إدارة المرور تقر بتفاقم الظاهرة وإخطارها وعجزها عن ضبطها بمفردها
ظروف العدوان تفرض تشديدا اكبر في تنظيم حركة المركبات لا تساهلا
الثورة / جهاد الحكيم
لم تعد مظاهر عارضة على نطاق محدود تبرز وتختفي بل واقعا سائدا وظاهرة عامة مفروضة حد اعتيادها والتعايش مع ما تثيره من ريبة وخوف واختلالات أمنية.. المركبات غير المرقمة لم تعد استثناء وغدت توازي المرقمة تعدادا وتجولا في الشوارع بحرية وأريحية ومن دون أي تحفظ أو خوف من ضبطها.
يرجع بروز الظاهرة إلى العام 2014م وعلى نحو لافت منذ بداية 2015م رغم ما تشكله المركبات غير المرقمة من تهديد جدي وحقيقي لسلامة حياة أفراد المجتمع وممتلكاتهم والأمن العام للدولة برمته باعتبارها وسائل متاحة لتنفيذ جرائم شتى تبدأ بحوادث الدهس والتهريب مرورا بالسرقات والاختطافات ولا تنتهي بالاغتيالات والتفجيرات!.
أخطار حقيقية
مع مثل هكذا اخطار حقيقية يصعب التعرف على بيانات المركبات غير المرقمة أو هوية صاحبها وتبعا يتعذر تعقبها أو ضبطها والنتيجة غالبا تقييد الحوادث أو الجرائم المنفذة بواسطتها “ضد مجهول” .. وهو ما حدث ويحدث بالفعل في واقع الحال المعيش وبصورة أكبر منذ بداية العام 2015م.
“الشوارع ممتلئة بالسيارات التي لا تحمل لوحات معدنية، حتى تلك التي تحملها صارت تجد كثيراً من مالكيها أو سائقيها يغطون على الرقم إما بلواصق أو بالبخاخات أو ينزعون اللوحة بالمرة. هذا يثير القلق والريبة في المجتمع، وما كان ليحدث لولا تساهل معظم الأجهزة المعنية”!.
هكذا بدأ المهندس أكرم سريع حديثه معنا بمجرد طرح القضية عليه. واضاف: ينبغي على وزارة الداخلية واجهزتها ممثلة بشرطة النجدة وإدارة المرور وضع حد لهذه الظاهرة على وجه السرعة، الوضع الأمني العام للبلاد لا يحتمل.لابد أن تضبط هذه السيارات وتلزم الجميع بلوحات الأرقام وجعلها واضحة” .
ضد مجهول !
أم خالد هي الأخرى تحدثت معنا بحرقة عما تعرض له أبنها ذي الأحد عشر عاماً جراء انتشار السيارات غير المرقمة . قالت: “صدمت سيارة مسرعة بلا رقم ولدي وفرت من دون حتى إسعافه. ترك ابني في الشارع يتألم فقد كسرت ساقه، ولم يستطع المارة التعرف على السيارة أو إيقافها”.
تابعت أم خالد بسخط لا تخفيه : “قام أهل الحارة بإسعاف ابني إلى المستشفى وتعرض المسعف للحجز للاشتباه بأنه من دهسه، لكني أخبرت أمن المستشفى أن من صدم ابني سيارة من دون أرقام هربت لثقة سائقها من أننا لن نصل إليه، مع أنه لو أسعف ابني لكنت عفوت عنه، لكن ربنا سينتقم منه”.
بلاغات متزايدة
مأساة هذه الأم وطفلها، ليست الوحيدة ولا تعد نادرة بل صارت تتكرر بصورة شبه يومية حسبما أكد لنا أحد منتسبي الأمن المساعد هاني خالد (30 عاما) قائلا:”نعم، تتزايد الجرائم المرتكبة باستخدام سيارات من دون أرقام كعصابات النهب التي تم ضبط عدد منها أو عبر لوحات معدنية غير محلية”.
المساعد هاني لم يمدننا بإحصائيات لهذا النوع من الجرائم لكنه أكد تزايد البلاغات بها. وأضاف: “استخدام مثل هذه السيارات يعرقل تتبع الجناة، ويجب تنفيذ حملات مستمرة لإلزام الجميع بلوحات الأرقام ومعاقبة كل من يخفيها أو يطمسها، كحيلة لاقتراف أفعال مخلة بالأمن أو حتى التهرب من المخالفات المرورية”.
