الشعار.. من أول صرخة حتى مواجهة أمريكا وإسرائيل

 

فاضل الشرقي

(أقول لكم أيُّها الإخوة: اصرخوا ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: {الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام} أليست هذه الصرخة ممكنة لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد – بإذن الله – ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى: {الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام} هذه الصرخة أليست سهلة كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟ إنها من وجهة نظر الأمريكيين – اليهود والنصارى – تشكل خطورة بالغة عليهم. لنقل لأنفسنا عندما نقول ماذا نعمل؟ هكذا اعمل وهو أضعف الإيمان أن نعمل هكذا، في اجتماعاتنا، بعد صلاة الجمعة، وستعرفون أنها صرخة مؤثرة، كيف سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوّفونكم، يتساءلون: ماذا؟ ما هذا؟).
هكذا ظهر السيد/ حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) في محاضرة الصرخة في وجه المستكبرين، وهو يتلوا هذا المقطع على حشد كبير من المؤمنين المجاهدين، ثم رفع السيد يده الطاهرة الشريفة وردد هذا الشعار ورددته الجموع المحتشدة بعده، وقد كانت هذه أول انطلاقة لترديد هذا الشعار في قاعة مدرسة الإمام الهادي عليه السلام في مران – صعدة – بتاريخ 17/ 1/ 2002م كما هو موضح في محاضرة (الصرخة في وجه المستكبرين).
إذاً كانت هذه هي البداية الأولى لترديد الشعار (الصرخة في وجه المستكبرين)، وقد مر عليه إلى الآن عقد كامل من الزمن، كله محفوف بالصراعات الدامية والحروب والاعتقالات، تضحية في سبيل الشعار، وموقفاً في زمن بلا مواقف يسوده الخنوع والصمت والرهبة والرغبة لغير الله سبحانه وتعالى، وفي مسيرة الشعار ثمة ما يجب التنبه له والتوقف عنده، سيرة عطرة سجلها أنصار الله منذ الانطلاقة الأولى للشعار نقف فيها مع أهم المحطات ونعرج على أبرزها، إلا أنه يجب التنبيه أولاً إلى أن الشعار كموقف وسلاح برز من بين ثقافة عالية تشبعت بروح القرآن الكريم وانبلج من بين ثناياه المقدسة، إذ لم يكن منفصلاً أبداً عن هذه الثقافة القرآنية، التي جاءت في سلسلة طويلة من الدروس والمحاضرات للسيد/ حسين بدر الدين الحوثي تحت عنوان (دروس من هدي القرآن الكريم).
البداية الأولى:
على هذا كانت البداية مع السيد القائد المؤسس نفسه كما يظهر في محاضرة (الصرخة في وجه المستكبرين)، وقد أكد السيد مراراً وتكراراً على أنّ الشعار موقف قوي من أعداء الله، وتحرك ضروري في مواجهة المشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة كونه أفضل عمل يرضي الله في هذه المرحلة، وفعلا لبّا من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه دعوة السيد هذه، وبدأ الشعار يردّد في كل محاضرة وكل اجتماع، وقد ظهر الشعار في مقاطع متعددة من كل محاضرات السيد ودرسه، وفي البداية كانت محاضرات السيد متوفرة على أشرطت الكاسيت الصوتية ويسمع دويّ الشعار يردّد أثناء الدروس والمحاضرات، وانتشرت الصرخة (الشعار) أولًاً في مناطق بلاد (خولان ابن عامر) وبالذات في منطقة (مران) وأخذ يتوسع تدريجياً ولقي ترحيباً حاراً في أكثر من مكان ومنطقة.
