رسَّخت مبدأ الخروج على الظالم ومواجهة الطغاة والمستكبرين

ثورة الإمام زيد.. من المخاض حتى الاستشهاد

 

 

ثورة الإمام زيد عملت على توجيه الأمة إلى تعظيم ما عظم الله وتحقير ما حقر الله فجاء الإمام زيد ليرفع الإسلام ومبادئه وأحكامه ويرفع القرآن وحامليه ورفع راية الجهاد والعلم والعلماء وتحقير الفساد والمفسدين. مبدأ تحرير الأمة من عبادة الطغاة والمستكبرين والعباد جمعياً إلى عبادة الله الواحد القهار وكذلك تحرير الأفكار والعقول. المبدأ الأول والباعث هو القرآن الكريم فقد مثل القرآن وجعله متحركاً حينما جمدوه وجعلوه مجرد تلاوة وأصوات فقط “بني أمية” ولذلك قال الإمام زيد عليه السلام مقولته المشهودة: “والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت” مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين للأمة أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال “هذا المبدأ إذا أقيم، أقيم الدين بكله وإذا عُطّل، عُطّل معظم الدين”.

الثورة  / أحمد حسن

في البداية يأتي الحديث عن مخاض ثورة الإمام زيد حيث ولد الشهيد زيد بن علي في ظل الدولة الأموية، حكم وراثي عضوض، وجاهلي برداء إسلامي، يتسم بالقوة السياسية، ويمنع الناس من أن يبدوا آراءهم في الحُكّام إلا ما يوافق هواهم، وكان يتجه إلى تقديس كل ما يفعله الولاة والحكام، حتى كانوا يعبرون عن أنفسهم بأنهم ظل الله في الأرض وأن تلك الكلمة التي صاح بها عبد الملك بن مروان في مكة المكرمة ” من قال لي اتق الله قطعت عنقه”.
وقد بلغوا قمت العنف في قمعهم الثورات التي تزعمها آل بيت النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وشيعتهم، فقد صنعوا مذبحة كربلاء التي جسدها الاستشهاد المأساوي للإمام الحسين (عليه السلام) وقمعوا ثورة التوابين التي قادها في الكوفة سليمان بن صرد الخزاعي، فضلا عن ثورة عظيم الأزد الحارث بن سريح سنة 116هجري. لكن هذه القمع الذي مارسه الأمويون ضد خصومهم لم ينجح في كف العزائم والقلوب عن أن تفكر في الثورة طريقا للتغير.
وتبين الروايات التاريخية أن عهد هشام بن عبد الملك هو من أكثر العهود التي برز فيها الاضطهاد حيث شاع الإرهاب والتصفية الجسدية لكل القوى المعارضة للحكم الأموي، فضلا عن إقصاء التيارات الفكرية ونفيهم إلى جزيرة دهلك القاحلة النائية الحارة والتي تقع في مدخل البحر الأحمر، حيث كانت مضرباً للأمثال في البعد، بالإضافة إلى المضايقة الاقتصادية وأسلوب التجويع، وخصوصا في البلاد التي تحب علياً وأهل بيته.
أحداث الثورة
قبل انطلاق ثورة الإمام زيد بن علي جرت بين زيدٍ -وهو شاب في مطلع الثلاثينيات من عمره تقريبا- وأخيه محمد الباقر نقاشاتٌ كثيرة بسبب انعزال أهل البيت عن السياسة والثورة ونفهم من تلك النقاشات أن الباقر لم يقتنع بموقف أخيه زيد الميّال إلى الثورة، خاصة أنه لم يجد لها من الحواضن الشعبية سوى أنصار “أهل البيت” من أهل الكوفة بالعراق، ولهم سوابق متعددة في استدراج رجالات “أهل البيت” إلى المواجهة المسلحة مع الحكام الأمويين، ثم التخلي عنهم في مراحل فاصلة من مسار الثورة.
ثم بدأت فكرة الثورة تراود زيد بن علي عندما كان متواجدًا ومقيمًا في أرض العراق، حيث كان العدد الأكبر من شيعة آل البيت متواجد هناك خاصة بالكوفة فعندما عرف الشيعة بالكوفة والعراق عمومًا أن زيد بن علي بن الحسين مقيم بالكوفة، قدموا إليه يبايعونه ويقسمون بين يديه بالقتال حتى الموت ويدفعونه على الخروج حتى اجتمع عنده ديوان فيه أسماء خمسة عشر ألف رجل وفي رواية 40 ألف مقاتل وقد حفظ لنا المؤرخان الطبريّ وابن الأثير -في تاريخيهما- صيغة البيعة التي أخذها زيدٌ من أتباعه وأنصار ثورته؛ فكان نصها حسب ابن الأثير: “إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه – وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسْم هذا الفيء بين أهله بالسَّواء، ورد المظالم، ونصر أهل البيت؛ أتبايعون على ذلك؟” ومما يلفت الانتباه هنا خلوُّ نص البيعة من أي ادعاء لاستحقاق الخلافة بالوصية أو عصمة إمام الثورة أو مَهْدَويَّته، كما نرى توفيقا آخر ذكيا في بنودها بين مطالب “أهل السُّنة” ورؤية “الشيعة”؛ إذْ تعهد زيد بأمرين متزامنين: رفع راية السعي للثار لدماء العلويين لاستقطاب أشياعهم، وإعلان عزمه إزالة مظالم بني أمية عن الناس لكسب دعم كافة المتضررين من سياساتهم أيا كانت مواقفهم ومواقعهم.