إقرار بالخطر
ليس المواطنين وحدهم ولا المتخصصين من يقرون بانتشار الظاهرة وخطرها. أيضا المعنيون يقرون بأن “السيارات التي لا تحمل لوحات ترقيم مرورية أصبحت ظاهرة خطيرة” حسبما أكد لـ”الثورة” مدير شرطة السير بأمانة العاصمة سابقا العقيد علي دومان في حديث مطلع فبراير الماضي.
العقيد دومان يومها حذر عبر الصحيفة من “انتشار مركبات بلا لوحات أرقام مرورية في شوارع الأمانة” وأكد أن “استمرار سيرها يسهم في انتشار الجريمة ويتسبب في اختلال الوضع الأمني” .. مشددا على “ضرورة ضبطها ووضع حد لانتشارها ومنع سيرها في شوارع صنعاء”.
أسباب وذرائع
أسباب عدة تقف وراء انتشار السيارات غير المرقمة، لعل أبرزها التهرب من الملاحقة الأمنية في حال وقوع حادث سير أو اقتراف جريمة، والتهرب من المخالفات المرورية، وهذه بحسب المساعد هاني “تكثر خاصة من سائقي الباصات لكثرة استهتارهم بأنظمة وقواعد السير”.
لكن أسبابا أخرى وقفنا عليها عند تقصينا الظاهرة وسؤال نماذج من سائقي السيارات غير المرقمة وكذا مالكي معارض بيع وشراء السيارات. يمكن تلخيص مجمل الإجابات في : ايقاف الترسيم الجمركي، ارتفاع تعرفة الجمارك، قدم سنة صنع السيارات عن المسموح بترسيمه، ايقاف إصدار اللوحات المعدنية أو سرقة الأخيرة.
حملات مؤقتة
فعليا سبق لإدارة شرطة المرور أن أعلنت في نوفمبر 2015م عن تخفيض رسوم المخالفات المرورية وتوحيدها بواقع ألف ريال فقط لجميع المخالفات المرورية. ولفترة استمرت شهرين لكن الإقبال لم يكن بالقدر المتوقع بحسب القائمين على الحملة، ولأسباب عزوها إلى “الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة جراء العدوان وحصاره”.
كذلك مصلحة الجمارك سبق أن فتحت باب ترسيم السيارات في 9 يناير الماضي وأعلنت تخفيض التعرفة بنسبة تراوحت بين 30% إلى 40% ولفترة استمرت شهرا. لكن رغم ذلك، ظاهرة انتشار المركبات غير المرقمة ظلت قائمة بل وفي اتساع مستمر ولافت ومثير للقلق والريبة.
ومع أن إدارة شرطة المرور في العاصمة صنعاء نفذت في الثاني من ابريل الماضي حملة لضبط السيارات غير المرقمة، وأعلن مدير مرور العاصمة العقيد عبد الله العقر أن “الإدارة العامة للمرور وفرت اللوحات المعدنية بجميع فئاتها وأنه لم يعد هناك أي عذر لأصحاب السيارات”.
رغم هذا وما أبدته إدارة مرور العاصمة من حزم وحجزها بالفعل عددا من السيارات غير المرقمة؛ إلا أن الحملة التي سرعان ما توقفت، لم تحدث فعليا فرقا ملموسا كبيرا، وسرعان ما عادت ظاهرة سير المركبات غير المرقمة (سيارات ودراجات نارية) وعلى نطاق أوسع.
خرق القانون
يرجع الأمر إلى افتقاد الجدية والحزم من الأجهزة المعنية، خصوصا مع تأكيد إدارة المرور “عجزها بمفردها عن ضبط السيارات غير المرقمة من دون تعاون الجهات الأخرى وعلى رأسها إدارة شرطة العاصمة واللجان الشعبية ” حسبما أعلن بداية العام الجاري مدير شرطة سير العاصمة حينها العقيد علي دومان.
قانونا، المادة (3) من قانون المرور تقول: “لا يجوز لأي شخص أن يقود أي مركبة آلية على الطريق ولا يسمح بذلك لأي شخص آخر ما لم تكن تلك المركبة مسجلة وتحمل اللوحة المعدنية المميزة لها بمقتضى أحكام هذا القانون”. ويحدد القانون “غرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال” على المركبة المخالفة.
