إعداد/ علي بن محمد الفران
يمكن القول إن نظام الوقف الذي عرفه المجتمع الإسلامي منذ فجر الإسلام كان أحد الابتكارات المؤسسية التي جسدت الشعور الفردي بالمسؤولية الجماعية ونقلته من المستوى الخاص إلى المستوى العام بملء الإرادة الحرة؛ وقد جعل الإسلام نظام التكافل الاجتماعي مبدأ أساسياً في هذا الدين الحنيف وطريق يتسابق إليه كل من أراد التقرب إلى الله ونيل رضوانه ، ومن هنا كان للوقف دور مميز وإسهامات فاعلة في المجالات التعليمية والصحية والخيرية والاقتصادية عموماً، وكانت روافده المتعددة تصب في نهر الحضارة الإسلامية لتجعله أكثر صفاء وحيوية وخصوبة، ويمكن استعراض الدور الاقتصادي والاجتماعي للوقف بإيجاز فيما يلي:
1- المسجد والتنمية:
كانت المساجد في اليمن –ولاتزال- تتولى تعليم المواطنين مبادئ القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم لطلابها، كما كانت تفقههم وتثقفهم بثقافة واسعة في علوم القرآن ، والحديث، وأصول الفقه، والتوحيد، والتفسير، والسيرة ، واللغة ،والفلك والحساب والمنطق وغيرها، وكانت تتكفل بإسكان عدد من الطلاب ورعايتهم مجاناً أثناء سنوات الدراسة، وكانت تتولى عناية خاصة لتعليم نسبة من الأيتام.
كما كان المسجد وسيلة إعلام سياسي ، فقد أتاح فرصة الخطاب السياسي الجماهيري المباشر، كما تولت منابر المساجد رسالة التصدي لقول الحق ورفض الظلم، والدعوة إلى الإصلاح وتنمية الأخلاق والقيم وغير ذلك من المهام التي كانت تغطي معظم احتياجات المجتمع.
2- الوقف في المجال الصحي:
تعد الخدمات الصحية مجالاً مهماً من مجالات التنمية الاجتماعية، لذلك فقد اهتم الكثير من الولاة والخيرين بالجانب الصحي وأنشئوا المشافي وأوقفوا الأوقاف العديدة من الأراضي، والمباني، وغيرها ؛لإنفاق ريعها لمعالجة المرضى، والمعاقين والمجانين، وقد تصل الأوقاف الصحية إلى درجة التخصص مثل أوقاف الجذمان، ووقف ذوي العاهات، ووقف ضربة الشمس، ووقف زيارة المرضى وغيرها.
3- دور الوقف في مجال النقل والمواصلات:
يعتبر قطاع النقل والمواصلات من القطاعات الأساسية لأي مجتمع من المجتمعات، فهو يمثل الشرايين الحيوية التي تربط بين أفراده، وتنقل عبرها مجمل المؤثرات والاستجابات الناجمة عن حركته في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
لذلك فقد عملت الأوقاف على تهيئة الطرق الآمنة، وتوفير أماكن خاصة يتوقف فيها المسافرون، وتحط بهما القوافل للاستراحة، التي أنشأها الواقفون وسيروا المياه فيها.
وعلى امتداد تلك الطرق كانت تبنى أماكن الاستراحة يطلق عليها (الخانات) أو (الرباطات) وكان عليها أوقاف كثيرة وصدقات وتبرعات تأتي إليها من أماكن مختلفة، كما حظيت هذه الخانات بشكل آخر من العناية والاهتمام، وذلك عن طريق تهيئة ما يحتاجه المسافر من طعام وشراب له ولراحلته.
وكانت توضع على الطرق صباب الماء لتوفير وتهيئة مياه الشرب للمسافرين هذه بالإضافة إلى تقديم الخدمات البريدية من خلال شبكة المواصلات، وتأسيس وتسيير منارات السفن وإرشادها ، وإنشاء دكات الموانئ.
