفيذية شامله ووضعها تحت التصرفات الدفاعية للدولة وتشمل خطة التعبئة تأسيس إدارة طوارئ وأزمات دائمة غايتها تحقيق التشغيل الأمثل لجميع الكوادر المالية والإدارية في مؤسسات الدولة وفي جميع المجالات المالية والاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية .
وتُعتبر الجمهورية اليمنية من الدول النامية التي تسعى وتدعو إلى إصلاح وتحسين أداء الجهاز المالي والإداري للدولة وذلك ضمن كافة برامجها التنموية وتعد السلطة التنفيذية أهم سلطات الدولة وأعظمها باعتبارها المختصة بوضع البرنامج الحكومي والخطط الإستراتيجية التي تهدف إلى تنفيذ أعمال الدولة المؤسسية بكافة اختصاصاتها وذلك وفقا لما جاء به مشروع الشهيد الرئيس الصماد ” يدُ تبني ويدُ تحمي ” لبناء الدولة اليمنية الحديثة ويمكن تعريف تحسين وتطوير الأداء المؤسسي للدولة على انه جميع السياسات والإجراءات والتوجيهات والآليات التي تتبناها مؤسسات الدولة للارتقاء بأدائها بشكل عام وذلك من خلال توفير الدعم الفني في مجال التخطيط الاستراتيجي ووضع سياسات واجراءات للوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وتطوير الخدمات التي تقدمها ومتابعة تنفيذ خططها وبرامجها وتقديم الحلول الممكنة لمعالجة الإختلالات والانحرافات في مؤسسات الدولة .
ولضمان تحقيق ذلك يلزم عمل دراسة وتحليل للوضع الراهن واكتشاف نقاط الضعف والقوة وتحديد ابرز التوصيات والبدء بتنفيذها واستحداث وحدات تنفيذية في معظم مؤسسات الدولة ويناط بها مهمة تبني نهج التطوير المؤسسي في عمل مؤسسات الدولة ومراجعة لعدد من كبير هياكلها التنظيمية والتشريعية وتنمية الموارد المالية والبشرية وبالرغم من أن الإدارة العامة في كل مكان تقوم بالإصلاحات الإدارية وتسعى لاستمرار تحسين الأداء المالي والإداري فان الحكومات وبفعل الثورة التقنية الحديثة دفعت إلى التفاعل وتبني مفهوم الحكومة الالكترونية والأفكار الإدارية الجديدة كذلك فان النجاح المستمر الذي يحققه القطاع الخاص بابتكار مفاهيم وتقنيات إدارية جديدة حفز المختصين بالقطاع العام إلى إمكانية تطبيقها في الإدارات العامة في كثير من دول العالم .
ومن أهم المشاكل التي تواجه الإدارة العامة في الدولة هي وجود إدارة عامة مثقلة بالمهام والمسئوليات الإجرائية والضعف في التخطيط ووضع السياسات العامة والقوانين القديمة وعدم وجود إدارة فعالة للموارد البشرية التي تتضمن تخطيط واستقطاب وتعين وتطوير الموارد البشرية وانعدام المساءلة بسبب ضعف أنظمة الرقابة ومكافحة الفساد وعدم وضع آلية لتحسين الأداء خلال تنفيذ الخطة الاستراتيجية ومن هنا يجب العمل على تنفيذ عدد من الأهداف الإستراتيجية تتمثل في دعم عمليات رسم السياسات العامة للدولة وصنع القرار والوصول بمؤسسات الدولة لتقديم خدمات أكثر كفاءة وفاعلية وقادرة على تحقيق الأهداف الوطنية وإعادة بناء الهيكل التنظيمي والتشريعي لمؤسسات الدولة وجعله يتسم بالرشاقة والشفافية ويعمل بكفاءة عالية وتعزيز القدرات المؤسسية للوزارات وتكريس ثقافة الإبداع والتميز والاجتهاد في القطاع العام والوصول إلى موارد بشرية مؤهلة وكفؤة ونزيهة تلبي الاحتياجات الفعلية لوظائف الجهاز الإداري للدولة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
إن نجاح إصلاح الجهاز الإداري للدولة يتوقف على وضوح أهدافه باستراتيجيات مختلفة بحسب اختلاف هذه الأهداف وتحديد أولوياتها بحيث تسير هذه الاستراتيجيات وفقاً لمنهج منظم يرتبط أساساً بجوهر الإدارة لا بأشكالها ومن جهة أخرى يُعتبر تغييراً شاملاً وجذرياً لعناصر النظام الإداري القائم وعلى رأسها العنصر البشري الذي يتخذ موقفاً من التغيير إذا أدرك أن هذا التغيير يحقق له مكاسب لذلك فإنه يشارك فيه ويعمل على إنجاحه ويٌعتبر إصلاح وتحسين أداء مؤسسات الدولة مفهوماً واسعاً لمكافحة الفساد ويشمل جميع جوانب الحياة التي يمسها الفساد فهناك إصلاح الجانب المالي والإداري والسياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما أنه القاعدة والفساد هو الاستثناء.