وفي هذه الفترة كان يوسف بن عمر مشغولاً بمحاسبة خالد وعماله السابقين، فلم تصل له أخبار مبايعة أهل الكوفة لزيد بن علي، حتى طارت الأخبار ووصلت للخليفة هشام بن عبد الملك، فأرسل ليوسف بن عمر يوبخه ويعلمه بحركة زيد بن علي، فأخذ يوسف في البحث عن زيد والتضييق عليه بشتى الوسائل.
عندها قرر زيد بن علي أن يقدم موعد قيام الثورة فاجتمع مع مناصريه وأطلعهم على خطته للحركة وتسريع ميعاد الخروج، وحدد زيد بن علي موعدًا للخروج، وذلك يوم الأربعاء 1 صفر 122 هـ، ولكن هذا التقديم وصل ليوسف بن عمر، فأمر بجمع أهل الكوفة جميعًا يوم الثلاثاء آخر محرم أي قبلها بيوم في الجامع الكبير، وأخذ يتوعد من يتخلف بالقتل وأرسل الشرطة لجمع الناس إلى الجامع، وخرج زيد ومن وافقه على مذهبه يوم الأربعاء 1 صفر 122 هـ، وأخذ يرسل بعض فرسانه ينادون في نواحي الكوفة بشعار الثورة: يا منصور يا منصور، ولم يجتمع عنده إلا 318 رجلاً فقط، وفي رواية 700 رجل، وأصر زيد بن علي على مواصلة الثورة والخروج قائلاً:” فو الله لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى”
سير المعركة وانتهاؤها
وعندما التقى الطرفان أقبل يوسف بن عمر بجيشه وتقدم زيد بن علي إلى المعركة مع قلة أنصاره، وكثرة أعدائه الذين يأتيهم المدد باستمرار، حيث قاتل زيد بقوته الضئيلة في موازين العدد حيث لم يثبت بعهد البيعة من جنوده سوى “218 رجلاً” هم الذين قاتلوا معه حتى النهاية ورجحت كفة زيد في بداية القتال وقد هُزم جيش الأمويين في أول اصطدام له مع زيد بن علي ودارت رحى حرب غير متكافئة، وثبت زيد ومن معه في القتال، فلما كان يوم الخميس 2 صفر واصل زيد القتال بضراوة شديدة، وانكشف بصب وابل من السهام عليه ومن معه، فأصابه سهم داود بن سليمان في جانب دماغه الأيسر، الذي أنهى المعركة بمصرع الحق فحمله أصحابه تحت جنح الظلام وطلبوا له الطبيب، ولكنه ما إن نزع السهم من دماغه حتى فارق الدنيا وفاضت روحه الزكية وأخمدت تلك الأنوار التي أضاءت في سماء الشرق لتنير العقول وتهذب النفوس وتقيم منار العدالة وتقضي على الظلم والطغيان، فكفن في ثيابه وحُمل في جوف الليل حتى دفن في السبحة في حفرة من الطين ثم أجروا عليها الماء حتى لا يعثر عليه أحد ولكن والي العراق عرف بمكان مدفنه وامر بإخراجه وصلب جثمانه ثم أنزِل بعد أربع سنوات من صَلْبه ثم احرق كما ورد في الروايات.
مسار الثورة الزيدية وتعاقب أئمة الزيدية
بعد ذلك تواصل مسار الثورة الزيدية وتأسس المذهب الزيدي نسبة إلى الإمام زيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام وعلى وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي باعتباره العلم المميز لها؛ وانتشرت الزيدية في شمال اليمن ويشكل أتباع المذهب الزيدي قرابة ثلث تعداد سكان اليمن خاصة محافظات صعدة وصنعاء وعمران وذمار والجوف وحجة وريمة والمحويت. وتتواجد أقلية زيدية صغيرة من مواطني السعودية في منطقة نجد ونجران وعسير وجازان وتهامة في جنوب السعودية أما عن تاريخ الزيدية في اليمن فأول من أدخل المذهب الزيدي إلى اليمن الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، المعروف بالهادي، في نهاية القرن الثالث الهجري. وقد استطاع الهادي أن يقيم دولة له في صعدة شمالي اليمن. فكان المؤسس الأول للدولة الزيدية، وكان عالماً فقيهاً مجتهداً، ومعه دخل مذهب الاعتزال الذي أصبح لصيقاً بالزيدية إلى اليمن. وهو من أحفاد الحسن بن علي. ولد بالمدينة ورحل إلى اليمن سنة 280هـ، فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية. استقر في صعدة وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة في المعروف. بدأ الهادي حركته الإصلاحية بلم الشمل والقضاء على الفرقة والاختلاف، حتى استطاع أن يحكم معظم أنحاء اليمن وجزءاً من الحجاز وقد خاض الزيدية خلال تاريخهم ثورات وحروباً عديدة مع القرامطة الباطنية. استمر حكم اليمن بيد أولاد الهادي وذريته أكثر من ثلاثة قرون ثم خلفهم بالحكم الأسرة المتوكلية التي دام حكمها حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م)، وهي أطول فترة حكم في التاريخ لأهل البيت حيث دام ما يقارب سبعة قرون وفي تسعينات القرن الماضي حمل الراية المجاهد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي ليتولى مطلع عام 2000 ابنه السيد القائد الشهيد حسين الحوثي الذي جدد العهد للمذهب الزيدي حتى وصلت الراية إلى عالمنا المجاهد السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله.

قد يعجبك ايضا