وفاء الكبسي
أطفالنا ليسوا كغيرهم من الأطفال، لأنهم بين التعب والمعاناة، والحصار والجوع والألم، مأساة إنسانية وكارثية يعاني منها أطفالنا، فهذا العدوان يذبحهم من الوريد إلى الوريد، ويسرق أحلامهم وطفولتهم منهم، حتى صار طريقاً يقودهم إلى الألم والخوف والمرض والموت ، أطفالنا أكثر الضحايا تضرراً من هذا العدوان الأمريكي السعودي، فهناك قصص مروعة عن معاناة أطفال أغتيلت براءتهم وتهدمت بيوتهم ومدارسهم وقتلوا أهاليهم وتقطعت أجزاء من أجسادهم وتناثرت، فمن بين هذه القصص المروعة والإنتهاكات الوحشية بحق أطفال اليمن عدة قصص يُندى لها جبين الإنسانية ، حتى أن حبات الرمال المخضبة بدمائهم تبكيهم وتقول لهم الآن لاخوف ولاجوع ولا ألم ياصغيري.
فلن ننسى قصة بثينة عين الإنسانية التي فقدت أهلها وبيتها وكيف خطفها العدوان ولكنها عادت لتعري هذا العدوان والعالم وتفضحهم، أما الطفلة أمل حسين فكانت لها قصة ومعاناة مع الجوع حتى ماتت ومات معها ضمير العالم وإنسانيته..
هناك عدة قصص مؤلمة ولكن لاسبيل لحصرها في مقال، فهذا العدوان الجبان أصبح يهدد حياة الملايين من أطفال اليمن سواء باستهدافهم مباشرة بالطائرات أو بانتشار الأمراض والأوبئة خاصة مرض الكوليرا وسوء التغذية ؛ جِراء القصف الجوي المتواصل والحصار المفروض على البلاد، للأسف في اليمن أطفال بعمر الزهور فقدوا أطرافهم، وما بين عشية وضحاها سُرقت منهم الإبتسامة والفرح المسكون بالأمنيات الصغيرة، وتحولوا إلى عصافير فُقدت أجنحتها ولم تعد قادرة على التحليق، وورود فُقدت سيقانها وانتزعت جذورها وحُرمت من ملامسة الأرض، بالفعل يعيش أطفالنا حياة مأساوية ناهيكم عن الآثار النفسية والجسدية الخطيرة التي لازمتهم مُنذ الولادة، فهناك مئات الآلاف من حالات الولادة لأطفال مشوهين، كما أخذت الآثار أشكالاً متعددة ودرجات مختلفة من الشدة حسب قول الاخصائيين، فتلك الآثار تبدأ بالخوف والإحساس بالاحباط والقلق، واشكال أخرى من الأمراض العصبية ، وقد يُصاب الطفل بخلل في الوظائف العقلية كالذاكرة وضعف التركيز أو الادراك، وتظهر هذه الآثار في عدة صور أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الفزع الليلي والإصابة بحالة “الفوبيا” كالخوف من الأصوات والظلام، وكذلك الإنتكاسة في بعض المهارات فيظهر التبول ألا إرادي، إلى جانب ظهور الإضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر، وظهور مشكلات في الكلام كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام وحدوث إضطرابات في الأكل وغيرها من الأعراض النفسية، كما أن أطفالنا يعانون المُرّ والعلقم حين ينزحون مع عائلاتهم داخل الوطن بإعداد مهولة، ومع فصل الشتاء وبرودة المناخ باتوا عرضة للكثير من الأمراض والأوبئة خاصة وأنهم يعيشون ظروفاً صعبة في مناطق النزوح إلى جانب عدم توفر أدنى وسائل الحياة الأساسية مما جعل المجتمع الدولي ومؤسساته الكبرى أمام مسؤوليات إنسانية وأخلاقية إزاء معاناة الشعب اليمني، وعلى وجه التحديد معاناة أطفالنا التي مزقت أرواحنا المتعبة فهم يدفعون براءتهم وطفولتهم ثمناً غالياً لما ترتكبه قوى الشر والظلام ، فأي عار تصفه الحروف والكلمات أن يموت طفل يمني كل عشر دقائق ضحية المرض والجوع، والعالم يصمّ آذانه ويغمض أعينّه عن كل هذا!
لقد بات أطفالنا فريسة ووقوداً لآلة الدمار والخراب السعودية الأمريكية حتى نثرت دماءهم وأشلاءهم على رمال وطنهم الباكي الحزين على كل قطرة دم تُراق بدمٍ بارد، لتفضح هذا العالم المنافق الذي مات كل مافيه من رحمة وضمير وإنسانية، وتُعري كذب وزيف إدعاءاتهم بالإنسانية وحقوق الإنسان والطفل فأين تلك الحقوق من أطفالنا في اليمن؟
عجزت حروفي وكلماتي عن وصف معاناة الأطفال فى اليمن فمعاناتهم أكبر وأعظم من أن تسردها الحروف والكلمات، ولكن عزاءنا الوحيد بأن أطفالنا صاروا كباراً فرُغم صغر سنهم ومعاناتهم وأحزانهم ، ولكنهم أصبحوا أكثر واعياً من غيرهم من أطفال العالم، فقد تشربوا حُب هذا الوطن، ورفضوا الظلم والقهر والذل والهوان، وتحملوا كل معاناتهم وآلامهم من أجل الحرية والعزة والكرامة، فالموت والعار لهذا العدوان الجبان، ولا نامت أعين الجبناء .