أمريكا ترحل من أفغانستان بأكبر الهزائم.. فشل يوسِّع أزمات الداخل ويرتد على بايدن

رؤساء أمريكا السابقون وصفوا ما حدث بـأكبر هزائم أمريكا تسبب بها بايدن

 

شركاء أمريكا اتهموا بايدن بالتخلي عن حلفاء أمريكا والاتحاد الأوروبي يؤكد انتصار طالبان
أعضاء الناتو حمّلوا قيادة البيت الأبيض مسؤولية الهزيمة وعبروا عن صدمتهم إزاء الانهيارات المتسارعة

الثورة / عادل عبدالإله
ارتد الفشل الأمريكي في أفغانستان والانسحاب المذل والمهين على الرئيس الأمريكي بايدن في شكل انتقادات وسخط وردود أفعال واسعة في الداخل الأمريكي ، وقوبلت الأحداث التي شهدتها كابول خلال الأيام الماضية بردات فعل أمريكية ساخطة على بايدن الذي أصر على أن سحبه للقوات الأمريكية كان صائبا وأنه إن لم يفعل ذلك فإن الأسوأ سيحدث.
وقوبل قرار جو بايدن بسحب القوات الأمريكية وسيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، بردود أفعال غاضبة وانتقادات لم تتوقف عند حدود الداخل الأمريكي بل تجاوزتها إلى حلفاء أمريكا وشركائها في الحرب والاحتلال في أفغانستان.
وتوالت الانتقادات الشديدة للإدارة الأمريكية سواء من الداخل أو من الحلفاء الغربيين، اعتراضا على استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، بعد 20 عاما من الالتزام العسكري الغربي تجاه هذا البلد الذي قالت واشنطن أنها ذهبت لتصنع الديمقراطية فيه، واصفين ما شهدته أفغانستان وسيطرة طالبان على كابل بالهزيمة والفشل السياسي والعسكري لأمريكا.
غير أن بايدن رد بأن أمريكا لم تذهب إلى أفغانستان لبناء دولة بل للقضاء على القاعدة فقط ، متهما الأفغان بالهروب والجيش الأفغاني بالفشل ، لافتا إلى أن القوات الأمريكية لن تقاتل في معركة لم يقاتل فيها الجيش الأفغاني.

مآسي أمريكا
الحزب الجمهوري المنافس لحزب بايدن استغل ما شهدته أفغانستان ، وشن موجة من الانتقادات ضد السياسة التي ينتهجها الديمقراطيين من خلال إدارة الرئيس بايدن التي أدى قرارها بالانسحاب السريع من افغانستان إلى نتائج كارثية أحيت في أذهان الأمريكيين الصورة القاتمة للهزيمة التي منيت بها أمريكا قبل 55 عاماً في فيتنام وما خلفه قرار الانسحاب من انهيار للجيش الأمريكي ومآسي ما يزال يعيشها الشعب الأمريكي إلى اليوم.
زعيم الجمهوريين بمجلس النواب كيفين مكارثي، وصف طريقة الانسحاب بالخطأ الكبير الذي سيخيم على الولايات المتحدة لعقود، مؤكدا أنه سيفتح تحقيقا للنظر في المعلومات الاستخباراتية التي أدت إلى الانسحاب بهذا الشكل وأسباب انهيار القوات التي بناها ويديرها الجيش الأمريكي في أفغانستان.
أما زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، فوصف الانسحاب بالفشل المخجل للقيادة الأمريكية، محملا بايدن مسؤولية الانهيار المفزع للعاصمة الافغانية كابول التي سقطت بيد طالبان دون اطلاق طلقة رصاص واحدة.

أكبر هزائم أمريكا
انتقادات الحزب الجمهوري للرئيس جو بايدن لم تتوقف عند حدود مجلسي النواب والشيوخ بل وصلت إلى رؤساء سابقين، حيث انتقد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش قرار بايدن، مؤكدا أن انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان «خطأ كبير ستكون عواقبه وخيمة».
وقال بوش الأبن –الذي أعلن الحرب على طالبان والقاعدة وأرسل القوات الأمريكية إلى أفغانستان في خريف العام 2001 عقب اعتداءات 11 سبتمبر- في مقابلة مع محطة «دويتشه فيله» الالمانية إن انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو سيخلف أضرارا لا يمكن وصفها.
من جانبه انتقد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قرار الانسحاب مطالبا بايدن بالاستقالة، مشيرا إلى أن ما فعله بايدن في أفغانستان يعد أكبر هزيمة في تاريخ الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن بايدن اختار استراتيجية خاطئة لسحب القوات من أفغانستان.

رأي عام ساخط
وعلى مستوى الرأي العام الأمريكي تعرض بايدن لانتقادات واسعة، ولضغوط شديدة من وسائل الإعلام بسبب الانهيار السريع للحكومة والجيش الأفغاني إضافة لطريقة تعامله مع الانسحاب الأمريكي.
وبحسب موقع «نيوز ويك» فقد تراجعت معدلات تأييد الرئيس جو بايدن بنسبة 2.6 في المئة بعيد إعلانه سحب القوات الأمريكية من أفغانستان في أبريل/نيسان الماضي، وازدادت نسبة الانخفاض إلى أدنى مستوياتها منذ تولي بايدن الرئاسة في 16 أغسطس/آب، أي بعد يوم واحد من سيطرة طالبان على العاصمة كابول.
واستندت البيانات التي نشرها الموقع إلى مراكز معروفة لاستطلاعات الرأي مثل: ايبسوس، يوغوف، فوكس نيوز ومورنينغ كونسالت، والتي أكدت تراجع نسبة التأييد تزامنا مع سيطرة طالبان على أفغانستان، وارتفاع نسبة الرفض لتتجاوز الـ 45%.
وأمام هذه الانتقادات غير المسبوقة عقد جو بايدن مؤتمرا صحفيا أقر فيه بأنه يتحمل شخصيا مسؤولية الانسحاب، لكنه رغم كل تلك الانتقادات التي طالته، شدد على أن القرار الانسحاب كان صحيحا.

