شهيد “يوم الولاية”الشيخ حسين هضبان.. القدوة والنموذج والمبدأ الذي لا يموت

 

بعد عشرة أعوام.. الشهيد حاضر في وعي المحبين وفي يوم الولاية نستذكره قدوة ونموذجاً
نجل الشهيد يتحدث لـ”الثورة ” في يوم الولاية:
والدي لم يتعامل مع الحياة إلا كعقيدة وجهاد واستشهد وقد أدى دوره
همته في إعلاء القيم الإسلامية أثارت حقد الأعداء، وقد انتصر عليهم بمبدئه في الولاء وحب الإمام علي عليه السلام
كان والدي أباً للمستضعفين ويداً تدافع عنهم في وجه الظلم والطغيان في عموم محافظة الجوف
حين جمعت “الوهابية” عملاءها لإغلاق محافظة الجوف أشهر صوته: “ذلك لن يكون”

في ذلك اليوم توافد التواقون والمحبون لسيرة بيت النبوة عليهم السلام، وشدوا الرحال إلى حيث ملتقى المواكب من كل اليمن للاحتفاء بيوم الولاية، يوم الغدير “نصرة لله تعالى، ونصرة لرسوله، ودفاعاً عن مقام رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونصرة للإمام علي (عليه السلام)، كما ذكر الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي.

