غزوة بدر الكبرى يوم الفرقان

عبد الصمد الخولاني

في هذه الظروف كلها نتذكر جميعا حدثا عظيما وغزوة من الغزوات الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي غزوة بدر الكبرى وكان تاريخها بالضبط يوم الجمعة 17 من رمضان سنة 2هجرية.
خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، ولم يكن في نيتهم الدخول في حرب مع قريش وإنما كان الهدف هو التعرض لقوافلهم التجارية، لكن أبا سفيان قائد تلك القوافل فطن بذلك وشعر بالخطر فأرسل إلى مكة مستنجدا أو مستصرخا، وبالفعل خرجت مكة بمن فيها من الرجال والنساء وما فيها من العدة والعتاد لقتال المسلمين حفاظا على ماء الوجه والهبة الموروثة عبر الزمان، ولم يكن من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمام هذا الوضع إلا أن استشار أصحابه في الحرب فكان رد الجميع هو الإجماع على القتال، وبالفعل التقى الجمعان في معركة غير متكافئة عددا وعدة :
– معركة بين قريش المتكبرة والمتغطرسة، ، وبين دولة الاسلام الحديثة التي لم يمض على إنشائها سوى سنتين.
– معركة بين قريش بألف مقاتل وبين المسلمين بثلاثمائة رجل وبضعة أفراد.
– معركة بين زعماء مكة أهل التفاخر والكبرياء وأهل البطش والجبروت وبين قلة من المسلمين في المدينة وصفهم الله بأنهم أذلة فقال عز من قائل ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)، إلا أنه مع هذا التفوق القريشي من جميع النواحي فقد وقعت المعجزة وانتصر المسلمون وانهزم أهل الشرك هزيمة نكراء كسرت إيديولوجية التفوق الأبدي الذي كانت تعيش عليه قريش منذ زمان، وأفاق العالم مع هذا النصر المبين للمسلمين على واقع آخر ظهر بالجزيرة العربية، وعلى أمة أخرى بدأت تتكون وتنمو وفق منهج جديد جاء للعالم أجمع بقيادة رجل عظيم اسمه محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذا هو الإطار التاريخي لهذه الغزوة العظيمة، وهذه هي ظروفها باختصار. والذي يهمنا نحن في هذا الزمان زمن التكالب على الوطن ، وزمن المؤامرات والعمالة , وزمن التبعية العمياء للغرب وعلى وجه الخصوص أمريكا وإسرائيل , هو البحث عن أسرار هذا الفتح المبين الذي نقل المسلمين وهم أذلة كما وصفهم القرآن؛ إلى قمة المجد والانتصار، وحول أنظار العالم كله إليهم وإلى هذا القائد العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلى هذا الدين الجديد، دين الإسلام، دين البشرية كلها.
بدر : دروس وعبر
لا ينبغي لغزوة مثل بدر أن تمر على المسلمين مرور الكرام، ودون الوقوف عندها وقفة تأمل كبيرة، فغزوة بدر محطة كبيرة في حياة الإسلام وفي مسيرة المسلمين بل إنها الحدث الذي غير مجرى التاريخ كله، ومنح للمسلمين فرصة الانطلاقة القوية للدعوة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي، وسهل عليهم أمر فرض الذات بالقوة وسط جحيم من الفتن والقلاقل، ومكنهم من تحويل أنظار العالم إليهم كقوة يحسب لها ألف حساب.
عظات وعبر من الغزوة
1-في غزوة بدر نجد سنة من سنن الله في الكون وهي أن الله سبحانه وتعالى يعطي دائما الفرصة للجهد البشري في صنع القرار، وهذا أمر ملحوظ في قصص الأنبياء السابقين، فمثلا يأمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام فيقول (واضرب بعصاك البحر) فهذا جهد وعمل أمر به موسى مع أن الله تعالى قادر على أن يفتح البحر دون حركة موسى والأمر مثله يوجهه إلى مريم عليها السلام عند مخاضها؛ فيقول الله تعالى لها (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)؛ فالله سبحانه وتعالى قادر على إطعام هذه المسكينة التي خرجت من مخاض عسير وتعيش ظروفا نفسية عظيمة، لكن حكمة الله تعالى اقتضت أن تعطي دائما الفرصة للجهد البشري، والأمثلة كثيرة في قصص القرآن.
وفي غزوة بدر، كان بإمكان الله تعالى أن ينصر نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وان ينصر المسلمين دون حرب ودون هذه الفتن، لكن حكمة الله أوجبت هذا الاحتكاك وهذا التدافع واقتضته سنة الصراع بين الخير والشر، ثم يأتي النصر من عند الله لنصرة أوليائه الصالحين.
2-الحذر من عاقبة الظلم واتقاء مصير الظالمين :
3-إن غزوة بدر قد وقعت في رمضان شهر الصوم والصبر، وهذا تنبيه لنا جميعا؛ إن هذا الشهر العظيم هو شهر النشاط والعمل الجاد والمتواصل وفرصة الجهاد المستمر وشهر الانتصارات، بعكس ما يعتقده البعض في هذا الزمان انه شهر الخمول والجوع والعطش، وشهر قتل الوقت في كل ما لا ينفع في انتظار آذان المغرب لقضاء الليل في كل ما يضر من المأكولات المختلفة وفي كل ما يشغل عن قيام الليل من مسلسلات وغيرها .
4- في غزوة بدر اثبات لحياة البرزخ وعذاب القبر ويتجلى هذا في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جيف مشركي مكة يخاطبهم بقوله: “هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا”، ولو لم يكن هؤلاء يسمعون ما خاطبهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك دليل قوي على وجود حياة البرزخ بعد الموت وثبوت عذاب القبر ونعيمه وما يتبع ذلك من بعث ونشور.