اقتصاد الحرب.. من يحمي المستهلك؟

جشع بعض التجاروصل إلى حدود الظلم  الفادح..والرقابة غائبة تماما

نستورد كماليات من الدول التي تعتدي علينا ..لماذا؟!
خبير اقتصادي: وقف استيراد السلع غير الضرورية والتي يمكن توفير بدائل لها من الإنتاج المحلي أمر ضروري

تحقيق/ سارة الصعفاني

معيشة الناس خط أحمر في البلدان كلها, فتأمين سلع غذائية مدعومة ووضع مواصفات وشروط لاستيراد المنتجات، فضلاً عن الحرص على وجود رقابة صارمة وقوانين نافذة تحمي المستهلكين من الجشع .. أمور أساسية لاتقبل التأخير..  أما في بلادنا بسبب ظلم العدوان الذي أوصلنا إلى المجاعة فإن انفلات الأسواق يتسيّد الموقف بفعل أسعار جنونية لا تتوقف عن الصعود ولا تهتم لغياب المرتبات أو بمنطق العرض والطلب، وإنما تعرض منتجات بعضها منتهية ورديئة وبأسعار مرتفعة.
حصار اقتصاد خانق في حين نستورد كل احتياجاتنا من دول العالم لعدم وجود صناعة وطنية، فضلاً عن عدو حاقد يستهدف مقومات العيش ويدمّر منشآت اقتصادية حيوية.. ولا من يهتم بأوجاع الناس.
وإمعانًا في الإجرام  يسحب العدو السعودي عبر مرتزقته العملة الوطنية متسببًا بحدوث أزمة سيولة نقدية وإفلاس لبنك البنوك وصلت حد عدم قدرته على صرف رواتب الموظفين، ما فاقم المشكلة الغذائية والصحية والمعيشية لشعب يحتاج21 مليون نسمة لمساعدات إنسانية و1.5 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد وموت منهم دون الخامسة، ونصف السكان يعانون من الجوع حتى رأينا هياكل عظمية لمواطنين- ليس في الأمر مبالغة أو تهويلاً- لم يجدوا ما يأكلوا وفقر دم حاد مزمن لشريحة كبيرة ،يكادون يموتون من الجوع والمرض والألم والبؤس الذي برز في أسوأ وأقسى مظاهره في مديريات الحديدة وفي مقدمتها (التحيتا )..