الثورة  / وديع العبسي

الزمن: الأربعاء 24 /11/ 2010م.
الحدث: عمل انتحاري
المنفذ: تنظيم القاعدة
المكان: المتون – الجوف
الضحايا: 23 شهيدا في مقدمتهم الشيخ حسين حمد عرفج هضبان
الدافع: حقد عقائدي
في العام 2010م عندما بدأت الترتيبات لإحياء يوم ولاية أمير المؤمنين- عليه السلام- في محافظة الجوف لأول مرة كان واضحا أن الأمر أربك حسابات المعارضين من الوهابيين وأتباعهم، لذلك عمدوا إلى هذا العمل الإرهابي في محاولة لإفشال الفعالية، واجتهاد لهز ثقة الناس بالمسيرة القرآنية، لم يهتموا بالوسيلة وإنما حرصوا على بلوغ غايتهم، وهو ما لم يكن.. يقول يحيى هضبان “ظنوا أنهم سيخيفون الناس ليعودوا أدراجهم فخابوا، إذ تواصلت المواكب المشاركة في التوافد وأحيينا ذلك اليوم المبارك، بل إننا وأهالي كل الشهداء الذين راحوا ضحية هذا العمل الإجرامي عشنا فرحتين فرحة عيد يوم الولاية وفرحة نيل الوالد الشهادة في هذا اليوم”.
نال الشيخ حسين هضبان صفة “شهيد يوم الولاية”، وكان مثار فخر واعتزاز الكثيرين ما أنساهم ألم الفقد.
يقول يحيى هضبان نجل الشهيد الشيخ حسين هضبان:
في صبيحة ذاك اليوم الأغر ذكرى يوم ولاية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب – عليه السلام- يوم الأربعاء في 18 ذي الحجة 1431هـ كان والدي الفاضل وبعد إتمام الورد اليومي متأهباً للذهاب لتجديد الولاء لسيد وإمام المتقين علي عليه السلام، وبعد أن توافدت الجموع إلى نقطة الانطلاق سوق الاثنين في مديرية المتون كان والدي وبرفقته الوالد العلامة الشهيد/ حمود بن درهم العزي على متن سيارة من نوع شاص وكان على صندوقها واحد وعشرون مجاهداً في سبيل الله، وكان هناك موكبان إلى جانب موكب مديرية المتون /موكب م/ الغيل، وموكب م/المصلوب، لا أحد كان يعلم أن المخابرات الأمريكية الإسرائيلية المسماة قاعدة كانت ترصد بشكل خاص والدي والعلامة حمود العزي، وهو الذي اتضح من خلال تركيز تصويرهم على موكبه.. تحركت المجاميع الموالية وفجأة سابقت الريح سيارة من نوع (فيتارا) سوداء اللون باتجاه الهدف المرسوم له.. انفجرت السيارة وارتقى والدي ومعه رفيق الدرب العلامة حمود بن درهم العزي وكذلك واحد وعشرون مجاهداً شهداء في سبيل الله والقضية المقدسة.. فهنيئاً لهم الشرف العظيم الذي حظيوا به والمكانة الرفيعة التي نالوها”.
اغتيال السلم في المتون
حدثت الجريمة في سوق الاثنين في المتون بكل ما عرف عن هذا المكان، وقد جرى العرف عليه بأنه سوق آمن، فلا يؤخذ فيه ثأر ولا يكون فيه شجار ويسمى (مهجر)، ويعتبر نقطة أمان، يلجأ إليه الجميع ولهذا ازدهر بشكل ملفت وأصبح ملتقى لكل الأفكار، وربما لأجل ذلك برزت قرية المتون كعاصمة ثقافية وسياسية لكافة الأفكار، فأصبحت المتون القرية الصغيرة الواقعة في الجهة الجنوبية للجوف، وتعتبر مديرية الزاهر نقطة انطلاق ومرتكزاً للأفكار عامة، أما من الجانب العقائدي ففيها قليل من السلفية والأغلبية زيدية، مذهب أهل الجوف وكذلك الجعفرية وسكانها قبائل يعود مرجعهم القبلي لذوي حسين.
لماذا الشيخ هضبان؟
أكد استهداف الشيخ هضبان أن القصد كان قتل “حضور” المسيرة في نفوس المناصرين لها أولئك الذين وجدوا فيها النصير لقضاياهم ومظالمهم باعتبارها القائمة على إعلاء القيم الإسلامية التي حفظت للإنسان كرامته وكينونته.
فسيرته الجهادية ومنافحته عن المستضعفين ضد الظلم وجهاده على أكثر من شكل بطريقة مباشرة وغير مباشرة وإسهامه الكبير في التفاف المناصرين حول كلمة سواء نصرا للدين وإعلاء لراية الإسلام كان مثيرا لحقد الأعداء، ومكونا لنزعتهم لكتم صوته وشل حركته.
الشيخ حسين حمد عرفج هضبان، الاسم الذي أكدت مجريات الأمور أنه كان يشكل أرقا لمن أرادوا إلا أن تسود الوهابية أو ليهلك الجمع.
وقد مثّل الشيخ هضبان رمزا من الرموز المؤثرة، فقد كان لصوته حضور، ولموقفه تأثير، وقد استشعر قادة الفريق الوهابي خطره خصوصا بعد موقفه المشهود في الاجتماع الذي ضم مشائخ “ذو حسين”.. يقول يحيى هضبان “في ذلك الاجتماع الذي حرص الوهابيون على انعقاده بقصد إعاقة التوسع الذي كانت المسيرة القرآنية تحظى به في محافظة الجوف حاولوا وضع محددات غير عقلانية والاتفاق عليها وكان أبرزها منع دخول أي وافد من خارج مديريات الجوف، كانوا يريدون عزل المحافظة، غير أن الوالد وقف مستنكرا هذا الطرح بشدة رافضا إياه جُملة وتفصيلا ومحذرا من المساس بأي شخص قادم إلى المحافظة، وبالطبع فشل الاجتماع ومن يومها تكوَّن العداء لهذا الرجل الصادق.
وفي التعريف بشخصية الشيخ الشهيد حسين حمد عرفج هضبان يسرد نجله يحيى:
منذ نعومة أظافره وهو على المذهب الزيدي، تعلَّم القراءة والكتابة وكذلك حفظ الكثير من القرآن الكريم عندما كان رهينة لدى الإمام أحمد حينها، فقد كان أحد أبناء المشائخ الذين كانوا في ضيافة الإمام كرهائن ليضمن عدم خروج المشائخ عن حكمه فترة من الزمن، بعد ذلك خرج الوالد إلى قبيلته ومجتمعه وعمل على تحفيز الكثيرين للمذهب الزيدي وتوجيه الناس إلى حب أهل البيت عليهم السلام.
تحرك وسعى كثيرا للرقي في سلم العلم ونهل من حوضه ومنبعه وجلس فترات مع العلماء الأجلاء السيدين، الكرسيين، العمودين، للمذهب الزيدي العلامة/مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي والعلامة / بدر الدين بن أمير الدين الحوثي سلام الله عليهما.
في عام 2002م كان هو أول من استقبل ملازم الشهيد القائد /حسين بدر الدين سلام الله عليه وقرأها وعمل على نشرها كفكر زيدي يحث على القيام بالمسؤولية تجاه الدين والوطن، وكان له الفضل والشرف في السبق إلى الجهاد والاستشهاد، فهو أول من استقبل المسيــــــــرة القرآنية، وابنه الشهيد محمد حسين أول شهيد من محافظة الجوف.
ويواصل يحيى هضبان قائلاً: كان هو ومعه مجموعة من المؤمنين أول من شارك من محافظة الجوف في الحربين الأولى والثانية عند السيد العلامة / بدرالدين والشيخ / عبدالله بن عيضة الرزامي أبو يحيى حفظه الله في جبهة نشور والرزامات، كما كان أيضا حلقة الوصل بين السيد القائد / عبدالملك بدرالدين والمجاهدين من المحافظات الأخرى بعد استشهاد السيد حسين بدر الدين رضوان الله عليه.
القناعات لا تموت
تصور العدو أن قتل الأشخاص يمكن أن يقتل القناعات المزروعة في نفوس الأنصار، وقد ثبت لهم بالدليل الثابت أن ما تصورونه لم يكن إلا سراباً.. ازدادت قناعة المؤيدين والأنصار بأنهم على الحق سائرون بمشيئة الله.
على أنه لا بد من الاعتراف بأن رحيله فتح الطريق لتحقيق بعض مخططات الشر التي أرادوها للمحافظة كما أرادوها لليمن عامة.. فتأثيره القوي ظهر على نحو آخر بعد استشهاده، إذ خلَّف استشهاد الشيخ هضبان فراغا يصعب شغله بسهولة، ومن خلال ملاحظة الواقع سنجد أن عملية اغتياله ومن معه من قبل تنظيم القاعدة كان بداية لعدد من الحروب داخل المحافظة وأهمها حرب (سدبة والغيل) حسب نجله يحيى.
كما أثَّر استشهاده في أولئك الذين وجدوا فيه القلب الكبير والداعم السخي والمدافع القوي عن قضاياهم وهم المستضعفون.. يقول نجل الشهيد ” كان قريبا من المستضعفين يتعاطف معهم وله مواقف كثيرة، إذا حدث أمر تجده في رأس الموقف.”
مواقف مشهودة
يتذكر يحيى هضبان من مواقف والده الشهيد حسين هضبان التي جعلت له كل ذلك الحضور أنه بعد الحرب الثانية عندما أخذه إخوته الموالون لمقابلة علي محسن، حينها كان السيد العلامة بدرالدين، وباقي الأسرة الطاهرة تحت الإقامة الجبرية وقد أحضرت قبيلة الرزامات الشيخ عبدالله بن عيضة الرزامي.
وكان مما دار بينه وعلي محسن الحديث عن الافتراءت التي أعدها الجنرال بأن الشهيد القائد/حسين بدرالدين يريد الكرسي وأنه يقول إن الخلافة في البطنين لا غير، فكان جواب الوالد سلام الله عليه بأن هذا كله كذب وافتراءات وأكبر دليل على ذلك هو أن السيد حسين بدرالدين كان مشروع فكر وثقافة هدى للناس مقتطفة من القرآن الكريم وأنه لم يقبل المساومة على ذلك والإغراءات التي قدمت منكم له مقابل السكوت عن الشعار لا غير، وكان ثمن ذلك هو أن ضحى بنفسه وأسرته وأقاربه جميعا ما عدا من نجوا منهم وهم قليل، مخاطباً بهذا الكلام علي محسن فمن يريد الكرسي حسب قولك هو من يحب الحياة والبقاء ولن يضحي بنفسه وجميع أحبابه في هذه الحياة مقابل ذلك، أما قضية البطنين والخلافة فهي بيدك أنت وعلي عبدالله صالح وأنتما لستما من البطنين ولم ينازعكما عيلها أحد، وإنما قمتم بالحرب نيابة عن أمريكا وإسكاتاً للسان الحق.
في ذلك اللقاء رفض الوالد الإغراءات “راتباً وسيارة وبيتاً وكذلك أرضية” وظنوا أن ذلك سيؤثر على الولاء والوعي الذي كان بداخله {ولآكِنّهم لا يَفْقَهونْ}
وهنالك موقف له أيضا عندما تجمعت قبائل الرزامات ودخلوا منطقة نقعة بصعدة حيث كان يتواجد الشيخ / عبدالله بن عيضة الرزامي ..دخلت عليه قبائله طالبين منه التراجع عن القضية ومرسلين من رئيس الجمهورية، حينها كان الوالد موجوداً عند الشيخ / أبو يحيى الرزامي وبعد أن أكملوا كلامهم طلب الوالد الإذن من الشيخ/ أبو يحيى الرزامي في الجواب بدلاً عنه وتكلم معهم الكلام الكثير.. كان من ضمن ذلك الكلام “الله المستعان يا قبايل همدان ابن زيد أول من أثنى عليهم الإمام علي عليه السلام قائلا (لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ابن زيد ادخلوها بسلام ) ومن ناصروا رسول الله وأهل بيته على مدى التاريخ؟ واليوم تقفون مع الظالم ضد أهل البيت وعلمائهم الأجلاء فماذا ستقولون لرسول الله صلوات الله عليه وآله يوم المشهد؟ وبأي وجه ستواجهونه وقد أتى أبناء اليمن من الجوف وعمران وصنعاء ومعظم أنحاء اليمن لمناصرة السيد العلامة/ بدرالدين والوقوف إلى جانبه وانتم الأقرب والأولى بكم أن تكونوا السابقين إلى ذلك” فما كان من البعض منهم إلا إن أجابت عيناه بالدموع ألماً على موقفه من المؤمنين، وانصرفوا حينها مقتنعين، وكان لما تكلم به الوالد من منطق حق صداه فيهم وأثلج به صدور المؤمنين ورفع رؤوسهم وأولهم الشيخ/ أبو يحيى الرزامي حفظه الله الذي وجه شكره وتقديره للوالد في ذلك الموقف العظيم.
جريمة ثانية
بعد عملية المتون بيومين في 26 نوفمبر وتأكيدا لنزعة القاعدة أو من يقف خلفها لرفض الآخر وعدم القدرة على التعايش، وإعلاء صوت العنف في التعامل مع المختلف معهم نفذ التنظيم العملية التفجيرية الثانية التي استهدفت موكب الشيخ مبارك المشن شيخ قبيلة “جهم” الذي شكل رقما مهما من خلال تأييده للمسيرة والتشبث بشكل أكبر بمذهبه الزيدي.. حينها استهدفت سيارة مفخخة موكب المشن في قلب مدينة ضحيان فأصبحت الرسالة جلية لدى الشيخ المشن الذي أوضح أن عزيمته لم تنهر طالما أنه متمسك بالله وأن ذلك الاعتداء الذي نجا منه بفضل الله هو مثل سائر الاعتداءات التي تستهدف الأمة الإسلامية في العراق وأفغانستان بتدبير من المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، وأبدى استغرابه من أن ما تسمى بالقاعدة لا تستهدف إلا من هم متمسكون بالحق من المسلمين ولا تستهدف المسؤولين الذين تدعي معاداتهم، موضحا أن مبدأهم لا يؤيد سفك الدماء والغدر وكل ما تقوم به القاعدة من عدوان.. وقد أوضحت مصادر سياسية حينها أن تلك التفجيرات التي بدأت تستهدف المناصرين والمؤيدين للمسيرة يراد بها إشعال فتيل حرب طائفية بين أبناء اليمن لأن الحرب الطائفية إن اشتعلت بشكل طائفي واضح فلن تبقى محصورة على الجوف وصعدة بل ستعم أرجاء الوطن.
محاولات يائسة
نجل الشهيد علي هضبان قال في ذلك الوقت في سياق تصريحه إن التفجيرات التي حصلت في الجوف وصعدة تخدم أمريكا وإسرائيل، بالتدبير والتحريض لعملائهما بتنفيذ تلك العمليات، وبغض النظر عن المسميات سواء كانت قاعدة أو غيرها فإن الغرض من ذلك خلق صراع طائفي في محافظة الجوف، لكن أبناء الجوف كانوا واعين، حيث أن ذلك التفجير كان يستهدف والدي وحمود العزي بحكم أنهما كانا دائما يسعيان لحل الخلافات بين الناس وحقن دماء المسلمين، ولهذا تم الحقد على أبناء المنطقة المتمسكة بالإسلام.

إلى والدي الفاضل ومن معك: على دربكم سائرون

والدي الفاضل..

هذا قليل من بحر سيرتك الكريمة العظيمة، فاعذرني على اختصاري نبذة قصيرة منها مما استجلبته ذاكرتي في وقت الكتابة.
ولك من ولدك المشتاق إلى لقائك أنت ومن استشهد معك في يوم الولاية وجميع الشهداء.
كما في كل مرة أزور ثرى قبرك، عهد الوفاء لدمائكم الزكية الطاهرة، إنني على طريقك التي سلكتها ما دمت حياً، وسلام الله ورضوانه على روحك الطاهرة .

كما أننا في هذا اليوم العظيم وهذه الذكرى العظيمة نجدد العهد والولاء لله ولرسوله وللإمام علي ولسيدي العلم القائم عبدالملك بدر الدين الحوثي، ونبرأ إلى الله من أعدائهم.
ونسأل الله أن يثبتنا على طريق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حيينا.
ولدك يحيى حسين هضبان

قد يعجبك ايضا