4- الوقف والتكافل الاجتماعي:
إن الإسلام جعل نظام التكافل الاجتماعي مبدئاً سامياً في هذا الدين الحنيف، وطريقاً يتسابق إليه كل من أراد التقرب إلى الله، ونيل رضوانه.
وقد أقبل اليمنيون على وقف أموالهم وعقاراتهم وممتلكاتهم الزراعية؛ لتنفق مداخيلها في وجوه البر والإحسان، ويستفيد من منفعتها ذوو الحاجات، وتسهم في تنمية المجتمع تنمية دائمة وشاملة.
وقد تفنن الواقفون في التنويع والتخصيص، فمن الفقراء المستورين، إلى أصحاب العوائل ممن كثرت عياله وقل رزقه، إلى الأيتام، إلى الأرامل الفقيرات، إلى الخدم والصبية الصغار، إلى المسجونين وأهليهم، إلى المرضى، إلى فقراء طلبة العلم، إلى فقراء الغرباء عن البلد، إلى كبار العاجزين، إلى أهل الخلاوي والزوايا من الفقراء المتفرغين للعبادة ، إلى الشباب والصبايا الفقراء إلى غير ذلك.
ثم امتدت الأوقاف إلى رعاية البيئة والحيوان، فوجدت أوقاف لصيانة النزع والغيول، وأوقاف حمام مكة ، وأنشئت أوقاف لإطعام الطيور، وأوقاف القطط، وأوقاف للحيوانات الأهلية الهرمة أو المريضة.
5- الوقف في مجال المياه:
نظراً لشحة المياه في معظم مناطق اليمن، فإنه أصبح توفير الماء وتسبيله وتسهيل الحصول عليه، من أكبر وجوه البر والطاعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى طمعاً في الحصول على الأجر.
لذلك عمل العديد من المحسنين عبر العصور على إقامة الكثير من المنشئات المائية المختلفة لتوفير المياه وتسبيلها ووقفها، ومنها: حفر الآبار الملحقة بالمساجد والجوامع وفي الساحات العامة والتجمعات السكانية والطرقات وما يتبعها من أحواض ومواجل وأجور القائمين عليها، وكذلك الأسبلة للإنسان أو للحيوان، جوار المساجد والأحياء والتجمعات السكانية والطرقات العامة وما تتطلبه من أدوات الاستخدام، مثل : آنية الشرب، والطسوت ، والاسطال، والأباريق، والقلال وغريها ، وكذلك الغيول (المياه الجارية على وجه الأرض) ويتم جر الغيول من المنبع إلى المصب وما يتطلب ذلك من أجور القائمين عليها وصيانتها، وكذا إنشاء الصهاريج (الكريف) التي تعمل لتجميع مياه الأمطار وحفظها والاستفادة منها، وكذا إنشاء السدود والبرك والحواجز وغيرها.
6- الوقف وحماية البيئة:
للأوقاف مساهمة فاعلة في حماية البيئة والمحافظة عليها من خلال العديد من الوسائل، منها:
أ- المساجد والجوامع، وما يتوفر فيها من مياه جارية لمرتاديها للوضوء والاغتسال والتطهر، إضافة إلى دور المساجد في تهذيب أخلاق الإنسان وحثه على النظافة، وإماطة الأذى عن الطريق، وعدم تلويث المياه، والنهي عن أي تصرف يضر بالبيئة.
ب- إنشاء الحمامات العامة الموقوفة بجوار المساجد وأماكن التجمعات والأسواق التي يستخدمها الناس لقضاء الحاجة (المماشي).
ت- إنشاء الحمامات البخارية المنتشرة في العديد من المدن اليمنية.
ث- إنشاء المتنفسات في المدن الرئيسية والمعروفة بالمقشامة التي تخصص للزراعة بجوار المساجد وتسقى بمياه المساجد المستعملة.
ج- إنشاء المسالخ وأسواق اللحوم والخضروات والأسماك التابعة للأوقاف في العديد من المدن والتجمعات السكانية.
