أمريكا خططت.. روسيا باركت.. السعودية مولت.. العملاء في الداخل نفذوا
أحمد يحيى الديلمي
\بعد أن اقتنعت السعودية بعدم جدوى الرهان على تأليب الشارع اليمني ضد الرئيس الحمدي لأن الحاضنة الشعبية كانت صلبة قوية تدين بالولاء والتأييد المطلق للرئيس الحمدي وهو ما دفع نظام آل سعود إلى شراء عدد من العملاء والمرتزقة ودفعهم إلى القيام بأعمال إجرامية بقصد خلخلة الأمن والاستقرار، وارتفع معدل قطاع الطرقات وزيادة معاناة المواطنين وعندما لم تجد هذه الأساليب ولم تؤثر على الحاضنة الشعبية وضعت خطة أُخرى أكثر فاعلية قامت على اتجاهين :
• الاتجاه الأول محلي .. استطاعت السعودية في هذا الجانب استقطاب الغشمي واعتباره رجلها الأول وإعطاءه الأموال الكفيلة بقوة تأثيره على المستويين السياسي والعسكري وشراء المشائخ بالمال لاستقطابهم إلى صفه مما ضاعف أهميته وتحول إلى مركز قوة مواز للرئيس الحمدي في ضوء هذه الخطة بدأت لعبة القط والفأر بين الاثنين ، كان الحمدي يصدر قراراً بتعيين قائد للوحدة العسكرية والغشمي يبادر إلى تعيين أشخاص تابعين له في المناصب التي تلي القائد وباعتباره نائبا للقائد العام ورئيسا لهيئة الأركان المسؤول المباشر على الجيش ، كان يتعامل مع الصف الثاني المُعين من قبله ويهمل القائد بما رافق العملية من بذخ في صرف الأموال المنظورة وغير المنظورة على شكل حوالات من الخزينة العسكرية او الأموال الأخرى التي تغدق بها السعودية عليه ، ومن خلال الغشمي بالتنسيق مع صالح الهديان الملحق العسكري بالسفارة السعودية تم اختراق الحلقة المحيطة بالرئيس الحمدي .
المال مصدر التلوث
للمال بريق خاص يجعل النفوس تتهاوى وتتلوث الأرواح لتنقاد بسهولة إلى مجاهل الخيانة والعمالة والانقياد السلبي لمن يملك المال وان اقتضى الأمر التخلي عن الثوابت الوطنية بوتيرة متسارعة فتتهاوى الهامات وتتساقط الإرادات لتقبل بالهزيمة وان كانت مثخنة بذنوب التفريط بالوطن والتخلي عن قيم المواطنة والانتماء الصادق للوطن ، هذا بالضبط ما حدث في فترة إعداد الخطة المحكمة للخلاص من الرئيس الشهيد المرحوم إبراهيم الحمدي ، قوة حضوره في نفوس اليمنيين ظل مبعث القلق لدى قوى التآمر الداخلية والخارجية ، مما دفع الجميع إلى الاعتماد على المال والإنفاق بسخاء لشراء الضمائر بحيث وصلت المساومات إلى أضيق الحلقات المحيطة بالرئيس الحمدي بقصد استدراج اكبر عدد إلى مربع التآمر .
بواعث استقالة دهمش
كما يعرف الكثيرون كان الأستاذ احمد قاسم دهمش من ابرز رجالات حركة 13 يونيو وصديقاً خاصاً للرئيس الحمدي ولهذا كان لرسالته التي ضمنها استقالته وقع خاص اعتبرها البعض طعنة قوية سددت إلى ظهر الرئيس وقد تشعبت الروايات في تفسير التحول المفاجئ من دهمش ، إلا أن ما قيل دار في نطاق التخمينات والقراءة المغلوطة لمجريات الأحداث إلى حد أن البعض اعتبرها رصاصة الرحمة ، لذلك اكتفت قوى التآمر بالرسالة وتم توزيعها بشكل لافت بحيث وصلت نسخ منها إلى السفارة السعودية قبل وصولها إلى الرئيس الحمدي لأن قوى التآمر اعتبرت الأمر انتصاراً ذاتياً وأرادت ان تثبت للسعودية انها بلغت مشارف النهاية لتنفيذ خطة الاغتيال ، لكن الأستاذ دهمش سرعان ما اسقط هذه التقولات عندما غادر العاصمة وذهب إلى مسقط رأسه في اسناف خولان.
