محمد النظاري
نتذكر دائما مقولة “العقل السليم في الجسم السليم”.. هذه المقولة لم تأت من فراغ، كون الرياضة تجعل الذهن متفتقاً، وتبعده عن التوتر الذي يرسل بدوره إشارات عصبية إلى مختلف أجزاء الجسم فيجعلها في وضعية تعب متواصل.
فالرياضة أصبحت عنصرا علاجيا مهما لكثير من الأمراض سواء التي احتاجت للتدخل الجراحي أو ما قبلها.
على النقيض تماما تأتي السياسة، والتي استخدمت في غير مصطلحها الحقيقي من القدرة على سياسة أمور من تتولى قيادتهم بحكمة لتصبح سببا للتفرقة ونشوب النزاعات بين الأفراد واندلاع الحروب في البلد الواحد أو بين البلدان المختلفة.
لم تكتف السياسة بإفساد الحياة المتعلقة بميدانها، بل اعتدت وبكل قسوة على الميدان الرياضي وممارسيه.
الأمثلة كثيرة، فليست المقاطعات (الرياضية) التي تحدث بين الدول، بحيث تمتنع عن المشاركة في حدث رياضي، بسبب وجود دولة أو عدة دول لا تتفق سياسيا معها وتطور (عدم الاتفاق) ليصل إلى النزاع المسلح.
ولولا ان نظام الفيفا وبقية الأطر الرياضية يمنع حدوث ذلك (في إطار المسابقات الرياضية) لحدث انهيار كبير في منظومتها، ولاستطاعت السياسة هدم كل ما بنته تلك المؤسسات الرياضية من قيم التسامح والتآخي وإزالة الفوارق العرقية والدينية والمناطقية ……إلخ.
ولكن الكارثة تتمثل في أن بعض المجتمعات سيَّست الرياضة، ولم تؤثر فيها الرياضة بروحها العالية، بل أثرت هي في الرياضة بروحها المدمرة، وعدم الانتباه لذلك سيقود إلى تفسخ القيم المثلى للرياضة، وستتحول ميادينها من التنافس الشريف إلى النقيض منه.
إن مظاهر حشر أنف السياسيين في المنظومة الرياضة لا تعد ولا تحصى، ولن نستطيع ان نعرج عليها هنا، ولكن سنورد بعض الأمثلة (التي ابتلينا بها) ومنها إصرار بعض السياسيين على رفع الشعارات السياسية، مستغلين التواجد الإعلامي لنقلها للغير، ليقينهم انه لم يلتفت إليها أحد (خارج أسوار ميادين الرياضة) فأقحموها عنوة لبث رسائلهم السياسية للآخرين، غير آبهين بالاضرار الوخيمة المترتبة على ذلك، خاصة في نفوس النشء والشباب غير المتسيس.
يجرِّم الفيفا مثل هذه الأفعال ويعاقب عليها بشدة، وعلى الاتحادات الوطنية تنفيذ توجيهات الفيفا في هذا الجانب بشدة، لحماية المجتمع الداخلي من حدوث أعمال شغب نظرا لطغيان التعصب، وهو الأمر الذي يصعب السيطرة عليه في حينه وبعد حدوثه.
الحكام والمسيِّرون للأنشطة الرياضية، يفترض بهم أن يكونوا الجهة الأكثر رجاحة للعقل، والتي يهمها بالمقام الأول تنفيذ بنود القانون وصولا بالمسابقات لبر الأمان في إطار المنافسة المتكافئة والإمتاع الذي هو مطلب الجماهير الرياضية.. وعندما يسيرون في ركب تسييس الرياضة، ينبغي محاسبتهم حتى لا يبدو الحال متقبلا فيما بعد.
نعرف جميعا العداء بين كثير من الدول ومن بينها إيران وأمريكا، ولكن ذلك لم يحل دون التقائهما في مباريات كأس العالم، حتى شعار الروح الرياضية التي تحد من النزاعات، ولكن ذلك لم يحصل إلا في وجود منظم قوي للبطولات، ومنها الفيفا، فعصا الفيفا القوية تمنع الجميع من انتهاج أي سلوك غير رياضي.
هناك أمور مصيرية (بحكم الإجماع العربي الإسلامي) ومنها العلاقات الرياضية مع الكيان الصهيوني، فطالما هذا العدو مغتصب لمقدساتنا (القدس الشريف) ومنتهك لحقوق إخوتنا الفلسطينيين بحرمانهم من إقامة دولتهم المستقلة مع عودة لاجيئها، ففي ظل عدم تحقيق ذلك لا تدخل المقاطعة ضمن حشر السياسة في الرياضة، بل يدخل التنازل (التطبيع) بكل أشكاله ومنها (الرياضة) في بيع القضية الأم للأمة، فعلى سبيل المثال المدينتان المقدستان (مكة والمدينة) محرمتان على غير المسلمين، فهل يجبرنا الفيفا على إقامة أي مسابقات فيهما ويعتبر (التحريم الديني) شعارا سياسيا؟ بالتأكيد لا، وهو ما لم يحدث، رغم احتضان المملكة لكثير من البطولات التي أشرف عليها الفيفا ومنها بطولة القارات على سبيل المثال.
الأطر الرياضية العالمية تعي مسألة عدم استثارة هذه الأمور تجنبا لئلا تصبح الرياضة بوابة للهدم لا للبناء، فيما نحن للأسف الشديد نصر على تفتيت النسيج الرياضي الذي يضم شريحة كبيرة من الشعب، ما بين ممارسين ومسيرين ومشجعين.
لا نأمل، بل المفترض تطبيق القانون في هذه الأمور، هذا إن أردنا لها الظهور بمظهرها السيئ المفسد للرياضة، أما إن غض الطرف عنها (لأي سبب كان) فهذه الأطر الرياضية لا تستحق البقاء في أماكنها، بل على الأطر المنضوية تحتها دوليا إيقاع العقوبات بها.
من وجهة نظري الشخصية، إيقاع العقوبات ومنها تجميد الأنشطة، أراه أفضل حالا من الاستمرار في سلوكيات عواقبها مدمرة ليست على الرياضة فحسب، بل على الدولة وشعبها.
في الأخير…
بعد الانتهاء من كتابة العمود، قرأت ما تم تداوله من قرارات الاتحاد العام بإقالة فرعي كرة القدم في محافظتي حضرموت وأبين، بسبب ما أسماه تنظيم مباريات ذات طابع سياسي، وهو قرار في محله.. ولكن سيتساءل الكل، ماذا عن الفروع الأخرى التي حوَّلت الملاعب إلى ساحات سياسية؟
الاتحاد مقبل على تنظيم الدوري، ويبدو أن ما حدث وما صدر من إقالة، وما سيترتب عليها، أمور ستكون لها تبعات على إقامة أي نشاط للاتحاد العام لكرة القدم.
وبعد كل هذا ألستم معي في أن السياسة أفسدت الرياضة؟