ح- زراعة الأشجار الخراجية والأشجار المثمرة والغلال بمختلف أنواعها في أراضي الأوقاف الشائعة المنتشرة في مختلف أنحاء اليمن.
7- الوقف والزراعة والثروة الحيوانية:
إن الزراعة وعبر المراحل التأريخية شكلت عمود الحياة الاقتصادية في اليمن.
وللوقف دور مهم في المجال الزراعي، فهنالك المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية والأراضي المشجرة وبساتين النخيل والآبار والسدود والكرفان والغيول وغيرها، والموقوفة على المساجد والجوامع والزوايا والأربطة والمحاسن وعلى أوجه البر المختلفة، وتعتبر أراضي الأوقاف من أخصب الأراضي وذات إنتاجية عالية.
وتقدر المساحة الإجمالية لأراضي الأوقاف الزراعية في اليمن بحوالي 30% من إجمالي مساحة أراضي الجمهورية اليمنية الصالحة للزراعة. وتساهم أراضي الأوقاف الزراعية بإنتاج العديد من المحاصيل الزراعية التي تجود زراعتها في اليمن مثل : محاصل الحبوب، والخضار، والفاكهة بمختلف أنواعها، والاحتثاب، والرياحين، والعقاقير الطبية وغيرها.
وكان للوقف دور كبير في الحفاظ على الثروة الحيوانية وزيادتها من خلال الأراضي الخصبة والشاسعة الموقوفة كمراعي لهذه المواشي.
8- الوقف والإسكان:
كان للوقف عبر العصور – ولازال- مساهمة فاعلة في توفير السكن لشريحة كبيرة من المجتمع، وذلك من خلال الأربطة والتكايا والزوايا ودور الأيتام والعجزة والمعاقين، والمنازل الموقوفة الملحقة بالمساجد والمدارس، والسماسر والخانات والاستراحات والدواوين الموقوفة المخصصة لسكن الغرباء والمسافرين، وكذا العمارات السكنية والمنازل والبيوت الموقوفة المنتشرة في مختلف مناطق اليمن والمؤجرة بإيجارات زهيدة، هذا بالإضافة إلى المدن السكنية والمباني والعمارات التي تقوم المؤسسة الوقفية بإنشائها في مختلف مدن اليمن ، إضافة إلى العديد من الفنادق ومجمعات الفلل السياحية.
وهناك مساحات شاسعة من أراضي الأوقاف في أنحاء اليمن المؤجرة لشريحة كبيرة من السكان بمختلف فئاتهم بإيجارات زهيدة لإنشاء ساكن لهم عليها ، إضافة إلى المساحات الكبيرة من أراضي الأوقاف التي تخصص كمرافق وخدمات للتجمعات السكانية.
هذا بالإضافة إلى مساهمة الأوقاف في توفير مواد البناء مثل الآجر المنتج في محاريق الأوقاف، والطين ، والاحتشاب، وغيرها وذلك بأسعار منافسة.
9- الوقف والصناعة:
اعتنى الإنسان اليمني بالصناعة ؛ لاحتياجه إلى ذلك ، ولخصب بلاده التي تنتج المواد الخام المختلفة اللازمة للصناعة، واعتمد على نفسه في الإنتاج المحلي، فسد حاجته حتى حصل على الاستكفاء الذاتي، وفاضت خيراته على من حوله، وراحت هذه الصناعات في الجزيرة العربية.
وكان للوقف مساهمات فاعلة في مجال الصناعة من خلال إنشاء المجمعات الصناعية الحرفية والأسواق المتخصصة لإنتاج وتسويق العديد من المنتجات في مختلف مناطق اليمن مثل : أسواق المحدادة، وأسواق النحاس، وأسواق المنجارة، وأسواق الدباغة، والنساجين ، وصناعة السلال والتطريز، والصباغة ، وصناعة السروج، وأسواق المعطارة والعقاقير الطبية والمواد الغذائية والحلويات والمشروبات، وأسواق المخلاص، ومعاصر الزيوت وغير ذلك، إضافة إلى المساهمة في إنتاج وتوفير الكثير من المواد الخام اللازمة للصناعة من منتجات أراضي الأوقاف الزراعية.
