د. يوسف الحاضري
عامان منذ أن بدأت الهيئة العامة للزكاة في اليمن عملها سواء بحصد المستحقات على المكلفين والزارعين والمجتمع أو بإخراجها في مصارفها الشرعية المحددة في القرآن الكريم ، وخلال هذه الفترة استطاعت أن تنظم أمور المصارف وتحدد وجهتها وأهدافها على جميع المستويات (القصيرة المرتبطة بالحصار والعدوان) و (الطويلة المرتبطة بالتنمية المستدامة) ، ولكن ما لفت انتباهي في ظل زخم وتزاحم الإنجازات والنجاحات والأفكار والأطروحات قضية هامة جدا جدا وهي (سعي الهيئة لتجعل كثيراً من مستحقي الزكاة يدفعون الزكاة للهيئة بدلا من أن تدفع لهم الهيئة) وهذه أمور خارجة عن نطاق الاستيعاب خاصة لدى البصائر التي لم تع حقيقة مثل هذه الفريضة التي شرعها الله ليس لمجرد التعبد وإنما لحل مشاكل كبرى في المجتمعات (وهذا ما سنتكلم عنه لاحقا) .
نعم ، من أهم مشاريع الهيئة حسب ما رأيت بعيني من أنشطة لها ونتائج في فترة زمنية قصيرة جدا إذا ما قارناها بـ50 عاما لأنظمة سابقة دفنت هذه الفريضة في القلوب وفي الواقع وفي الثقافة المجتمعية ، فقد رأيت أن اهم أهداف الهيئة أن تصل بالمستهدف من الزكاة من متلقٍ لأموال الزكاة بجميع أصنافها وأنواعها إلى دافع للزكاة للهيئة ، وهذا هدف نوعي ونادر من نوعه في مجتمع يجتاحه الفقر والعوز نتيجة تراكمات عقود من الزمن من الفساد وسنين من العدوان والحصار ، وتفكير بناء وتنموي وموجه ومسدد يعكس مدى النور والبصيرة التي يمتلكها القائمون على الهيئة الناتج عن نور وبصيرة الثقافة القرآنية المستقاة من ملازم الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي وتوجيهات السيد القائد العلم عبدالملك الحوثي سلام الله عليهما ، وهذه المشاريع هي المشاريع المنتجة والمستدامة والتي لا تنتهي بانتهاء كمية المادة الغذائية أو المال الذي يدفع للمستحق لينتظر مالا آخر وهكذا كما تعمل كل المنظمات الخارجية للأسف الشديد ، بل هناك مشاريع توفر للفقير المستحق للزكاة وسيلة ليكسب بها رزقه باستمرار أو تستصلح له أرضا زراعية وتوفر له إمكانيات يحتاجها للزراعة كما حصل في توفير قوارب صيد لصيادين في الحديدة ومكائن خياطة لمستحقات وسوق لترويج وبيع منتجاتهن واستصلاح أراض زراعية هنا وهناك سيستفيد منها الآلاف من الناس الذين هم ضمن إطار الاستحقاق لهذه الفريضة ، ما يعني أننا سنصل بعد سنة أو سنتين على أكثر تقدير إلى أن نجد هذا الرجل أو تلك المرأة التي كانت تنتظر متى سيدق باب بيتهم ليقال لهم خذوا هذه المواد الغذائية من القمح والذرة والشعير من زكاة جاركم هذا أو المزارع هذا سنجدهم يدقون باب الهيئة ليقولوا لها خذوا هذه الأقداح من القمح والشعير والذرة زكاة محصولنا وحصادنا لهذا العام بعد أن استطعنا بدعمكم أن نزرع ونسقي ونحصد أرضنا التي كانت قبل نشأتكم أرضا بورا وماؤها غورا فكنا نموت جوعا ونحن نمتلك الأرض الزراعية ، وسنجد ذلك الصياد الذي عجز عن القيام بالصيد في البحر اليمني الزاخر بكل أنواع السمك لعدم توفر القارب والشبكة وغيرها من إمكانيات كالمشتقات النفطية والسوق التجارية وكان ينتظر ما ستقدم له الهيئة ضمن إمكانياتها خاصة وهي مازالت ناشئة وفي ظل عدوان وحصار ، سنجد هؤلاء في آخر العام يتصلون بالهيئة ليسألوها عن رقم حساب الهيئة في البريد أو البنوك ليوردوا إليه زكاتهم لهذا العام المستحق من كمية الصيد الذي اصطادوه وباعوه وأطعموا أهاليهم وكسبوا أموالاً تعينهم على أمور حياتهم ، سنجد تلك الأرملة وتلك التي تقوم على أيتامٍ كثيرين تخيط الثياب مستعينة بالماكينة والخيوط والإبر والقماش والكهرباء الذي وفرته لهم الهيئة العامة للزكاة لتنتج ثيابا أولاً يرتديها أبناؤها وثانيا تبيعه في سوق قامت أيضاً الهيئة باستحداثه وشراء هذه المنتجات لتستفيد منها في مشاريعها الأخرى ككسوة أبناء الشهداء في الأعياد وكسوتهم في المدارس وغير ذلك ، ما يعني أن هذه النسوة سيأتي يوم لزوم دفع الزكاة فلا ينتظرن ما سيقدم لهن بل هنّ من ستبادر لدفع ما عليهن من زكاة وهكذا .
هذه هي المشاريع المستدامة التنموية التي سيأتي بعد عدد من السنين ونجد أن الهيئة قد استطاعت أن تحل جزءاً كبيراً من مشاكل المجتمع وستتوسع في مشاريعها وتنطلق في رؤى أوسع وأكبر وأعظم لنصل إلى أن نستغني بغنى الله وفريضة الزكاة عن مد أيدينا للمنظمات واستغلال هذه المنظمات لمآسينا والتسول بمشاكلنا كما يحصل الآن ، سنصل إلى أن نترجم حقيقة أن فريضة الزكاة تشهد على كمال علم العليم وحكمة الحكيم وهو الله جل وعلا من خلال سنّها وفرضها لتكون سلاحا بيد المؤمنين لحلحلة مشاكلهم المجتمعية والاقتصادية وهذا أسمى أهداف هذه الفريضة والتي سنتكلم عنها في مقال قادم بمشيئة الله تعالى.
إن أهمية وعظمة القيادة القرآنية والتفكير القرآني والتوجيه القرآني والحركة القرآنية تتمثل في الرقي بالنفسية البشرية للإنسان ليكون منتجا معطاء فاعلا حتى ولو كانت بدايته مسكينا فقيرا محتاجا فاقد الحيلة عاجز التصرف ، وفريضة الزكاة أهم هذه الأسلحة رغم ما شابها من تشويه لا يقل تشويها عما حصل لكثير من فرائض الله كالجهاد والإنفاق في سبيل الله (وهذا جانب ثالث سأتكلم عليه إن شاء الله) نسأل الله تعالى أن يسدد خطى القائمين على هذه الهيئة وأن يصوّب تحركاتهم وأن يوفقهم في كل ما يهدفون به لأجل رضا الله والقيام بهذه الفريضة على أكمل وجه كما هي دعوة للجميع بالمسارعة لدفع هذه الفريضة والأخذ في الاعتبار أن التهرب منها ولو بما قيمته ريالا واحدا جريمة يرتكبها الإنسان بحق ذاته تصل إلى مستوى العمى وسوء العذاب في الدنيا والخسران في الآخرة (وهذا جانب آخر يحتاج للحديث عنه بشكل مستفيض).
كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية