لم يَدُرْ بخلد الجموع التي تحركت لمؤازرة الثوار في صنعاء اغسطس 2014م ان تحركها سيفضي الى هز العالم بعد 6 سنوات
اليمن .. من الثورة الى الردع
> ما بين سبتمبر2014م وسبتمبر 2019م وطن الأنصار يولد من جديد
الثورة /ا إبراهيم الوادعي
بدت نيران اللهب وهي تشتعل من منشأتي النفط السعودي الأكبر في العالم في بقيق وخريص علامة استفهام للكثيرين في العالم، والذين سيجتهم وسائل الاعلام بكثير من الاسوار لمنعهم من الاطلالة على ما تقوم به المملكة السعودية أكبر مصدر للنفط في بلد فقير مجاور لها منذ خمس سنوات.
لا يمكن عزل نيران بقيق وخريص عن ثورة شعبية مهدت لأول مرة لبناء حقيقي للدولة اليمنية ومكنت الشعب الفقير او المفقر عمدا والغني بأصالته وحضارته من بناء قدرات تجاوز بها مرحلة الصمود الى الردع رغم كل القتل والحصار والمآسي، وتمكن أخيرا من هز العالم المتغاضي عن مأساته وهو يقتل منذ خمس سنوات بسلاح امريكي واياد سعودية ودول غنية متحالفة معها.
لم يدر بخلد العالم أو تلك الجموع التي تحركت في الـ 18 من أغسطس عام 2014م باتجاه العاصمة صنعاء لتعزيز الزخم الثوري ان تحركها لن يتوقف عند اسوار العاصمة وهز وإرعاب مراكز القرار الإقليمي بل سيتعدى بعد خمس سنوات إثر ذلك التحرك وتلك الاستجابة الفريدة من شعب لقائده الوطن والمطقة ليهز العالم بأسره بعد خمس سنوات أشعل فيها ألسنة اللهب ليس في منشآت النفط بالشرق الأوسط بل بلغ حرها اصقاع العالم، وهز اقتصاده من بورصة هونج كونج في اقصى الشرق الآسيوي وحتى بورصات الغرب.
مثلت ثورة الـ21 من سبتمبر صفحة ناصعة في التاريخ اليمني الحديث لجهة كونها ثورة يمنية خالصة في القرار والتمويل والاهداف النابعة الى تحرير قرار اليمن من الوصاية السعودية والأمريكية، وإعادة امجاد شعب ضارب بحضارته واصالته وبأسه في جذور التاريخ وبذلك شهد القرآن الكريم.
بين سبتمبر الثورة 2014م وسبتمبر الردع 2019م ثمة محطات انتقال وتحول ، وعتبات صمود وصبر ، ولبنات بناء وابداع ذاتي ، يلد معها اليمن الذي نرى ملامحه اليوم وبدأ العالم يتعرف اليه راغبا او مجبرا مع كل لتر من الوقود يحصل عليه.
قبيل سبتمبر 2014م وخلال المرحلة الثانية من التصعيد الثوري التي طوقت العاصمة صنعاء بجموع شعبية مساندة للثوار في داخل العاصمة خاضت القوى العميلة والانتهازية بتوجيه من الأمريكي والسعودي المحاولة الأخيرة لثني قيادة الثورة عن المضي بإحداث التغيير الجوهري في موقع اليمن الدائر في الفلك الأمريكي وإخراجه الى حيز مستقل فتوجه وفد حينها برئاسة عبدالكريم الارياني ليفاوض السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي على ما أظنه عرضا مغريا باقتسام الثروة ، والتخلي عن دعم الزخم الشعبي والثوار، رغم ان النظام حينها كان يتحدث عن افلاس وعدم قدرة على دفع رواتب الموظفين .
وفي الـ21 من سبتمبر 2014م انتصرت الثورة الشعبية وسقطت مراكز النفوذ الإقليمي المتعدد الاجنحة ، وشهدت العاصمة صنعاء ثورة بيضاء خالية من سفك الدماء ، بل مضى الثوار المنتصرون الى مصافحة الشركاء في الوطن ليعمل الجميع على بناء الدولة واسترجاع السيادة فيما عرف باتفاق السلم والشراكة ، الذي وقعته الأطراف اليمنية برعاية المبعوث الاممي حينذاك جمال بنعمر ، والذي علق بأنه وللمرة الأولى يجد منتصرا يذهب الى توقيع اتفاق عادل مع الطرف الذي يفترض بأنه مهزوم .