أساليب ووسائل متعددة:
تطورت أساليب رفع الشعار ونشره بين الفينة والأخرى، ففي البداية كان يردّد في الاجتماعات العامة والمحاضرات في المدارس والمساجد، ثم وجه السيد بطباعة المحاضرات وسرعة توزيعها مقروءة في شكل ملازم كما هي عليه اليوم، كما وجه بترديد الشعار في كل اجتماع وبعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، وانتشر الشعار انتشار النار في الهشيم، وحرص السيد على إرسال المبلغين والمنذرين إلى كل منطقة وقرية لتبصير الناس بأهمية الشعار وفحواه، وتعميم ثقافته الثقافة القرآنية (الملازم والدروس) إلى كل مكان ممكن، وتحرك الشباب وبذلوا قصارى جهودهم في سبيل ذلك ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد، عندما احتدم الخلاف وبلغ أشده بين المعارض والمنكر له، وبين المحب والموالي للشعار طبعاً وبدأ الشعار يردد بعد خطبتي الجمعة من كل أسبوع في أكثر من منطقة، وكان أبناء مناطق وقرى خولان ابن عامر ممن حازوا فضيلة السبق وتفانوا في سبيل ذلك، حصلت معارضة شديدة من قبل المجتمع وأجهزة الدولة وموظفيها نظراً لسطحية الناس وضعف وعيهم وإدراكهم لأهمية هكذا مواقف باعتبارها غريبة عليهم وجديدة، أصر أنصار الشعار أو المكبرون كما كانوا يسمونهم على موقفهم وظهروا أقوياء المنطق والحجة والبرهان بما أعيا كل بيان ومنطق، عندها وجه السيد بطباعة الشعار في ملصقات ورقية صغيرة الحجم ومتوسطة وكبيرة ولافتات قماشية كتب عليها الشعار بالنمط الذي اختاره السيد وحدده كما هو عليه اليوم.
عندها طُبع الشعار وانتشر بشكل غير مسبوق، وتهافت عليه الناس يلصقونه في براقع جنابيهم وعلى أسلحتهم وسياراتهم، وجدران منازلهم ومساجدهم ومقتنياتهم الشخصية حيث حذر السيد من وضع هذه الملصقات على حق الغير والأماكن الخاصة احتراما للنهج السلمي وحرية التعبير عن الرأي واحترام الآخرين، وتنوعت الوسائل والأساليب وفق نمط محدد وموحد، وطبع الشعار على الفنائل الجسمية الداخلية والولاعات، والأقلام والميداليات، وجداول حصص مدرسية ودفاتر، كانت تطبعها مكتبة الوحدة في حينه وتبيعها لمن أحب اقتنائها فقط، دون أن يفرض على أحد، ثم تطور العمل وارتقى بأسلوب سريع وحكيم، ووجه السيد بكتابة عبارات الشعار الخمس على الجدران والخطوط والأحجار والجبال وفي كل مكان ما أمكن ذلك على أن يترافق معه توعية قرآنية ونشر الدروس والمحاضرات (الملازم) على كل الناس وكل فئات وطبقات المجتمع دون تمييز بين سنة وشيعة وموظفين ومسؤولين في كل قطاعات الدولة، وضباط ومثقفين وعلماء وسياسيين….الخ وأحرز نمواً مطرداً وتقدماً ملحوظاً، مع توسع ترديد الشعار في المساجد بعد صلاة الجمعة وفي الاجتماعات، عندها قررت السلطة الدخول في المواجهة المباشرة لتقيد حركة الشعار وتحدّ من نفوذه.