مما دفع صحفياً يمتلك صحيفة تمولها السعودية إلى القدح في الأستاذ دهمش واتهامه بالتخاذل وكان على خلاف مع الأستاذ دهمش فأسرف في الكلام للتقرب من الرئيس الحمدي لكنه لم يفلح مع انه اخذ الصحيفة ولحق بالرئيس إلى الحديدة ، ولكنه عنفه وهكذا أخذت الكثير من التفسيرات في الصحف والمقايل آفاقاً انتهازية نفعية بالذات التي كانت تترجم رغبات اطراف التآمر .
ومن المهم هنا إيضاح الحقيقة فالأستاذ دهمش لم يتخل عن صديقه ولم يتنكر للمبادئ التي آمن بها لكنه كتب الرسالة خوفا على الرجل لأنه رأى تحركات مشبوهة وذهب إلى الحمدي بدليل قاطع على وجود طرف يبذخ المال ليضمن تشويه صورة الرئيس وإبعاد الناس عنه واخبره بأن عملية المساومة والبيع والشراء وصلت إلى اقرب الناس إليه ، كما ان المساومة وصلت إلى حد ان عرض عليه شيك باسمه بمبلغ خمسة ملايين دولار إلا انه فوجئ ان رد فعل الحمدي سلبي وانه على علم بأن الغشمي يغدق على الناس بالمال بشكل جنوني ومبالغ خيالية وهذا هو ما حدث بالفعل وكان اغلب الناس على علم به ولقد سمعت المرحوم الأستاذ احمد يحيى العماد يستدل بالموقف للتأكيد على دور المال في تغيير الثوابت فيقول ” ما قتل الغشمي الحمدي إلا بالمال ” المهم ان الأستاذ احمد دهمش استفزه تعاطي الرئيس الحمدي فذهب إلى منزله في حي الجامعة فكتب الرسالة وبعثها ثم غادر الى مسقط رأسه قبل ان يحدث المحذور ويصبح شريكاً في الجريمة أو يتعرض للتصفية الجسدية كما حدث للكثيرين .
لتفسير الموقف السلبي للحمدي قال احد المسؤولين الموضوع لا يخرج عن أحد امرين:
الأول / أن قوة حضور الغشمي كانت قد وصلت إلى حد أنه مركز تأثير وفاعلية استعصى على الحمدي الخلاص منه .
الثاني / أن ثقة الحمدي بالغشمي كانت كبيرة ولم يتوقع أن يأتي التآمر من قبله .
وأنا أرجح التفسير الأول لأن الدعم المالي السعودي الكبير للغشمي حوله إلى قوة وازنة واستطاع بالمال ضمان التفاف المشائخ والعسكريين حوله وكانوا كُثراً بالذات من كان الحمدي قد أقصاهم في سبيل استكمال محاربة الفساد ، وهنا معلومة لابد من التطرق إليها تتعلق بالصحف وهي كما يلي :
• تمويل الصحف
مع ان المعلومة اعتراضية بعيدة عن سياق الموضوع إلا انه لا بد من توضيحها لأنها كانت مثار جدل بيني وبين عدد من الزملاء فقد ابتكر الأستاذ محمد الدمياطي المحلق الإعلامي مني ومدير وكالة الأنباء السعودية في صنعاء أسلوبا غير منظور جعل دعم السعودية يصل إلى معظم الصحف الاهلية بمجرد صدور أول عدد من الصحيفة يقوم الدمياطي باستدعاء رئيس التحرير ويوقع معه عقد اشتراك سنوي اقلها خمسمائة وأحياناً يتجاوز العقد العدد الكلي الذي تصدر منه الصحيفة وبهذا يحصل صاحب الامتياز على دعم شبه مشروع بينما لا يسلم عدد واحد ، لا أقول هذا الكلام جزافا لكنه عين الحقيقة فالدمياطي عرض علي إصدار صحيفة وأوضح لي أسلوب الحصول على الدعم لكني رفضت حتى العمل معه في الملحقية لأنه في الأساس رجل مخابرات ويعمل في مكتب اليمن الذي يرأسه الأمير سلطان أثناء وجوده في صنعاء والذي استمر أكثر من عقد من الزمن كان يقوم بمهام كبيرة واغلبها مشبوهة كان منها الإسهام في بلورة خطة اغتيال الرئيس الحمدي .