سقط في اعقاب ثورة 21 سبتمبر حكومة باسندوة المنبطحة بشكل مزر لقوى الداخل والخارج ، ووجدت السفارة الامريكية نفسها غير قادرة على التأثير في المحيط بالصورة التي كانت عليها حتى مع بقاء الرئيس الخائن على سدة الحكم ، فأوعزت الى باقي سفارات الدول بمغادرة صنعاء الثائرة وهو ما كان ، حيث شهد اليمن هجرة دبلوماسية بهدف الضغط على الثوار ومحاولة جلبهم الى بئر العمالة ، وبالتزامن مع ذلك عملت السعودية على الحيلولة امام تنفيذ اتفاق السلم والشراكة عبر عملائها الذين وفر لهم اتفاق السلم والشراكة البقاء .
بعد 6 اشهر فقط من قيام الثورة ، وفيما كانت لاتزال غارقة في مخلفات النظام السابق ، وتواجه التعثر في اصلاح مؤسسات الرئاسة والحكومة ، أعلنت السعودية من البيت الأبيض عن اطلاق الحرب على اليمن وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ، وسريعا ما أيدت تلك الحرب المفاجئة أطراف سياسية داخلية وقعت على اتفاق السلم والشراكة وفي المقدمة حزب الإصلاح ، واطراف أخرى اكتفت بالتأييد السري رغم لبوسها لباس الوطنية ، رغم ان جميعها خاض مفاوضات ناجحة تحت رعاية اممية في صنعاء وكان من المقرر أن يلد بعد ساعات من بداية الهجوم الجوي اتفاق سياسي توصلت اليه جميع القوى السياسية اليمنية يعيد صياغة وإصلاح المؤسستين الرئاسية والحكومية ويؤسس لمرحلة انتقالية تفضي الى انتخابات حرة ونزيهة.
أعلن الناطق باسم تحالف عاصفة العزم بعد ساعات من بداية الهجوم الجوي على العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية اللواء عسيري ان التحالف سيطر على الأجواء اليمنية وان الغارات لن تتوقف حتى إعادة الرئيس المستقيل عبدربه ونظامه الفاسد بالقوة الى السلطة بعد أن كان فر الى عدن ومنها الى السعودية .
كانت موازين القوة عند اندلاع العدان على اليمن تميل بشكل كبير جدا لصالح ما سمي التحالف العربي ، وتدفقت الى الدول المباشرة للعدوان صنوف الأسلحة الدقيقة والجديدة وافضل العقول العسكرية الغربية لإدارة العمليات القتالية التي تركزت في عامها الأول على القصف المكثف لكل البنى التحتية في اليمن ، كما منحت السعودية صكا دوليا لشن الحرب وتغاضى المجتمع الدلي والمنظمات الدولية علن جرائم الحرب بحق المدنيين.
أطل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في اول خطاب له بعد ساعات من اعلان الحرب على اليمن من البيت الأبيض، عارضا على النظام السعودي وقف الحرب والحصار ، وداعيا الشعب اليمني الى الصمود ، واكد حينها ان العدوان سيكون مصيره الفشل وان هزيمة اليمن واستعباد اليمنيين من جديد غير واردة بالمطلق ، خطاب رسم في حينها خطوط الانتصار والمواجهة.
في مواجهة كل ذلك التحالف الغني بالأسلحة والمال والتكنولوجيا العسكرية المتطورة ، كان الثوار قد ورثوا دولة مدمرة ذات مقدرات صفرية اقتصاديا وعسكريا ، بل شكلت عبئا في المواجهة ، فالجيش مفكك ومنقسم على نفسه بفعل عمليات الاستهداف الممنهج او الهيكلة التي أشرف عليها الامريكيون قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م ، والدولة اليمنية تعتمد في الحياة على الاستيراد من الموانئ التي حوصرت .
بعد شهر من الحرب اعلن الناطق باسم تحالف العدوان من الرياض انتهاء ما سماها عاصفة الحزم ، معللا ذلك بأنها حققت أهدافها وقضت على الصواريخ ومخازن الأسلحة الاستراتيجية أو ما تبقى منها للجيش اليمني ، واعلن في ذات المؤتمر اطلاق المرحلة الثانية المسماة عملية إعادة الامل ، والتي لم تختلف كثيرا عن عاصفة الحزم فاستمرت مئات الطائرات في قصف الأراضي اليمنية وارتكاب المذابح بحق المدنيين اليمنيين ، ولم تستثن افراحهم او مآتم الاحزان .