المواجهة المباشرة:
بعد أن عجزت السلطة، عبر أدواتها الإعلامية والدعائية، ونشاطها الاستخباراتي المكثف من زرع الفتنة والعداوة والقتال بين أبناء المجتمع الواحد والقبيلة الواحدة للصد عن سبيل الله وتحريضهم المتواصل ضد المكبرين، قررت التدخل المباشر، وكثفت عبر محافظها في صعدة يحيى على العمري، وجهاز الأمن السياسي من النشاط المعادي للشعار وأعلنت حالة الإستنفار، ووجهت حتى المكاتب المدنية والخدمية للتحرك ضد الشعار، وانتشرت فرق مكثفة في محافظة صعدة لطمس ومسح عبارات الشعار في كل شوارع المحافظة، وطلائها بالمعجون البلاستيكي والبوية بما فيها الله أكبر النصر للإسلام، جاء ذلك بعد زيارة قام بها السفير الأمريكي (آدمند هول) لمحافظة صعدة، وأبدى غضبه واستياءه من توسع حركة الشعار المناهض لسياسة بلده العدوانية، فحصل عكس النتيجة المرجوة حيث استاء الناس من هذا التصرف الأرعن، وكسب الشعار الكثير من المؤيدين والأنصار، وأعاد المجاهدون كتابة العبارات بشكل أوسع مما كان عليه، وظهر أعداء الشعار عاجزين في هذا الميدان، تمر هذه الأحداث جاء بالتزامن مع العدوان العسكري الأمريكي على الشعب العراقي في العام2003م، وخرجت المظاهرات والمسيرات الشعبية المنددة بالعدوان في كل المحافظات اليمنية، وقد ظهر الشعار يتقدم هذه الجموع ويرفرف فوق الساحات ويعلوا في كل المظاهرات في كل مدن اليمن، وكسب الشعار شرعية أقوى وبرز الموقف الوحيد والتحرك الأمثل في الإتجاه الصحيح، وفي المقابل توسع الشعار وتمدد إلى أغلب المساجد في محافظة صعدة، وكان جامع الإمام الهادي(ع) محط رحال المكبّرين هذه المرة، إضافة إلى بعض المساجد داخل المدينة القديمة، وما أن يكمل الخطيب خطبتي الجمعة حتى تصدح الحناجر وتعلوا قبضات الأباة بالصرخة مرددين الشعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، وكانت هذه قفزة نوعية للشعار وشجاعة عالية في أداء الواجب الديني، حينها تلقت قيادة المحافظة التوجيهات العلياء بالحسم السريع، وإحكام القبضة الأمنية والعسكرية والبوليسية على جامع الإمام الهادي (ع) بالمحافظة، وصدرت التوجيهات باعتقال كل من يردد الشعار أو يحمله ويناصره، وتوجهت قوة أمنية مدعومة بعناصر الأمن السياسي لتفتيش كل المصلين أثناء دخولهم الجامع واعتقال من يشتبه فيه ومن يردد الصرخة، وفعلا حصلت الاعتقالات إلى سجن الأمن السياسي في كل جمعة، إلا أن ذلك لم يكن خياراً مجدياً وناجحاً مع من يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، ممن لا يخافون في الله لومة لائم، واستمر المجاهدون في ترديد الشعار كل جمعة والتدفق إلى جامع الهادي من كل حدب وصوب فيما الاعتقالات مستمرة، حتى اكتظ سجن الأمن السياسي بجموع المكبرين، رغم الاعتداء الفظيع الذي كان يمارس بحقهم داخل الجامع في بيت الله وسط جموع المصلين، وداخل أقبية الأمن السياسي حتى أصيب بعضهم من شدة التعذيب بالمرض والشلل.
حينها ومع اقتراب موعد الحج، قرر الرئيس السابق (صالح) أن يحج إلى صعدة أولاً، ثم يتوجه بعدها إلى بيت الله العتيق عبر منفذ البقع الحدودي، مصطحبًا معه الشيخ عبدالله ابن حسين الأحمر، وعبدالكريم الإرياني، وعبد المجيد الزنداني، وتعمد النزول في يوم الجمعة وقرر الصلاة في جامع الإمام الهادي لفرض هيبته وجبروته لعل ذلك يحول بين المكبرين ورفع الشعار في حظرته، وفي تلك الأثناء ساد لغط واسع بين صفوف المواطنين متسائلين ماذا سيصنع المكبرون هذه المرة.
علم الجميع بخبر صلاة (صالح) في جامع الإمام الهادي واحتشد الآلاف لأداء الصلاة ومراقبة الموقف، ولم يكن أحد أسرع إلى الجامع من المكبرين وشهد الجامع أكبر عدد في حينه من أصحاب الصرخة، وما إن أكمل الخطيب خطبته حتي دوت صرخة مجلجلة كادت أن تطير بلب صالح، كنت أنا في الصفوف الأمامية الأولى، ورأيت صالح وقد انتفض من مكانه خائفاً فزعا وأحاطت به حراسته من كل مكان، وما إن سلَّم الإمام حتى ولى هارباً دون أن يحسن السلام من البوابة الخاصة، وانتصر الشعار على الطاغوت في حضرته وأمام ناظريه وتناقل الناس خبر الصرخة باندهاش وإعجاب بقوة المكبرين وصلابتهم.