وفي نفس الإطار فإن مؤسسات الدولة المالية والإدارية نظراً للظروف الاستثنائية التي تحيط بها من عدوان وحصار يجب أن لا يبقى انسيابها ثابتاً بل يلزم أن يتطور مع تلك الظروف لذلك اهتم علماء التنظيم الإداري والهيكلي بموضوع التغيير المنظم أو المخطط للبنيان التنظيمي وهو من الموضوعات الجديدة في الإدارة العامة وتتم عملية إصلاح وتنمية أداء مؤسسات الدولة إما عن طريق بناء وحده داخلية للبنيان التنظيمي تكون مهمتها العمل على تطوير المؤسسة وإصلاحها وإما عن طريق الاستعانة بخبراء في هذا الجانب ومواكبة تجارب الدول ونجاحها في هذا الخصوص ويشير البعض إلى أن الدول التي فيها فساد مالي وإداري بحاجة ماسة إلى استراتيجية وطنية لمكافحته وإن الإدارة العامة في اليمن بصفة خاصة بحاجة إلى إصلاح مالي وإداري لأن المؤسسات الموجودة حالياً تعمل على العكس من التوجه الجديد والتي تدعو لتطبيقه القيادة الثورية والسياسية حيث ازدادت من حيث عدد الموظفين وتقادمت هياكلها ولوائحها التنظيمية وبحاجة إلى ضرورة تحديثها وتطويرها لتغير المفاهيم الإدارية الاستعمارية السائدة والموجودة من الأنظمة السابقة والتي ما زال يٌعمل بها وهي السبب في تدني الأداء الوظيفي في جميع مؤسسات الدولة وسبب في تأخير النهضة الإدارية والاقتصادية المنشودة .
وتُولي الحكومات المختلفة تحسين وتطوير الأداء المؤسسي أهمية كبيرة وتهتم أجهزتها بتطبيقاته خصوصاً بعد أن اتسع دور الدولة في القرن الواحد والعشرين وأصبحت مهامها واختصاصاتها تتجاوز بكثير مسؤوليات الدولة في القرون السابقة وقد اهتمت الدول المتقدمة بإصلاح وتحسين الأداء في جميع مؤسسات الدولة إلى درجة إنشاء وحدات متخصصة فنية هدفها التطوير والتحسين المالي والإداري على أعلى مستوى في الدولة وتلحق إما برئيس الدولة أو بمستوى قيادي فيها وتقوم بدراسة مستمرة للنظم المالية والإدارية من حيث مدى ملاءمتها لأهداف السياسة العامة وعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية فالجهاز الإداري للدولة هو الأداة الأساسية في تنفيذ السياسة العامة ويعكس فلسفة النظام السياسي الذي يعمل من خلاله ويقوم بخدمة كافة المواطنين وكذلك فإن الجهاز الإداري لا يحتمل أي تقصير في عمله وإذا ما حدث هذا التقصير يصبح هذا الجهاز ضاراً أكثر منه نافعاً فعمله ثابت في جميع النظم السياسية سواء في الدول الكبرى أو الصغرى.
ولنجاح هذا العمل يجب تنفيذ القوانين المالية والإدارية بحيادية ومنطقية وتحديثها وعمل مصفوفة إصلاح قانونية تعدل وتلغي ما تم وضعه سابقا من قوانين خاطئة وغير ملائمة لغرض تنفيذ إملاءات خارجية أو مصالح شخصية فالقانون يؤدي وظيفة هامة تمس حياة المواطن وتتعلق بالسلطة لأنه ممثلها في المجتمع والأضرار التي تقع نتيجة لانحرافه وخيمة العواقب وتؤثر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن أجل تفادي هذه الانحرافات ومعالجة المشاكل التي تنتج عن قصور الجهاز الإداري اتجهت معظم الدول إلى تطبيق برامج الإصلاح المالي والإداري التي تقوم على خطوات جادة وصحيحة غير التي يفرضها نظام صندوق البنك الدولي وعلى أساس تغيير هياكل وأفراد وأساليب الإدارة استهدافاً لخدمة المواطن حيث إن فهم عملية إصلاح أداء مؤسسات الدولة لا يمكن أن يتم إلا بفهم أطرافها الأساسية وهم السياسيون والإداريون والمواطنون.
ونظراً لاختلاف جهود إصلاح وتحسين الأداء المؤسسي بحسب اختلاف الظروف الخاصة لكل دولة وحجم التغيير المطلوب وأهدافه العامة إلا أنه في جميع الحالات فإن جميع تلك الجهود قد تتعرض للفشل إذا لم تكن هناك استراتيجية مناسبة لظروف البلد والظروف الاستثنائية التي تمر بها وخاصة في ظل مواجهة العدوان الغاشم والحصار الجائر وبالرغم من ذلك الاختلاف إلا أنه يوجد اتفاق حول الهدف الرئيسي وهو خلق جهاز مالي وإداري قادر على تحقيق الأهداف الأخرى التي يمكن تصنيفها في الأهداف المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الوحدات المالية والإدارية وهي التي تهدف إلى حل المشاكل الإدارية والتنظيمية بصورة مستمرة لمواجهة التوسع السريع والمستمر لوظائف الدولة وأنشطتها الجديدة والمتطورة وذلك عن طريق رفع مستوى التنظيم الإداري من حيث التخطيط والتنفيذ ومن حيث أسلوب العمل وسلوك الأفراد في جميع المستويات الإدارية ومنها أيضا الأهداف التي تُعنى بالعنصر البشري حيث يٌعد من أهم عناصر التنظيم الإداري والعامل الأول في نجاحه بالإضافة إلى أنه محور العملية وعليه فإن العناية التامة بشؤون العاملين ورفع مستواهم العلمي والمهني والثقافي وتحسين مستواهم المادي أصبحت من أهم الأهداف وكذلك الأهداف التي تؤدي إلى مزيد من الرقابة وهي الأهم في تحقيق تلك الأجهزة الإدارية وتعتبر سلطة رقابة لأن المسؤولين عنها وإن اختلفوا في وسائل التنفيذ إلا أن صفة تحسين الأداء تربطهم وتجعلهم عند مستوى المسؤولية.
*وكيل وزارة المالية

قد يعجبك ايضا