وفي الداخل اليمني كانت خطابات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي تشيد اساسات الصمود المرتكز على استثمار ما هو متوافر محليا لمواجهة العدوان والحصار ، واستغلال العقول النيرة لبناء قدرات للمواجهة، وكان يعلم ان المواجهة ستطول حتما وهو اطلق مصلح المواجهة وان طالت الى يوم القيامة ، إذ لم يكن هذا المصطلح اعتباطيا أو تعبويا بل واقعا أظهرت سني الحرب وتطور قدرات الدفاع انه شكل منهاج عمل يقوم على طول النفس لبناء قدرات عسكرية تستطيع اختراق منظومات التسليح الاجنبية لدى السعودية والامارات لتضربهما في وقت لاحق ، وتجبر الطرف الآخر على وقف الحرب تحت تأثير الألم .
ولم يكن السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي او أي من قادة الثورة الشعبية يؤملون مطلقا في المسار التفاوضي او الضغط السياسي لتوقف السعودية عدوانها .
وبالتوازي مع الحرب العسكرية دفع الحصار والحرب الاقتصادية ملايين اليمنيين الى المجاعة ، ومن لم يمت بالقصف مات بفعل الحصار والجوع وانقطاع الرواتب وانقطاع الادوية المنقذة للحياة .
في يوليو من العام 2015م تمكن تحالف العدوان من السيطرة على عدن ، ومناطق أخرى في الجنوب اليمني ، ورغم ذلك فالشرعية التي تدثر التحالف باسمها لشن الحرب لم تعد الى عدن وظل رئيسها الخائن لوطنه هادي مقيما في الرياض ، بينما تقطعت مراحل تواجد حكومته في عدن وتعددت الصراعات في المدينة التي أعلنت عاصمة مؤقتة ، وانحصرت سيطرة حكومة الخونة على قصر المعاشيق وسط تنامي سيطرة إماراتية واضحة على الأرض ، قبل ان يطيح بها التحالف بعد خمس سنوات وتفقد موطىء قدم لها على الأرض اليمنية .
مع بداية العام 2016م استكمل تحالف العدوان في شرورة انشاء اول كتائب عسكرية للمرتزقة اليمنيين المحسوبين على حزب الإصلاح ، وكانت مهمة هذه الكتائب من المرتزقة هي فتح الحرب البرية على نطاق واسع ، وصلت اليوم الى ما يزيد عن خمسين جبهة على امتداد الجغرافيا اليمنية.
وفي العام 2017م شرعت الامارات بتكوين قوات موالية لها من المرتزقة الجنوبيين التابعين لها تحت مسمى الحزام الأمني وألوية العمالقة ، وكلا التنظيمين العسكريين ضما مجموعات تنتمي للقاعدة وداعش وفق تحقيقات استقصائية أجرتها ” بي بي سي” ووكالات دولية غربية ، وفتحت هذه التنظيمات والتشكيلات العسكرية جبهات خاصة بها لقتال حكومة الثورة في صنعاء ، وأهداف أخرى تتجلى اليوم في الاقتتال الذي تشهده اجنحة المرتزقة فيما بينها..
كما شرعت السعودية في نهاية العام2018م ومع استنزافها على الحدود في إنشاء ألوية من المرتزقة تابعة بشكل مباشر لها للدفاع عن حدودها ، يضافون الى عشرات الآلاف المرتزقة الذين جرى استجلابهم من السودان وأصقاع العالم ، والشركات الأمنية كشركة بلاك ووتر التي استجلبتها الامارات قبل أن تجر أذيال الخيبة.
اتسمت الأعوام بين 2016 و2018 م باتخاذ قيادة الثورة والحكومة في صنعاء استراتيجية الدفاع والصمود في وجه تحالف العدوان ومرتزقته، واحتواء توسع المعارك والجبهات المفتوحة على امتداد الجغرافيا اليمنية ، وعدم تمكين التحالف من حسم أي من تلك الجبهات ، كما استهدفت العمق السعودي بصواريخ معدلة كرسائل بأن اليمنيين ماضون في الدفاع عن وطنهم حتى الانتصار.
وبالتوازي مع استراتيجية الدفاع والصمود في كلا الميدانين العسكري والشعبي ، شهدت الأعوام من 2016م وحتى 2018م عمليات بناء ترسانة أسلحة متنوعة وفي المقدمة بناء أسلحة الردع ، فنشطت دائرة التصنيع العسكري لدى الجيش واللجان لصنع مختلف صنوف الأسلحة ، وأعلن الرئيس الشهيد صالح الصماد مطلع العام 2018م أن الجيش بات يصنع جميع أسلحته التي تحتاج إليها الجبهات محليا ودون الحاجة لاستيرادها من الخارج حيث يفرض العدوان حصارا خانقا ، وفي مجال الأسلحة النوعية ظهرت أجيال من الصواريخ محلية الصنع كزلزال 1، 2 وصواريخ صمود وثاقب ، ومن الصواريخ الباليستية : صواريخ زلزال3 ، وقاهر وأجيال صواريخ بدر الذكية والمتشظية ،وحديثا اعلن عن صاروخ قاصم المتشظي وصاروخ قدس الجوال الذي استهدف مطار ابها جنوب المملكة.