قانون المرور، ينص على حظر سير الآليات أو المركبات بلا لوحات معدنية. ما يعني شمول الحظر على كل آلة تتحرك ديناميكيا في الشارع بما فيها الحراثة والغرافة والشيول والسيارة والشاحنات والدراجة النارية وغيرها من الآليات المتحركة في الشوارع والطرقات آليا.
.. والدراجات أيضا
فعليا، ظاهرة سير المركبات بلا لوحات أرقام لا تقتصر على السيارات وحدها بل تشمل أيضا الدراجات النارية، وبالقدر نفسه إن لم يفقه من الانتشار والأخطار أيضا المتجاوزة فوضى السير وحوادثه إلى استخدامها في ارتكاب الجرائم وبخاصة السرقات والاغتيالات.
علي هاجر واحد من مئات ضحايا استخدام الدرجات النارية (المترات) في ارتكاب الجرائم. يقول: “تعرضت للسرقة بواسطة دراجة نارية لا تحمل رقما. كنت يومها اجري مكالمة حين التقط راكب الدراجة هاتفي من يدي بخفة ولاذ هاربا بلمح البصر”.
في حين يقترح هاجر ان تخصص شرطة دراجات نارية للتعامل مع جرائم الدراجات؛ فإنه يذكر لنا أن “سيارة صدمت أخرى لأحد أقاربه وفرت وعندما هم لتسجيل رقمها فوجئ بعبارة مكتوبة مكان اللوحة ‘الرقم مشغول’ في تحد واستهتار واضح بأرواح وممتلكات المواطنين”.
ما بعد الجمارك
لا يعرف على وجه الدقة عدد المركبات غير المرقمة لانعدام حصر بها أو إحصاءات في ظل استمرار التهريب إلى البلاد، وقيام كثير من مالكي المركبات بنزع لوحات الأرقام أو حجبها أو طمس ملامحها وبخاصة مالكي الباصات وسيارات الأجرة.
ولم يكن غريبا أن تحصل حملة ترسيم جمارك المركبات الأخيرة والمتواصلة منذ منتصف أكتوبر الجاري نحو مليار ريال خلال 16 يوما، فنسبة التخفيض في رسوم تعرفة الجمارك مغرية جدا لمالكي المركبات ومعارض بيعها وشرائها، فقد وصلت ولأول مرة إلى 85%.
لكن الترسيم الجمركي وحده لا يكفي أو يحل المشكلة بنظر متخصصين يرون ضرورة أن تتبع حملة ترسيم الجمارك حملة ترقيم برسوم مخفضة وألا يقتصر الأمر على دعوة الادارة العامة للمرور مؤخراً المواطنين إلى “الاستفادة من حملة ترسيم السيارات، والتوجه لإصدار رخص القيادة وتسديد المخالفات بأسعار مخفضة”.
يشدد عبد الله العلي (38 عاما) في حديثه معنا على “ضرورة توافر الجدية الكاملة والحزم التام لدى الأجهزة المعنية لوضع حد نهائي لظاهرة انتشار سير السيارات بلا أرقام”. ويطالب بأن “تتلازم حملة الترسيم مع إلزامية الترقيم للسيارات وتشديد حظر سير السيارات بلا لوحات مرورية”.
حملات وغرامات
ذلك هو المعول أن يكون، وهو ما ألمحت إليه إدارة المرور في دعوتها المواطنين للاستفادة من حملة ترسيم جمارك السيارات، والتوجه لإصدار رخص القيادة وتسديد المخالفات بأسعار مخفضة، بتذييل الدعوة وعلى لسان مصدر مسؤول أن هذه الإجراءات “ستتبعها حملات مكثفة، وستكون الغرامات مضاعفة”.
كذلك مصلحة الجمارك هي الأخرى أعلنت أنها “ستتخذ الإجراءات القانونية بحق المتهربين من الترسيم والسيارات التي لا تحمل أرقاماً مرورية بعد انتهاء الفترة المحددة للترسيم استناداً إلى قرار مجلس الوزراء والتعميمات واللوائح الخاصة بذلك للحفاظ على الأمن والاستقرار”.
ويبقى السؤال: هل تفعل إدارة شرطة المرور ومصلحة الجمارك ذلك؟ .. وإن فعلتا وحظرتا سير المركبات غير المرسمة وغير المرقمة ، هل تتفاعل معهما كما ينبغي من الجدية والحزم إدارة أمن العاصمة واللجان الشعبية لأجل الأمن والاستقرار؟! .. ذلك ما تجيب عليه الأيام المقبلة.
Next Post
قد يعجبك ايضا