المكافآت داخلك
جمال أنعم
جمال أنعم –
لا أسوأ من أن تغدو الوظيفة مجرد أداء آلي رتيب ومرهق نقوم به قسرا بداعي الضرورة دونما حب أو رضى أو رغبة واستمتاع نحضر لنوقع في كشف الدوام وأرواحنا في غياب تام ودائم نهدر الكثير من طاقاتنا الخلاقة والمبدعة في إجترار الأسى والسخط ونقوم بمهامنا بفتور ولامبالاة ونعطي فقط مانراه مكافئا لما نعطاه من قليل الرتبة والراتب لنعترف أن لدينا مشكلة أجور حقيقية ومزمنة وأن نظام الأجور في بلادنا عموما قد يكون في مستواه الأدنى مقارنة بغيرنا من الدول وأن لهذا التدني آثاره المحبطة والمثبطة للعزم والمدمرة للروح.
انخفاض الأجور بصورة تجافي العدل والعقل والواقع أسهم في إحداث اختلالات فادحة وظيفية وقيمية وسلوكية وعلى امتداد عقود تعرضت الإدارة في بلادنا للتقويض وتحولت الوظيفة العامة بخاصة في ظل الاستئثار الحزبي إلى أداة إخضاع وابتزاز وسلب للحرية وحق الاختيار وكانت التراتبية الأجر عوامل ضغط في كثير من الأحيان أكثر من كونه حقوقا مقررة بقوة القانون وأنظمة العمل.
إن إحداث تغييرات حقيقية وعادلة في هذا الإتجاه تحتاج إلى نضال مستمر جاد ومتضافر وبمنظور وطني عام لكن هل النكوص والإحباط والإستسلام والقنوط والإكتفاء بأداء اليائس يحل المشكلة ويحسن الوضع ¿ الأجور قضية نضالية تحتاج لتبني خيارات عملية تهدف في الأساس للمطالبة بحق العمل بحق الأداء الجيد والعمل الإبداعي المنتظم ورفع وتيرة الأداء وإيجاد بيئة عمل صحية تتوافر فيها شروط الدافعية والفعالية والاستمرارية والتفاني والإتقان والإخلاص وفي الطريق إلى ذلك من المهم عدم مضاعفة خساراتنا بالتوقف عن النشاط وإعلان موت إرادة العمل والتحول إلى السلبية وعدم الإكتراث.
مازلت أستعيد مقولة ذهبية للشاعر الروسي الشهير بوشكين “لا تطالب بمكافآت عن أعمال نبيلة تقوم بها المكافأة داخلك ” ثمة مكافآت نشعر بها داخلنا تفوق كثيرا مانتلقاه من العائدات المادية ثمة معنى كبير يتجاوز القيمة المادية شعورنا بالتحقق والإمتلاء والعمل المخلص هوذاك الذي تجدك فيه مسكوبا بكلك فيه هذا العمل هو أهم مكافآتنا على الإطلاق ينسى البعض أنه يبخس نفسه حين يقدر أداءه بما يعطاه ما تمنحك اياه الوظيفة سيظل أقل منك في حين ماتمنحه أنت هو قيمتك هو قدرك أنت تعطي بقدر ماتعرفه عن نفسك لابقدر مايعرفه مسؤولوك عنك.
في ظل الأداء المثابر يرتفع تقديرنا لذواتنا وترتفع قدراتنا على التقاط الفرص الفرصة البسيطة يمكن تحويلها إلى فرص وفيرة مع استمرار الدأب والمثابرة والإخلاص العيش في دائرة النقمة والإكتئاب والركون إلى أداء روتيني بارد يجعل الوظيفة عملا سالبا للحرية وللقيمة مهدرا لكرامة الوجود ليس هناك مايبرر الوظيفة إذا صارت عملا ضد الكينونة وضدإنسانية الإنسان عملا يدمر الشخصية ويجعل من المرء بؤرة شر لايحسن شيئا سوى حسد الآخرين وحبك المكائد والدسائس وتنمية الضغائن والفتن ونشر الكراهية ونسف العلاقات وإذكاء الصراعات والخصومات وتخريب الثقة.
لا شيء أكثر مقتا من أن تغدو الوظيفة عملا في خدمة الشيطان علينا دائما مكافحة الشرور داخلنا وإعادة النظر إلى أنفسنا وتقييم آدائنا ذاتيا بصدق وإنصاف بذات القدر الذي نطالب فيه بعدالة أوضاعنا الوظيفية عموما.
نحتاج إلى منظورتقييمي واسع لانستثني من خلاله التحديق داخلنا والتفتيش في ركام المحبطات التى شوشت علينا الأداء والرؤية وجعلت كثيرا منا جزءا من هذا الركام الثقيل والمعيق الضحية غالبا لايرى مسؤوليته ولايقربها بل يرى مظلوميته وواجبات سواه تجاهه يرى حقه وأحقيته وقليلا مايسأل نفسه عما فعل كي يستحق ومايجب أن يفعل كي يضمن دوام الإستحقاق والتكريم أكتب هذا من وحي إحتفائية التكريم التى نظمتها مؤخرا الثورة الصحيفة والمؤسسة لروادها ولكثير من كوادرها وموظفيها الذين شكلوا مسيرتها وصنعوا مسارها ومنحوها الكثيرمن الروح والعمربحب وتواضع وصمت بالغ التعبير التكريم اعتراف بالفضل اقرار بالحضور شهادة تقدير واجلال شهادة ضد النكران والنسيان ولكي تنال هذا التكريم عليك أن تكون سيد نفسك سيد عملك حاضرا بكلك فيما تفعل التكريم اعتراف لايتأتى لمجهول مغفل هامشي الوجود منطمس الملامح هويته غير محددة لا أثر له ولا تأثير لا إضافة لا تعبير منجز لابصمة واضحة مميزة تؤدي إليه وتدل عليه.