لــم أكــن أتمنى رؤيتك

صقر الصنيدي –

هناك قصة يحب دائما مشجعو العمل الجماعي إيرادها وهي أن طالبا في الثالثة عشرة من عمرة أصيب بالسرطان وتساقط شعر رأسه فكر زملاؤه بطريقة يخففون بها عن ألمه, وصباح اليوم التالي كان جميع زملائه في الصف الدراسي حالقين رؤوسهم كما لو كانت رأسا واحدة, ويمكن تخيل كيف كان شعور الطالب المريض وقد أصبح جزءا من الكل وتضامن الآخرون معه بشكل لم يكن يتوقعه إلا حين رآه .
مطلع الأسبوع دخل قاعة البرلمان النائب أحمد سيف حاشد وقد كبل نفسه بالسلاسل والأغلال في منظر يبعث على الأسى أكثر منه على التعاطف مع القضية التي يحملها, صحيح أن الصدمات تكون مهمة أحيانا للفت الانتباه نحو أمر ما لكن يفترض بها أن ترتبط بالموضوع فالسلاسل تكبل الأشكال الفنية والإنسانية للتعبير عن قمع للحرية والمطلب الذي يرفعه حاشد لا صلة له بالحرية¡ فالجنود الذين دخلوا في اشتباك معه واعتدوا عليه في طريقهم إلى النيابة والقضاء سيقول كلمته وسينالون جزاءهم, وزملاؤه النواب شكلوا لجنة لمتابعة الأمر وفي ظني أن القضية أخذت جل الاهتمام وهي ليست بالأمر الهين لكنها تأتي بين مئات وآلاف القضايا التي يهدر فيها كرامة المواطن وحياة الجندي والبلد محاصر بالمخاطر كما لو كان سابحا ضد التيار العاتي .
لقد أحس النواب بالحسرة على زميلهم ليس لأنه لم يحصل على الإنصاف ولكن لأنه لم يكن موفقا في اختيار طريقة التعبير واستخدم مقالا في غير المقام .
شخصيا حين رأيته شعرت بالحزن عليه حيث اختار أدوات القمع للتعبير عن نفسه, هذه الصورة ستكون أكثر وقعا لو أنها في بلد لا يشاهد أبناؤه كل يوم كارثة أمامهم وتحيط بهم الورود والمناظر والمواقف والسياسات الناجحة والآمال العريضة أما بقعة من الأرض يتفجر فيها كل شيء بفعل الإنسان وتسحق الحياة بأيد◌ُ مجهولة وأهداف قديمة فلا ينقص التعبير عن السخط بما يتماشى مع الواقع بل المفترض مع ما يناقضه.
إننا نجهل كيف نحتج بل أصبحنا نبتكر أساليب وطرق مخيفة, شاب يحرق نفسه آخر يتجرع السم ثالثا يتفجر مع مجموعة من الأبرياء نائبا يقيد نفسه بالسلاسل طالبا الثأر لذاته¡ أليست في مخيلاتنا أساليب وطرق أفضل وأقل فضاعة وأكثر ملامسة لجمال الروح ولقداسة البدن الذي لا نمتلكه حتى نعذبه حسب أهوائنا.
ولدينا مثل قريب – ما هي أكثر الصور العالقة في أذهاننا خلال العامين الأخيرين طبعا لن تكون صورة الموت المتطاير بل صورة تلك الطفلة التي تهدي وردة لجندي يشهر السلاح في وجهها ولحظة احتضان أم لابنها المصاب لقد نالت الجائزة ليس لأنها تظهر عمق الجراح بل لأنها تنقل مشاعر الأم واحتضانها لصغيرها الشاب لحظة خوفها من فراقه , أما الصور والأساليب القاسية فالعقل يتولى ويكرر محاولة مسحها كي يعيش .

قد يعجبك ايضا