علي الذرحاني –
بمناسبة قدوم أو حلول الذكرى الثالثة والعشرون للتوقيع على اتفاقية الوحدة عام 1990م بالتزامن هذا العام والذي قبله بسنوات مع قيام فصائل جنوبية مطالبة بالأنفصال أو فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية أو الاستقلال بمناسبة قدوم هذان الحدثان يتساءل البعض هل هناك إشارات قرآنية لقضية الوحدة والانفصال تمنح كل طرف من الطرفين الآنف ذكرهما قاعدة شرعية أو تأصيل شرعي لقضيته بحكم القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة المطهرة من أهم مراجع ومصادر أي بلد عربي مسلم وحجية القرآن والسنة قوية ومعتمدة لدى كل مسلم وموحد لله الواحد القاهار وبهذا المناسبة أيضاٍ وكما يقولون فإن الشيء بالشيء يذكر فقد أهداني أحد جيراني الأعزاء العدد »33« من مجلة »حراء« التركية وهي مجلة علمية فكرية ثقافية تصدر كل شهرين من اسنطبول نوفمبر – ديسمبر 2012م ومكثت أقلب صفحاتها وأقرأ مقالاتها الشيقة والممتعة والنافعة والمفيدة ولفت انتباهي مقال في نهاية صفحات المجلة يحمل عنوان »نحو تأصيل الفقه الهاروني في قضية الوحدة« للذكتور محمد إقبال عروي وهو أستاذ التعليم العالي بالمغرب قد ركز ذلك الكاتب في مقاله الآنف الذكر على أهمية قراءة القصص القرآني قراءة مغايرة لما هو متعارف عليه في خطاب علماء ومفسري القرآن قديماٍ وحديثاٍ بأن القصص القرآني وارداٍ من أجل العظة والاعتبار بينما يهدي التأمل في طبيعة القصص القرآني وعلاقتها بسياقاتها القريبة والبعيدة داخل السورة وداخل المنظومة الفكرية والحضارية للقرآن الكريم إلى التشريع وتقدم أحكام تفيد في صياغة كليات القوانين والتشريعات التي تهدي حياة الناس و المجتمعات في علاقاتها الفردية والجماعية وينصح الكاتب بإعادة النظر في مفاهيم مثل استنباط الأحكام وآيات الأحكام وأساليب التشريع من قصص القرآن الكريم وألا ينحصر استنباط الأحكام من آيات التشريع فقط المحددة بالأوامر والنواهي.
وأن هناك كثيراٍ من الأحكام الكلية يمكن استنباطها من القصص القرآني مرتبطة بأمهات القضايا السياسية والدولية ودار مقال الكاتب على نموذج من القصص القرآني وهي قصة النبي والرسول هارون عليه السلام مع آسباط وقبائل بني إسرائيل تلك القصة تقدم مبادئ في التشريع العام للأمة يتمثل في اعتبار التوحيد والوحدة معادلة يتعين رعايتهما وصيانتهما ومن ثم فإن أمر رعاية الوحدة لا يقل وجوباٍ وأهمية عن مبدأ ر عاية التوحيد الذي قامت عليه السموات والأرض: قال هارون عليه السلام: »إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي«…………. إن إيمان هارون عليه السلام بقيمة وحدة قبائل بني إسرائيل لا تقل خطورة وأهمية عن عقيدة التوحيد إذكلاهما معتبر وواجب مع إنكاره ظاهرة الإشراك بالله من قبل بني إسرائيل حين قاموا بعبادة العجل في غياب موسى عليه السلام فقد كان هارون عليه السلام معلق بين معادلة الحرص على توحيد الله جل وعلا بين الحرص على وحدة بني إسرائيل وعلى وحدة الأمة بأكملها في آية أخرى قال الله عز وجل فيها: »وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون« وهي آية واضحة وجلية في ربطها بين توحيد الكلمة وكلمة التوحيد بدلاٍ من المراوحة والتعلق بواقع الفرقة والمذهبية والطائفية والحزبية والقبلية والجهوية والمناطقية وتنازعها بل والعنصرية البغيضة التي تعمل على ذهاب ريح الأمة وتؤدي إلى فشلها وضعفها وتنازعها والعودة بها إلى زمن التربص والمناورات والتجسس والحروب والصراعات كالذين طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم من أسلافنا وأجدادنا القداما الذين كانوا بعيدين عن الإيمان بوحدة الصف والكلمة وإصلاح ذات البين وبعيدين عن الإيمان بعقيدة التوحيد أيضاٍ ولا يؤمنون بالتعاون والتكافل والتعاضد الذي يشبه البنيان المرصوص إن دعوة الرسل دعوة وحدة بالدرجة الأولى والصبر على كوارث الشرك والانحرافات العقدية تدريجياٍ ومما يعطي للفقه الهاروني في مسألة الوحدة بعدها الاستراتيجي أن حركة الأمة في خط تناقضي مع حركة تاريخ الأمم فنحن نشهد يومياٍ انتشاراٍ لثقافة الوحدة وقيمها ومصالحها في الدول الغربية مما أوصلهم إلى تكتلات سياسية واقتصادية وحضارية قوية بينما تزداد الأمة العربية والإسلامية تمزقاٍ وفرقة وخلافاٍ ينذر بتفريخ دويلات هنا وهناك والخطاب اليوم خطاب فرقة وخلاف وتبادل اتهامات وتهميش أصوات الوحدة والتآلف والتقارب وقلما نجد من يرفع شعار الوحدة والاعتصام بل هناك من يرفع شعار »تفرقوا ترزقوا وخالف تعرف تكن لك هوية وخصوصية إن الفقه الهاروني جعل من الوحدة مطلباٍ شرعياٍ وضرورة حضارية وجعل من ثقافة الإسلام ثقافة توحيد ووحدة سواء بسواء لولا أخطاء الأنظمة والساسة التي فرقت ومزقت وخلطت الأوراق فالعيب فيهم. وليس في مبدأ الوحدة والاتحاد الذي نادى به الخطاب القرآني والتشريع الإسلامي.