في يونيو من العام 2015م وبعد فترة وجيزة من اعلان الناطق باسم تحالف عاصفة الحزم عن تحييد ما سماها الترسانة الصاروخية لليمنيين سقط اول صاروخ يمني على قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط، وفي سبتمبر من ذات العام قتل ما يزيد عن خمسين جنديا اماراتيا باستهداف معسكرهم في صافر كما استهدف صاروخ مماثل قاعدة للتحالف قرب باب المندب وادى الى مقتل قيادات كبيرة للتحالف بينها قيادات من جنسيات إسرائيلية واجنبية ، وفي نوفمبر من العام 2017م قصف الجيش اليمني قصر اليمامة بصاروخ بركانH2، وتتالت الضربات الصاروخية للعاصمة الرياض وفي يونيو من العام 2018م جرى قصف قصر الحكم السعودي المعروف بقصر اليمامة .
وبالتزامن مع بناء ترسانة صاروخية معدلة عن نماذج روسية وكورية كصواريخ بركان أو أخرى جديدة ومحلية كأجيال صواريخ بدر وقاصم ، التي تمكنت من اختراق منظومات الدفاع الامريكية المتعدة وجرى جلبها الى السعودية والامارات تباعا ، عملت قيادة الثورة على اجتراح مجال عسكري جديد وهو صناعة الطيران المسير ، وكان بداية بغرض توفير معلومات ميدانية للجبهات والقادة العسكريين كطائرات هدد وراصد قبل أن يعمل على تطوير وتنفيذ عمليات كبيرة .
سلاح الطيران المسيَّر اليمني ذو البصمة الردارية المنخفضة للغاية والبعيد المدى يعلن اليوم عن ولادة جيل خامس من الحروب يدشنه اليمنيون وهو الطيران المسيَّر الذي يحوِّل منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة الى خردة يمر بجوارها ليصل الى هدف دون أن يتم اعتراضه .
ولقد حققت أجيال عدة من الطائرات المسيَّرة اليمنية كأجيال قاصف وصماد وأخرى ذات رؤوس انشطارية -لم يكشف عن اسمها – سمعة عالمية لنوعية الاهداف التي جرى اختيارها لضربها بهذا السلاح ، الذي يتحول اليوم الى سلاح رادع وفاتح لجيل جديد من الحروب يسمح للدول المستضعفة بمقارعة الدول الكبرى وتحويل أنظمتها العسكرية المتطورة الى قطع حديد عمياء .
ما بين خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في الساعات الأولى للعدوان والذي رسم فيه 5 خطوط للمواجهة والصمود العسكري والشعبي وبناء القدرات للمواجهة التي لن تكون سهلة -كما قال السيد حفظه الله – وخطابه حول اعلان دخول الحرب مرحلة الردع اليمني في الـ 14 من أغسطس عقب قصف حقل الشيبة ، والذي تضمن التأكيد على بلوغ القدرات اليمنية مرحلة متقدمة لتحقيق الردع ، يظهر ان ارتفاع ألسنة اللهب من أرامكو في بقيق وخريص لم يكن وليد ساعته وانما نتاج استراتيجية بناء وعمل من الصمود الشعبي والعسكري وبناء للقدرات العسكرية استهزأت به دول العدوان وتجاهله العالم الذي يكتوي اليوم بنتائج سكوته على جرائم الحرب بحق اليمنيين وعدم تعاطيه بجدية مع دعوات القيادة اليمنية ومناشدتها لوقف العدوان والحصار .
اشتعال ألسنة اللهب في منشآت النفط بالشرق الأوسط لن تتوقف وهي علامة على أن العالم تأخر كثيراً ليكون له جميل إيقاف العدوان على اليمن ، ومن الآن فإن أي جهود دولية لوقف العدوان لا يمكن ان يراها اليمنيون إلا من باب محاولة انقاذ الاقتصاد العالمي الذي لن يكون نفطه والعالم على أبواب فصل الشتاء اغلى من دماء اليمنيين .
وبمناسبة الاحتفالات بالعيد الخامس لثورة الـ21 من سبتمبر.. مبارك لليمنيين يمنهم المستقل القوي ، وهنيئا لهم صبرهم وصمودهم واقتراب نصرهم ، وقدوم العالم جاثيا يخطب ود يمن قوي ومستقل ، يطلب الصفح من ثورة تأمروا عليها طمعا بالمال وتركوا صنعاء املا برضى القوى المهزومة اليوم في البر والبحر .