10- دور الوقف في مجال التجارة وضبط الأسعار:
كان للوقف دور واضح في دعم حركة التجارة (سواء الداخلية أو الخارجية) ورواجها وازدهارها وتبادل السلع، وضبط الأسعار واستقرارها وذلك من خلال المساهمة في تعبيد الطرقات وإنشاء الجسور والقناطر لربط المدن والمناطق بعضها ببعض، وبناء السماسر (الخانات) والاستراحات في طرق السفر ومحطاته بين المدن وعلى مسافات متقاربة ليلجأ إليها المسافرون للراحة، وتمويل الناس والدواب بالطعام والشراب، وكانت الأراضي المجاورة لها وقفاً على هذه الطرقات، وكان هنالك الكثير من الأعيان الموقوفة التي يصرف ريعها على صيانة وعمارة الطرق والاستراحات، وحراسة الطرق، وتهيئة الطعام والشراب للمسافرين ودوابهم مجاناً، وقد أدى ذلك إلى تسهيل حركة الناس والدواب والقوافل ونقل البضائع وتشجيع حركة التجارة.
كما ساهمت الأوقاف في إنشاء دكات الموانئ وإقامة وتسيير منارات السفن وإرشادها مما أدى إلى تسهيل النقل البحري.
هذا بالإضافة إلى انتشار الأسواق والسماسر والمحلات التجارية المملوكة للأوقاف في المدن والقرى وأماكن التجمعات السكانية وتأجيرها بإيجارات منخفضة وبالتالي تخفيض أسعار السلع والخدمات في تلك الأسواق.
كما وفرت الأوقاف ساحات واسعة كأسواق أسبوعية في المدن والقرى لتسهيل عملية عرض وبيع وشراء السلع والمنتجات بشكل عام خاصة المنتجات الزراعية، ووفرت الأوقاف وحدات الوزن والكيل في تلك الأسواق.
وقد قامت وزارة الأوقاف مؤخراً بإنشاء العديد من المراكز والأسواق والمكاتب التجارية التي انتشرت في مختلف المناطق اليمنية، بالإضافة إلى الأسواق الشعبية التابعة للأوقاف.
كما ساهمت الأوقاف في إنتاج الكثير من المواد الغذائية مثل الحبوب ومشتقاتها، والبقول الجافة ، والخضروات، والألبان ومشتقاتها، والزيوت، والدهون ، والفواكه وغيرها وتوفيرها بكميات كبيرة من منتجات أراضي الأوقاف الشاسعة والخصبة مما ساعد على زيادة العرض وبالتالي الحد من زيادة أو ارتفاع الأسعار.
ومن ضمن إنتاج أراضي الأوقاف الزراعية، القطن والبن ، وتعتبر هذه السلع من السلع النقدية القابلة للتصدير إلى الخارج.
11- دور الوقف في محاربة البطالة:
تعني البطالة تعطل العمال عن العمل، وتمثل ظاهرة البطالة مشكلة خطيرة تؤرق منام الأفراد، والحكومات ، وتأخذ أبعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية مهمة جداً.