أكبر إخفاقات الناتو
أما حلفاء واشنطن الأوروبيون فلم يخفوا امتعاضهم من طريقة الانسحاب الأمريكي حيث أكد وزير الدفاع البريطاني أن عودة طالبان إلى السلطة تعد فشلا للمجتمع الدولي.
وفي ألمانيا الحليف التقليدي الآخر للولايات المتحدة كان الاستياء واضحا أيضا، حيث اعتبرت المستشارة الألمانية أن التدخل العسكري في أفغانستان لم يكن نجاحه على قدر الآمال المعقودة.
كما وصف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية الانسحاب من أفغانستان بأكبر إخفاق لحلف الناتو منذ تأسيسه.
وفي إشارة إلى الهزيمة التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، أكد الاتحاد الأوروبي على ضرورة التحدث مع طالبان باعتبارها الطرف الذي ربح الحرب في أفغانستان.
وقال جوزيب بوريل مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية إنه سيتعين على الاتحاد التعامل مع طالبان لدعم الشعب الأفغاني، حتى لو لم يعترف الاتحاد بشرعية سلطتها في أفغانستان.
وشدد بوريل على ضرورة الحفاظ على المساعدات الإنسانية بل وزيادتها، مشيرا إلى أن المساعدات لن تذهب إلى الحكومة الأفغانية إلا إذا تم استيفاء الشروط.
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن لندن ستتعامل مع حركة طالبان بشكل براغماتي، مشددا على أن أفغانستان يجب ألا تستخدم في شن هجمات إرهابية ضد الغرب.

فشل أمريكي غير مسبوق
وتعليقاً على تداعيات الانسحاب الأمريكي حمل مبعوث الرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف الولايات المتحدة مسؤولية استيلاء حركة طالبان على الحكم في البلاد، مشيرا إلى أَن ما شهدته كابول ليسَ عمليةً انتقاليةً وإنما هُو نتيجةٌ لفَشلِ واشنطن في أفغانستان.
من جانبه قال السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف، معلقا على اتهام دونالد ترامب لخلفه جو بايدن باختيار استراتيجية خاطئة لسحب القوات من أفغانستان، إن الذنب لا يقع على الرئيس جو بايدن، لأنه –أي بايدن- قام فقط «بإنجاز الشكل النهائي للفشل»، مشيرا إلى أن أسلاف بايدن في البيت الأبيض، بمن فيهم ترامب ساهموا في تشكيل هذا الفشل الذي يشهد، على عدم قدرة واشنطن على الحفاظ على نظام عالمي أحادي القطب.
في المقابل رفض وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين المقارنة بين الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بما حصل في فيتنام، مؤكدا أن الولايات المتحدة حققت الهدف الرئيسي من تواجدها العسكري في أفغانستان رغم تقدم طالبان السريع والمفاجئ.

انهيار النموذج الأمريكي
فشل السياسة الأمريكية وتناقضاتها المتزامنة مع هزيمة وفشل عسكري في أفغانستان تحولت إلى أهم المحاور التي تدور حولها المناقشات في الكثير من الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث الدولية التي أكدت أن ديمقراطية أمريكا انهارت أمام العالم بعد تسليم أفغانستان لحركة طالبان المتطرفة، التي قالت واشنطن أنها شنت الحرب في العام 2001 للقضاء عليها واستبدالها بنظام ديمقراطي.
وبحسب خبراء وأكاديميين، فقد أثبتت الأحداث المتسارعة انهيار ديمقراطية أمريكا أمام العالم بعد تسليم أفغانستان لطالبان، مؤكدين أن النموذج الديمقراطي الذي زعمت أمريكا أنها ستصنعه في أفغانستان تلاشى وبعد عشرين عاما من التواجد الأمريكي لم تترسخ في الأذهان غير اهتز إلا المشاهد المخزية للانسحاب من أفغانستان.
ووصفوا خطاب الرئيس بايدن بالخطاب الأكثر تناقضا في السياسة الأمريكية التي أعلنت قبل عشرين عاما أنها ذهبت لصنع دولة مؤسسات كنموذج للديمقراطية الأمريكية ولم تجد اليوم مبرر لفشلها إلا أن تقول انها لم تذهب لبناء دولة وأن السبب الحقيقي لدخول الجيش الأمريكي إلى أفغانستان يتمثل في منع الجماعات الإرهابية في استهداف الولايات المتحدة.
وأشاروا إلى أن ما حدث في أفغانستان تم وفق مخطط وسيناريو أمريكي يحاكي السيناريوهات التي استخدمتها ونفذتها واشنطن في أفغانستان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ضد الاتحاد السوفياتي والتي اعتمدت في تنفيذها على الجماعات الإرهابية التي أنشأتها هناك وحولتها إلى شوكة في خاصرة السوفيت، وهو ما تسعى لتنفيذه اليوم ضد الصين من خلال حركة طالبان التي سلمتها أفغانستان وأعادتها إلى رأس السلطة من خلال مسرحية هزلية كان الهدف منها تصفية الجيش الذي صنعته وإيصال الأسلحة والمعدات التي جلبتها إلى طالبان.

قد يعجبك ايضا