يحيي اليوم الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة الفلسطينية الذي يصادف في مثل هذا اليوم ١٥ مايو من العام 1948م، والذي مثل ذلك اليوم المشؤم باحتلال ما يزيد على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية، وتدمير 531 تجمعاً سكانياً، وطرد وتشريد حوالي 85 %، من السكان الفلسطينيين، للدول المجاورة لفلسطين، وبعض الدول الأجنبية.
لم يكن تاريخ الخامس عشر من مايو 1948، والذي يُعرَف باسم يوم (النكبة) لدى الفلسطينيين، سوى ترجمة لسنوات طويلة سبقته، من التخطيط الصهيوني والبريطاني، لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وإقامة (دولة) يهودية عليها. فنكبة الفلسطينيين لم تبدأ في ذلك الحين فقط، ولم يكن ذلك التاريخ إلا اليوم الأكثر دموية وتهجيراً للفلسطينيين من أرضهم، وتوَزُّعهم على مخيمات اللجوء حول العالم، وبداية القضية الفلسطينية.
فقد تعرض الفلسطينيون على مدار سنوات طويلة تسبق يوم النكبة للاضطهاد والتعذيب والتهجير ونهب أراضيهم، والهجرة ابليهودية إلى أرضهم بتخطيط من الحركة الصهيونية العالمية، وبمساعدة بريطانيا التي كانت تسعى لإقامة (دولة) يهودية على أرض فلسطين.
وقد خططت الدول الاستعمارية وبخاصة بريطانيا لإنشاء (دولة) لليهود في فلسطين، وذلك يرجع لعدة أسباب، أهمها تبَنِّيها لفكرة (الدولة الحاجزة)، التي نادى بها الصهاينة والقائمة على شطْر جناحي العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا، ما يؤدي إلى إضعافه وإبقائه مفكَّكًا، ومنع ظهور قوة إسلامية كبرى تحل مكان الدولة العثمانية التي كانت في طور الانهيار.
ومن الأسباب الأخرى – بحسب مراقبين – فشل اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها وأن أبناء فلسطين عمَّروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء (إسرائيل) دولة اليهود القديمة والتي عرفت باسم مملكة داود وأكثر من 80% من اليهود المعاصرين، ووفق دراسات – أعدها يهود مثل آرثر كوستلر – فإنهم لا يمتّون تاريخيًا بأي صلة لفلسطين، ولا يمتّون قوميًا لبني إسرائيل، والأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود ليهود الخزر أو الأشكناز، وهي قبائل تترية تركية قديمة كانت تقيم في شمالي القوقاز وهوَّدت في القرن الثامن الميلادي.
بداية التخطيط
حلّت أحداث النكبة الفلسطينية على يد المنظمة الصهيونية العالمية وبريطانيا التي تبنت مشروع المنظمة القائم على إلغاء حقوق الفلسطينيين العرب في فلسطين، وإحلال القومية اليهودية، كما أن المنظّمة الصهيونية تأسست عام 1897 على يد اليهودي ثيودور هرتزل، وكانت قائمة على ديباجات وخلفيات دينية وتراثية وقومية يهودية، وكان شرط نجاحها مرتبطا بإلغاء حقوق أهل فلسطين في أرضهم، وكان تأسيس المنظمة وعقد مؤتمرها الأول هو فاتحة العمل الصهيوني السياسي المنظّم لتأسيس الدولة اليهودية على أرض فلسطين.
وأخذت الهجرة اليهودية إلى فلسطين طابعًا أكثر تنظيماً وكثافة منذ عام 1882، إثر تصاعد المشكلة اليهودية في روسيا، ففي 2 نوفمبر 1917م تبنت بريطانيًا بشكل جدي المشروع الصهيوني، وأصدرت وعد بلفور الذي من خلاله أعلنت إنشاء وطنقومي لليهود في أرض فلسطين.
وفي عام 1920م، ووفق اتفاقية (سان ريمو) تمكنت بريطانيا من دمج وعد بلفور في صك انتدابها على أرض فلسطين، والذي أقرته لها عصبة الأمم! في يوليو 1922م.
وبدأ تنفيذ بريطانيا لمخططها بجعل فلسطين وطنًا لليهود منذ عام 1918م وحتى عام 1948م، حيث فتحت الباب على مصراعيه أمام اليهود للهجرة إلى فلسطين.
وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تُملِّك اليهود الأراضي، فزادت ملكيتهم من نصف مليون دونم، أي 2% من مساحة أرض فلسطين، إلى نصف مليون دونم و700 ألف، أي 6.3% من أرض فلسطين.