ذهب صالح للغداء في منزل الشيخ/ فارس مناع، وتوجه بعدها للقاء السلطة المحلية ومسؤولي المحافظة، والمشائخ والشخصيات الاجتماعية، وناقش معهم موضوع الشعار وضرورة القضاء عليه وإسكات الصرخة، فقرر الجميع حينها أن الموضوع ليس أكثر من تحدٍ ومغامرة وعناد، وأنه لو يطلق سراح المعتقلين ويكف عن حملة الاعتقالات لتوقف الشعار تلقائياً، فقرر (صالح) إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف الاعتقالات، وتوجه محافظ المحافظة ومدير الأمن السياسي، وبعض المشائخ والمسؤولين للقاء المساجين وإطلاق سراحهم، مقابل تعهدات خطية بعدم العودة إلى ترديد الشعار مرةً أخرى، ولكن المكبرين واجهوهم بالرفض الشديد وتفضيل البقاء في السجن على التعهد، حينها لم يجدوا بداً من اطلاق سراحهم بدون قيد أو شرط، وخرج المساجين أشد قوة، وصلابةً من ذي قبل، وباءت كل جهود المنع بالخيبة والخسران. حينها كان الشعار قد بدأ يردده الطلاب في المدارس، وانتقلت الحرب إلى ساحة التربية والتعليم، وفُصل الطلاب من المدارس، وأُوقفت مرتبات المدرسين للضغط عليهم، كل ذلك حصل ولكن دون جدوى، ومع هذه كله كانت توجيهات السيد ودروسه تواكب الحدث لحظة بلحظة مما يزيد في تبصرة الناس وتوعيتهم ومواجهة كل المؤامرات والمخططات والضغوطات بنفس قرآني وأسلوب محمدي، وعلت راية الشعار وقبضات المجاهدين الأبرار، ودوت صرخاتهم في كل مكان.
المرحلة الثانية:
في الوقت الذي اكتسح فيه الشعار الساحة في محافظة صعدة، كان منزل (السيد) بمنطقة مران يستقبل وفود الزوار يوميًا القادمين من محافظات مختلفة، من سياسيين، وعلماء وقضاة ودعاة، وشخصيات اجتماعية، ويسحرهم (السيد) بأخلاقه العظيمة وتواضعه الجم، وفهمه العميق الذي آتاه الله للقرآن الكريم، ولا يعودوا من عنده إلا بقناعة راسخة رسوخ الجبال الرواسي.
واصل الشعار مسيرته باتجاه كل شيء ممكن، المدرسة والمسجد، البيت والشارع، الأشجار والأحجار، كل شيء هنا يتكلم وله لسان، وشعار الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل، يتردد في كل مكان.
أمام هذا التقدم السريع والانتصارات الساحقة، كانت العيون الإقليمية والدولية ترصد الأحداث وتقرأ الأخبار أولاً بأول، حينها كانت صنعاء العاصمة على موعد مع الصرخة في وجه المستكبرين، وبدأ الشعار يتردّد في الجامع الكبير بصنعاء، حيث السفارة الأمريكية والتمثيل الدبلوماسي العالمي، وأصبح اليمن مناهضاً للسياسة الأمريكية والإسرائيلية، وهذا ما لا تقبل به السلطة بحال من الأحوال، ووضعت الرئاسة الأجهزة الأمنية والعسكرية في حالة التأهب والاستنفار، لمواجهة الصرخة ومحاولة وأدها في مرحلتها الثانية، وسيطرت أجهزة الأمن القومي والسياسي على ساحة الجامع الكبير بصنعاء، وجعلت منه مسرحا ً لأجهزتها القمعية، ومقرًا دائماً لعناصرها، لتبوء مرة أخرى كل تلك المحاولات بالفشل الذريع، ويستمرّ المجاهدون بالتوافد على الجامع الكبير كل يوم جمعة من كل أسبوع رغم الاعتقالات والاعتداءات المستمرة، إلّا أن المجاهدين لم يزدادوا من كل ذلك إلاّ قوة وصلابة، وعزما لا يلين، مرت عدة أشهر وكان عدد المعتقلين على ذمة الشعار يزداد يوما بعد آخر، مما أضطر السلطات لتوزيع المجاهدين على سجون الأمن السياسي بالمحافظات، ليصل عدد المكبرين إلى قرابة الألف، وبدأت بعض الصحف المحلية والإقليمية والدولية، تتناول أخبار المعتقلين كل أسبوع وتنشر أسماءهم على صدر صفحاتها.