نعود إلى سياق الموضوع تبعاً لإفادة أكثر من شخص كانت تربطهم بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي علاقة ودية أكدوا ان موقف الأستاذ دهمش أثر كثيراً عليه وبدأ مأزوماً وأجمعت كل المؤشرات على انه عاش حالات إحباط ويأس مريرة انعكست على تصرفاته وردود أفعاله كانت في اغلبها ارتجالية توحي للمتابع ان ثقته بالآخرين اهتزت إلى حد انه كان يصدر توجيهات الإقصاء والتعيين في الوظيفة بالتلفون كما روى لي المرحوم الأستاذ احمد ناصر الرعيني انه على خلفية التقرير الذي أرسله المرحوم والشاعر الكبير الأستاذ إسماعيل محمد الوريث إلى إذاعة لندن الـ(بي بي سي) تطرق فيه إلى تزايد التضخم وخطورته على مستقبل الاقتصاد اليمني, لم يكتف بإصدار الأوامر إلى رئيس الأمن السياسي باعتقال إسماعيل الوريث لكنه في نفس الليلة اتصل بالأستاذ الرعيني نائب وزير الإعلام في تلك الفترة وعنفه بشدة قال الأستاذ الرعيني لم يعطني فرصة للتوضيح والتأكيد على أننا كوزارة إعلام لا نمارس أي رقابة على مراسلي وسائل الإعلام الخارجية ، إلا عندما تحدث ظروف استثنائية وتقتضي ذلك لم يمكني من الكلام ، ختم بقوله: لا داعي للتبرير اجلس في البيت ، بعدها عين الأخ حسن اللوزي نائبا لوزير الإعلام واسند مهمة الأشراف على الوزارة والمؤسسات التابعة لها إلى الأستاذ احمد قاسم دهمش مع احتفاظه بحقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والشباب التي تعين فيها بعد إعفائه من منصب الأمين العام للجنة العليا للتصحيح وتعيين المرحوم الأستاذ حسين المقدمي بدلاً عنه والذي كان وزيراً للتربية والتعليم وتعيين المرحوم الدكتور عبدالكريم الارياني بدلاً عنه ، في ذات السياق سمعت من اللواء منصور عبدالجليل قصة مماثلة .
كان في تلك الفترة قائداً للشرطة العسكرية بلغ الرئيس الحمدي ان اللواء المرحوم/احمد الرحومي عاد من القاهرة وانه خلال وجوده في القاهرة حضر اجتماعاً ضم عدداً من المعارضين وفق التقرير الذي ارسله حسن السحولي ، الذي كان يعمل سكرتيراً أول في السفارة ، لكنه بعد مهمة التجسس وإرسال التقارير عن اليمنيين الموجودين في القاهرة رقي إلى درجة سفير ، وأصبح سفيراً لليمن في جمهورية مصر العربية ، وكان قد رسخ صلته بالحمدي في مواقف سابقة حينما زار الحمدي القاهرة على رأس وفد كبير ضم حينه الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر – رئيس مجلس الشورى في حينه ، وطلب الحمدي من السادات أن ينصح الشيخ الأحمر وبقية المشائخ ، فقال السادات ( يا شيخ عبدالله ويا شيخ سنان أنتم لعبتم دوراً كبيراً في الثورة مشكورين والآن جاء دور الشباب أتركوا للحمدي فرصة كي يعمل على الارتقاء بالأوضاع في اليمن ) وهذا سبب الأزمة بين الشيخين وحسن السحولي ، لأنهم أتهموه بالتجسس عليهم ، المهم أن الحمدي لم يكتف بإعفاء الرحومي من المنصب الذي كان يشغله كرئيس لمجلس إدارة الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية واستبداله بالمهندس احمد يحيى الكبسي لكنه استدعى منصور عبدالجليل وأمره بإلقاء القبض على احمد الرحومي باعتباره عسكرياً ، والشرطة العسكرية مسؤولة عن كل العسكريين ، قال اللواء منصور الخبر افزعني لكني في الأساس جندي ملزم بتنفيذ أوامر القائد العام ، عندما ذهبت إلى اللواء الرحومي توخيت أقصى درجات الحرص مراعاة لمكانة الرجل ودوره البارز إلى جانب ما اتصف به من تواضع ونزاهة لم ابلغه أني حضرت لاعتقاله ، أشعرته بالدعوة للمقيل عندي إلا انه بذكائه وفطنته استشعر السبب الحقيقي لحضوري قام بإحضار ملابسه ورافقني بهدوء تام وقد استشعر الرئيس الحمدي بخطأ ما اقدم عليه ، بالذات ان مقر قيادة الشرطة العسكرية تحول إلى مزار للجميع حضروا لزيارة الرحومي والاطمئنان عليه وكان الغشمي أكثر المتعاطفين مع الرحومي لا لمكانته وأدواره لكن لأنه من وادي ظهر والغشمي من ضلاع وكلاهما يعودان الى همدان .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ..