مآسي الكُرة؟
أحمد يحيى الديلمي
على خلفية دورة كرة القدم الرابعة والعشرين لدول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى اليمن والعراق التي أقيمت في دولة الإمارات العربية المتحدة، سألت العم عبدالله ابن السابعة والسبعين عاما عن رأيه في الحدث والدور الهام الذي باتت تلعبه الرياضة في إذابة الجليد والتوترات السياسية بين الدول والشعوب كلما احتدمت وتحولت إلى متارس في النفوس توجب القطيعة.
أطلق ابتسامة باهتة ثم تأوه طويلاً وأجاب:-
الرياضة وسيلة هامة للصحة والتسلية إلى جانب كونها فناً وأخلاقاً ، إلا أن دخول السياسية بدهاليزها المفزعة أثر على هذه الغايات النبيلة وحوَّل التفاؤل والتفاعل إلى تشاؤم ورهبة، أنا عشقت الكرة من سن الطفولة، كانت الأمهات يتقنّ صناعة الكرات الصغيرة من قصاقص القماش لكي نوظفها في لعب مختلفة توارثناها عن الآباء، وعندما حصلنا على كرة بمواصفات حديثة في سن الشباب حدثت أول مأساة في حياتنا ، ونحن نلعب بفرح غامر في فناء المدرسة بالقرية اشتد إطلاق النار بين الملكيين والجمهوريين، التجمع غير المعهود ضاعف المخاوف والظنون لدى كل طرف فأمطرونا بوابل من الرصاص ، كانت النتيجة استشهاد حارس المرمى وجرح آخرين، الحادث عكَّر الأجواء وجعل الأعيان والعقال يقررون تحريم لعبة كرة القدم، نزل القرار على رؤوسنا نحن الشباب كالصاعقة تمنيت لو أنهم حرموني من الطعام والشراب أهون من القرار الجائر الذي استهدف كرة القدم ، خاصة أن إمام المسجد أيد الفرمان بموقف الدين بدعوى أن اللعبة تُلهي عن الصلاة وطلب العلم ، مع أن ما حدث كان العكس فلقد أجج النقمة على الدين، كنا ندخل المسجد مُكرهين خوفا من عقاب الآباء، كما ضعفت قدرتنا على التحصيل العلمي .
ومن المفارقات الغريبة أن التعقيدات زادت وانتقلت الفكرة إلى القرى المجاورة تمسكاً بمضمون الفتوى كانتصار للدين .
ويضيف العم عبدالله محسن: شكّل الموقف برمته أعظم كارثة في حياتي ، لم أفق من الصدمة إلا عندما انتقلت الى صنعاء وأصبحت عضوا في نادي الوحدة، ظلت العملية غاية في البساطة وفي نطاق الهواية الذاتية بما رافقها من انفاق على التدريب وحتى المشاركات الخارجية، كان هذا هو دأب جيل العمالقة الرواد كأنهم احتفظوا بقيم وبساطة كرة الخرق ونقلوها إلى إطار التنظيم الجديد إلا أن دخول السياسة بأفقها الضيِّق وما رافق العملية من استقطاب وتجييش حزبي تارة، ومناطقي تارة أخرى، ضاعف السلبيات.
أما حالة الاستخفاف والاستهتار فقد اكتملت عند الانتقال باللعبة من الهواية إلى الاحتراف وتحويل اللاعبين إلى سوق النخاسة، والدول الغنية في سباق محموم لشراء كل موهبة جديدة، مما تسبب في الانتقاص من هوية الانتماء للوطن، وإضعاف القيمة العليا والأهداف السامية للعبة بعد أن خضعت لمواصفات التجارة والتعاطي مع من يدفع أكثر … إلخ
ما يثير الاستهجان إلى حد التقزز أنه حدث شبه التفاف على المنظمات الدولية والقارية والإقليمية فأفرز مناخا عشوائيا خلط الأوراق والمسؤوليات ببعضها، وجعل الفساد والإفساد يعشعش في أروقة المنظمة الدولية ومكوناتها الإقليمية، أما التحولات الصادمة فقد حدثت أثناء انعقاد دورات كأس العالم كأهم حدث رياضي دولي ينتظره العالم بشغف، مع ذلك ترافقت الدورات الأخيرة مع كوارث بشعة وتحوَّل الحدث إلى تغطية على تلك الكوارث مثل اجتياح لبنان من قبل الكيان الصهيوني عام 1982م، وضرب مقاطعة الدولة الفلسطينية في اريحا، واجتياح العراق بعد ذلك إضافة إلى شواهد كثيرة تؤكد وجود تنسيق مسبق، أي أن العملية لم تكن خاضعة للصدفة المحضة، ولكنها كانت تستند إلى المعايير المزدوجة في التعامل، وبالتالي أفقدت العملية أهم غاياتها ممثلة في الشعار المعروف “الرياضة فن وذوق وأخلاق” وهذا ما جعلني انقطع عن الرياضة.
بالفعل كلام العم عبدالله في محلّه فلقد باتت السياسة تتحكم في الرياضة بشكل مُهين أقر الاستغلال المقيت والتوظيف البشع للفكرة.
أوردت الملاحظات السابقة لأنها جديرة بالاهتمام والدراسة علَّها تُعيد هذه الأنشطة إلى مسارها الطبيعي (فهل من مدّكر!!؟) والله من وراء القصد..