وفي المقابل كان الغضب الأمريكي من تنامي العداء الديني في المساجد اليمنية يزداد يوما بعد آخر، فيما السلطات تحاول استخدام كل الأوراق في سبيل الحد من الشعار وإنهائه، بما فيها الورقة الدينية، ودفعت ببعض العلماء للإفتاء بحرمة ترديد الشعار في المساجد، واستقدمت عدداً من العلماء والدعاة والخطباء إلى السجون لمحاورة الشباب وإقناعهم ببطلان الشعار وثنيهم عنه، مستعينة بعلماء ودعاة من خارج اليمن، أمثال الداعية المصري/ عمر خالد، ولكن كل تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل مرة تلوا أخرى، عندها قررت السلطات الإفراج عن المعتقلين مقابل التوقيع على تعهدات خطية بعدم ترديد الشعار واتباع السيد حسين ونشر الثقافة القرآنية، إلاّ أنها اصطدمت برجال أقوياء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وظل الشباب على موقفهم يصدحون بالشعار ليل نهار داخل السجون والمعتقلات، فقررت السلطات التضييق عليهم داخل السجون وتعذيبهم معنوياً وجسدياً، والتقليل من الغذاء ومنع الدواء والزيارة، واستخدام العنف المفرط والقنابل الغازية، وبقي الشباب على عهدهم ووعدهم، برغم كل الضغوط والتحديات.
وعلى أرض الميدان كان الشعار يكتسح الساحة بخطوات حكيمة ومتسارعة، والمكبرون يتواجدون بكثرة بما في ذلك العاصمة صنعاء، وأخذت الصرخة منحىً تصعيدياً آخر، فانتشرت اللافتات فوق أسطح البيوت، وبدأ الشباب يعتلون أسطح المنازل الساعة التاسعة مساء ليصرخوا بالشعار دون خوف أو وجل.
التهديد والوعيد:
لم تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية بخطوات النظام في اليمن، وكل ما قام به في سبيلها محاولاً إنهاء الصرخة وتكميم الأفواه، لذا صعّدت من لهجة احتجاجها مع الحكومة اليمنية، وقد نشرت مجلة المجلة اللندنية في حينه في عددين متتابعين أخبار الشعار، وذكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدمت بمذكرتي احتجاج للحكومة اليمنية تشكو فيها من تنامي العداء الديني في المساجد اليمنية، وفي بداية العام 2004م عقدت وزارة الأوقاف دورة تدريبية لخطباء المساجد في محافظة صعدة، محذرةً من الغلو والتطرف الديني، وقد حرصت على تضمين فريقها بعضاً من علماء الزيدية، فيما كان الغرض شيئاً آخر، وعقد وزير الأوقاف حينها لقاء خاصاً مع قيادة المحافظة، وعلماء الزيدية بمحافظة صعدة حضره من حضره منهم، وطلب منهم التوقيع على بيان إدانة للسيد/ حسين بدر الدين الحوثي تحت عنوان النقد والتبيين وغرّهم واستدرجهم إلى ذلك، ليطير بعد التوقيعات مباشرة إلى العاصمة صنعاء، معرّجاً على بعض العلماء في صنعاء ليضيف توقيعاتهم إلى ورقة البيان المزعوم، ليتفاجأ موقعو البيان بنشره في الجريدة الرسمية، وقراءته من إذاعة صنعاء تحت عنوان علماء الزيدية يعلنون برآءتهم من الحوثي وأتباعه، ويحذّرون من أفكاره، فَهمَ من فَهم أنّ هذا كان بمثابة إعلان الحرب على السيّد، والتي باتت إرهاصاتها تلوح في الأفق، وفي الميدان أرسل الرئيس رسله للقاء السيد/ حسين وإبلاغه رسائل التهديد والوعيد بالحرب إذا لم يعلن توقفه عن