وخلال تلك الحقبة تمكّن اليهود – بمساعدة الحكم البريطاني، من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والعسكرية.
ورغم تلك المحاولات الاستعمارية والصهيونية في تهجير الفلسطينيين – إلا أن الفلسطينيين صمدوا على مدار ثلاثين عامًا أمامها، واحتفظوا بغالبية السكان، 68.3%، ومعظم الأرض 93.7%.
لقد كانت المؤامرة أكبر بكثير من إمكانات الشعب الفلسطيني إلا أن الفلسطينيين رفضوا الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني، وطالبوا بالاستقلال، وكانت الحركات الوطنية والإسلامية تنادي بذلك، ونفذت تلك الحركات ثورات القدس عام1920م، وثورة يافا عام 1921م، وثورة البراق عام 1929م.
وشكل الشيخ عزالدين القسام حركته الجهادية عام 1933، وشكّل عبدالقادر الحسيني منظمة الجهاد المقدس.
وتحت ضغط تلك الثورات، وأبرزها الثورة الكبرى ما بين عامي 1936م و1939م، اضطرت بريطانيا في مايو 1939م، إلى أن تتعهد بإقامة دولة فلسطين خلال عشرة أعوام، وأن تتوقف عن بيع الأراضي لليهود إلا في حدود ضيقة، وأن توقف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات.
أبرز الأحداث
لكن بريطانيا تنكرت لالتزاماتها في نوفمبر عام 1945م، وأعادت الحياة للمشروع الصهيوني من جديد برعاية أميركية.
وبعد ذلك بعامين وتحديدًا في 29 نوفمبر 1947م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية بنسبة 45%، وأخرى يهودية بنسبة 54%، و1% منطقة دولية، متمثلة في القدس.
وعند حلول عام 1948م كان اليهود قد أسسوا على أرض فلسطين 292 مستعمرة، وكوّنوا قوات عسكرية من منظمات الهاغاناهوالأرغون وشتيرن، واستعدوا لإعلان دولتهم.
وفي مساء الـ14 مايو 1948 أُعلِن عن قيام (إسرائيل) كـ(دولة) على أرض فلسطين، واستولت على نحو 77% من فلسطين.
وشرّدت (إسرائيل) بالقوة 800 ألف فلسطيني، من أصل 925 ألف فلسطيني، كانوا يقطنون هذه المساحة التي أعلنت عليها قيام (دولتها).
وحتى عام 1948 بلغ عدد الفلسطينيين على كامل أرض فلسطين، مليوناً و400 ألف نسمة.
ودمّر الصهاينة حينها 478 قرية فلسطينية، من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة.
وخلال ٧٣عاماً حاولت قوات الاحتلال الصهيوني بكافة السبل تغيير معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصبغها بالصبغة الإسرائيلية، منها: التوسع الاستيطاني ومصادرة الأرض، ومصادرة أملاك الغائبين، وتسريب العقارات، وهدم المباني، ورفض منح تراخيص بناء جديدة، وزع قبور وهمية، وتهويد أسماء المواقع الفلسطينية، وبناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية والقدس المحتلة، بالإضافة لسرقة التراث الفلسطيني، ونسبته إليهم؛ لكن كل محاولاتها باءت بالفشل بسبب وجود المقاومة، ووعي الشعب الفلسطيني ، وذلك بخلق أجيال متعاقبة للمطالبة بحق العودة للأراضي والديار التي هُجروا منها ق سرياً.
وعلى مدار السنوات الماضية لا زال الشعب الفلسطيني يحيي هذه الذكرى؛ لتبقى في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، حتى استعادة الحقوق كاملة، وتحرير الأرض من الاحتلال الغاصب، ويأتي إحياء الشعب الفلسطيني لذكرى النكبة كل عام رداً على قادة الاحتلال اللذين يرفعون شعار «الكبار يموتون والصغار ينسون»، حيث تؤكد الفعاليات أن الشعب الفلسطيني شعب أصيل لا ينسى وطنه، ولا تاريخه، ولا تراثه، ولا عقيدته، ولا هويته، وهو متمسك بالعودة إلى أرضه التي ورثها جيلا بعد جيل عن أجداده مهما طال الزمن أو قصر؛ لأن الكبار علّموا الصغار أن لا ينسوا فلسطين بل زرعوا في قلوبهم حب فلسطين، والتمسك بالأرض، وغرسوا في عقولهم أيضا تاريخ وحضارة وتراث هذا البلد العظيم منذ بداية التاريخ وحتى يومنا.