وقد كان للوقف دور كبير في محاربة هذا الداء، وساهم ولا يزال بدور واضح وفعال في محاربة البطالة؛ فقد قام الوقف عبر العصور بدور مؤثر في تعليم أفراد المجتمع وتنمية مهاراتهم، وزيادة قدراتهم وبما يؤهلهم ليشغل الكثير من المهن التي تناسب قدراتهم، وقام الوقف بتشغيل أعداد كبيرة من أفراد المجتمع في مؤسسات الوقف المختلفة مثل: المساجد، والجوامع ، والمدارس، والمبرات والمحاسن الأخرى في وظائف متعددة مثل: الخطيب، الإمام، المؤذن، القيم، المعلم، المعيد، ، المرشد وغيرهم، إضافة إلى الأعمال المساعدة الأخرى، وتشغيل العديد من الموظفين ف الأعمال الإدارية المختلفة في دوائر الأوقاف ومنها: الناظر ، والمساعد، والمحاسب، والكاتب، والفني ، والمتحصل ، وككيل الوقف وعمل الصيانة والمهندس وغيرهم، وكذا تشغل العديد من العمالة في استثمارات الأوقاف العقارية من معماريين ومهندسين وعمال بناء وغيرهم كما عمل الوقف على توفير الكثير من فرص العمل في كثير من المجالات أهمها زراعة أراضي الأوقاف الواسعة المنتشرة في كل أرجاء اليمن وما يتعلق بذلك من أنشطة.
12- دور الوقف في الحفاظ على الأصول الثابتة وتراكم رأس المال:
إن الإسلام ينظر إلى الأصول الثابتة المنتجة نظرة مميزة، ويحث على الاحتفاظ بها وتنميتها لما في ذلك من فوائد للتنمية، وقد ورد في هذا بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، منها ما روي عن سعيد بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من باع داراً أو عقاراً فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمناً (جديراً) أن لا يبارك له فيه”.
وروى الإمام أحمد عن سعيد بن زيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يبارك الله في ثمن أرض أو دار لا يجعل في أرض أو دار).
فهذه الأحاديث النبوية الشريفة ، تدعو إلى الاحتفاظ بالأصول الثابتة، وعدم التفريط فيها بالبيع ، اللهم إلا إذا كان بيعها وسيلة لشراء سواها من الأصول ومادام الوقف يقوم على أساس حبس الأصل، وتزكية الثمرة فإنه يسهم بذلك في التنمية الاقتصادية إسهاماً كبيراً، حيث تبقى الأصول الثابتة المنتجة مع رعايتها وصيانتها وتعميرها، وتوليد عوائد منها تغطي النفقات الجارية للمؤسسات الخيرية التي حبست عليها.
وبالإضافة إلى هذا يحمي الوقف المنشئات ، والمؤسسات التي حبس عليها من أن تتعطل أو تهدر، لأن العائد المتجدد من الأصول الثابتة يكفي لهذه المنشئات والمؤسسات الاستمرارية في أداء رسالتها دون توقف قد يطرأ ، كما أن فكرة الوقف نفسها وما يدعمها من الحث على الصدقات الجارية تعمل على تراكم رأس المال الإنتاجي المخصص للأعمال الخيرية في المجتمع، (والعمل على زيادة الأصول الثابتة) على سبيل التأبيد يمتنع بيعه واستهلاك قيمته، ويمنع تعطيله عن الاستغلال.
13- دور الوقف في إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية:
كان للوقف دور فعال في منع تركيز الثروات في يد فئات محددة، بل ساهم في تحويلها إلى مختلف الأجيال عن طريق توزيع المنافع على الموقوف عليهم ، وترك الأصول الرأسمالية أكبر فترة ممكنة لتدر عائد على مختلف فئات المجتمع، وبذا منعت الأوقاف تركز الثروات الطائلة في يد فئات بسيطة ، بل يتم تحويلها ليستفيد منها أكبر فئات المجتمع، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ساهم الوقف في توزيع الدخول على مختلف الفئات الموقوفة عليهم سواء كانوا عاملين لدى الأوقاف أو فقراء أو مساكين وأرامل أو طلاب علم.. إلخ، والتي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق قدر كبير من عدالة التوزيع للثروات والدخول.