الشعار وممارسة النشاط الديني القرآني، استعان السّيد بالله وتوكل عليه، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وقرر مواصلة السير واثقا بالنصر والتأييد من الله المعين، وكانت اللجان تعود بقناعة تامة بصحة موقف السيد وسداد رأيه وحكمته، لكن للأسف لم يكن أحد منهم يجرؤ على قول الحقيقة وكشفها للعيان، فيما الرئيس كان يستبدل رسلاً بآخرين، حينها بعث الرئيس رسالة عبر أحد معاونيه موجهة إلى علماء الزيدية يبلغهم فيها غضب الرئيس وانزعاجه ممّا يقوم به السيد/ حسين بدرالدين وترديد أنصاره للشعار في المساجد وبالذات الجامع الكبير بصنعاء، ويطلب منهم سرعة التحرك لإقناع السيد بضرورة التوقف، وسيكون هذا زيادة لهم في رصيدهم لدى السلطة، ما لم فإن الدولة ستوقف السيد/ عند حده وستضرب بيد من حديد وقد أعذر من أنذر هكذا كان فحوى الرسالة، يومها أذكر أني كنت في زيارة مع بعض الإخوان للسيد العلامة/ بدر الدين الحوثي (رحمه الله) بمنطقة آل الصيفي، وبينما نحن جلوس عنده إذ دخل علينا أحد أقربائه، وسأله هل وصلتك الرسالة الموجهة من الرئيس لعلماء الزيدية؟ ثم استدرك قائلاً لكن صح أنت ما هم مدين لك شيء وأخرجها من جيبه، قال له العلامة الراحل اقرأها فقرأها علينا، فقال: السيد الراحل رضوان الله عليه ينزلوا يلتمسوا الهدى والنور بدلاً من الصد عن الحق.
وعلم الجميع بخبر الرسالة وبيان العلماء وتحضير السلطة للحرب والعدوان، وتحرك المرجفون في المدينة في كل مكان، وأعدوا العدة، وبقي السيد على ما هو عليه ومعه من معه من المؤمنين الصادقين الواثقين بالله رب العالمين.
الحرب الأولى:
وفي يوم 17/ 6/ 2004م شنت السلطة عدوانها المباشر على كل المناطق المعادية لأمريكا وإسرائيل على أساس الشعار، وتفجر الوضع العسكري الظالم، وتصدّى السيد/ لهذا العدوان الهادف إلى إسكات الناس عن الشعار وتكميم أفواههم عن الصرخة في وجه المستكبرين، وأصدر (السيد) بيانه الشهير الذي بين فيه أن هذه الحرب تأتي طاعة للأمريكيين بغرض إسكات الناس عن الشعار قال فيه: (( أيها الأخوة المؤمنون إعلموا يقيناً أنكم تجاهدون في سبيل الله، وأنتم تواجهون هؤلاء المعتدين الظالمين، الذين يحاربوننا بمختلف الأسلحة لصدنا عن سبيل الله، وتذكير عباد الله بكتابه المجيد القرآن الكريم، وإسكاتنا عن الهتاف بهذا الشعار العظيم:
الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.
ضد أمريكا وإسرائيل التي تشن حرباً صريحة ضد الإسلام والمسلمين، وكلنا نعلم كما يعلم أيضاً من شن هذه الحرب علينا أننا لم نعمل شيئا غير هذا، وعملنا واضح منذ أكثر من سنتين ونصف، وأنهم الذين هاجمونا إلى ديارنا وبدأوا بالضرب علينا))
وأكد السيد/ حسين (رضوان الله عليه) في مقابلاته وتصريحاته الإعلامية أثناء الحرب الأولى على أن الحرب ما قامت إلا بتوجيهات أمريكية بسبب الشعار ويقول في اتصال هاتفي مع إذاعة ال بي بي سي: (هذا شيء فرض علينا فرض علينا هذا حرب بتوجيهات أمريكية شنوها علينا بتوجيهات أمريكية ورغبة أمريكية، واسترضاء أمريكي من جانب السلطة.

قد يعجبك ايضا