14- دور الأوقاف في زيادة الإنتاج:
يعد الإنتاج من العوامل الملائمة والداعمة للحركة التنموية والتقليل من الضغط على الدولة في دعم الميزانيات من العملة الصعبة والتي ترهق كاهل الدولة نتيجة للاعتماد على الاستيراد بالعملة الصعبة، وقد ساهم الوقف بزيادة الإنتاج عن طريق استثماراته المختلفة سواء كانت إنتاجاً فكرياً أو زراعياً أو تجارياً أوصناعياً، وهذا الإنتاج كان له دور في زيادة المعروض من السلع والخدمات وبخاصة مع زيادة حجم المساحات الزراعية التي تمتلكها الأوقاف وتزرعها بمختلف المزروعات والمحاصيل وتقوم ببيعها في الأسواق، بالإضافة إلى الاستثمار الصناعي والعقاري والتجاري وغيره، وهذا كان له دور كبير في زيادة الإنتاج في المجتمع.
15- دور الوقف في زيادة الدخول:
كما سبق القول بأن الأوقاف ساهمت في زيادة معدلات التشغيل والإنتاج، وبطبيعة الحال فإنها بصفة غير مباشرة ساهمت في زيادة الدخول إما للمنتجين أو المستثمرين أو العاملين في قطاعات الأوقاف المختلفة ، سواء العاملين في الوقف بصفة دائمة أو مؤقتة ويعني ذلك أن الوقف ساهم في زيادة دخولها أو إدراجها ضمن الفئات ذات الدخول والتي كانت لا دخول لها.
كما ساهم الوقف في منح الفئات الفقيرة دخولاً لم تكن تحصل عليها لولا منح الوقف، ومن ذلك : الموقوف عليهم بمختلف شرائحهم، وكذا طلاب العلم والمدرسون..إلخ. فهذه الفئات حصلت على دخول جديدة أو زيادة دخولهم، وهذا بطبيعة الحال أدى بصفة غير مباشرة في زيادة الإنتاج لأن أغلب دخول هذه الفئات ستحول إلى الإنفاق الاستهلاكي والذي بدوره سيشكل طلباً جديداً على هذه السلع والخدمات مما يدفع المنتجين إلى الاستثمار فيها.
16- دور الوقف في التنمية البشرية:
كان للوقف دور واضح وفعال في الاهتمام بأبرز جانب من جوانب التنمية وهو العامل البشري الذي يعد ركيزة التنمية ووسيلتها بل وغايتها، وذلك من خلال دعم التنمية البشرية بمختلف مكوناتها سواء من ناحية التكافل والضمان الاجتماعي، ومحاربة الفقر، وتوفير سبل العيش الرغيد لمختلف فئات المجتمع على السواء دون تفريق، أو من ناحية توفير الجو العلمي لتعلم وتأهيل مختلف فئات وشرائح المجتمع، وذلك من خلال توفير أماكن الدراسة والتحصيل ومنها المساجد والمدارس والكتاتيب التي أصبحت من أهم مكونات الأوقاف والتي درس فيها فطاحلة العلماء على حساب الأوقاف، بجانب الاهتمام بالتعليم كان للوقف دور هام في توفير الرعاية الملائمة لتنمية الكادر البشري سواء تفوير المسكن أو المشرب أو النفقة المالية، فقد تم وقف المكتبات الكبيرة التي تحتوي على مختلف العلوم والفنون لخدمة الباحثين والدارسين وتنمية أفكارهم وقدراتهم والتي ألحق بالمدارس وكذا تم توفير الرعاية الصحية لمختلف الدارسين.
17- مساهمة الوقف في الإنفاق العام:
كان للوقف دور واضح وفعال في توفير النفقات العامة التي تتكبدها الدولة في الوقت الحاضر، وقد تلجأ إلى الاقتراض لتغطية هذه النفقات ومنها نفقات الضمان الاجتماعي والتعليم والصحة والتي قدمها الوقف مجاناً دون أي مقابل من الدولة، وبالنظر إلى ميزانية الدولة نجد أن نفقات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية تشكل جزءاً كبيراً من الاعتمادات المالية، أما الأوقاف فقد تولتها على مستوى عال من الجودة والكفاءة.
ومن خلال ما سبق يتبين أن الوقف يمثل أساس الحضارة الإسلامية.