واقع مفرط في المأساوية زاده وجعًا وفاة 59 طفلاً بسوء تغذية منذ بداية السنة من عدد 449 طفلاً وصلوا لمستشفى الثورة بمحافظة الحديدة منهم 385 دون الخامسة ما يؤكد أننا على شفا مجاعة وكارثة إنسانية جماعية وانتشار أوبئة خطيرة تجاوزها العالم كالكوليرا والتيفوئيد، تعجز معه المنظمات الإغاثية على تقصيرا عن تقديم مساعدة إنسانية ترتقي إلى مستوى الكارثة.
ومعروف أن برنامج الغذاء العالمي يحتاج لـــ 257 مليون دولار لتقديم مساعدات إنسانية لليمنيين حتى مارس القادم فقط, ما يثير أسئلة تبدو عدمية من نوع.. ما الذي ينقصنا لنكتفي ذاتيًا؟وهل من سبيل لاجترار سيرة اليمن الأولى؟ وأين اقتصاد وطننا الغني بالثروات؟ ولماذا لا نجد سلعًا مدعومة في بلد تحت خط الفقر الغذائي؟وأي قيمة للثورات المتلاحقة إن لم تتصد للفساد والظلم والإجرام وتغيير واقع الشعب نحو الأفضل؟ ولماذا لا نجد رقابة على أسعار السلع خاصة وجشع التجار قد بلغ حدودا خيالية في أوضاع مأساوية بل أن منهم من يفضل أن تنتهي صلاحية بضاعته ويخسر ثمنها كليًا على أن يخفض ثمنها؟كيف تدخل منتجات ترفيّه وكمالية من بلدان بعيدة رغم حصار يمنع دخول دواء، ويموت الإنسان وجعا في انتظار مغادرة وطنه لتلقي العلاج؟ وكيف تقتلنا القنابل والصواريخ المحرمة دوليًا ليلا نهاراً فيما ندفع ثمنها بشرائنا منتجات سعودية تُغرق أسواقنا؟وحتى أسوأ منتجات العالم ستجدها في كل مكان في حين نجد الصناعة الوطنية إما فاقدة لثقة المستهلك أو غائبة بما أحدثه العدوان من التدمير .
?  عند دخول محلات بيع المواد الغذائية تجد منتجات أغلبها غير ضرورية بمعنى كماليات وصناعة سعودية من عصائر وبطاطس وألبان ومشروبات غازية … إلخ، ونفس نوع المنتج لـ شركاته المتعددة ولشركات بلدان عديدة وكأننا سوق مفتوح لكل ما تنتجه مصانع العالم .
جهل وفساد وعملاء في وطننا منذ زمن، واليوم الموت فينا لا يغادرنا ودمار في كل مكان، وسط صمت وخذلان وتواطؤ العالم، ورغم هذا صامدون منتصرون كنا وسنبقى رغم الفساد وخبث الأوغاد لكن ..من المؤلم أن نرى وطننا يُعتدى عليه ولا نغير من أنفسنا ..فقر وجوع ومرض وموت وظلم وفساد ولانفكر في فعل شيء ، فيما نصدّر لدول الخليج بالتحديد أفضل ما لدينا من فواكه وخضروات وبن وعسل ونباتات عطرية ومصنوعات تراثية وحرفية وبأسعار زهيدة بل أنبعض الحمقى يهربون مخطوطات وطنهم في أجواء من التواطؤ المجتمعي وحتى المؤسسي !
ورغم هذه الأوضاع بلغ الحقد الدفين للعدو السعودي قصف المصانع والمزارع ومعامل الإنتاج الخاصة بمواطنين .. ما يفرض التساؤلات: كيف يسمح المعنيون بدخول الأطنان من كماليات منتجات العدو بما فيها مواد سريعة التلف كالألبان يوميًا فيما يقتلنا ويستهدف اقتصادنا؟ وكيف تصل إلينا منتجات ليست ضرورية من بلدان بعيدة في ظل حصار خانق يمنع حتى وصول الدواء وضروريات المواد الغذائية ؟لماذا يشتري التجار البضائع السعودية بعدما يحدث من اشتراطها الدفع بعملتنا الوطنية ما أدى لحدوث أزمة سيولة نقدية ؟ ولم لا نمنع دخول منتجات العدو خاصة ما يعد ترفًا في زمن العدوان ونقبل ما سواها إن كانت جميع المنتجات تهريباً عبر الحدود بين البلدين؟ ما جدوى مقاطعة منتجات بلدان لا تصل إلينا منتجاتها فيما ندفع لمن يقتلنا بشراء منتجاته التي تغزوا أسواقنا؟ ما الذي ينقصنا لنصبح بلدا مكتفياً ذاتيًا أو حتى منتجاً لضروريات المواد الغذائية ؟ متى نرى ( MADE IN YEMEN ) خاصة وأننا نستورد من بلدان فقيرة للغاية؟
تجميد اتفاقية
كانت التساؤلات  السابقة لمواطنين يشعرون بالغضب في انتظار وضع قيود للاستيراد والبدء بتنفيذ قرار تجميد اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين اليمن والسعودية، وعقد النية الوطنية لبناء اقتصاد وطني يغطي كحد أدنى ضروريات حياتنا ويرتقي بواقعنا البائس ويخفف معاناة شعب ينقصه كل شيء حتى الوصول للاكتفاء الذاتي – بدلاً من اعتمادنا الكلي على الخارج في توفير ما نحتاج إليه وبسعر مرتفع يحدده مستوى جشع التجار- احترامًا لأنفسنا وللوطن وتقديرًا لتضحيات أبنائه وصمودهم على مر السنين .
?  وفي سياق فكرة هذه القضية التقينا الخبير الاقتصادي والأكاديمي بجامعة صنعاء الدكتور/ عبدالرحمن الإرياني الذي بدأ كلامه بالتحدث عن مقومات اقتصادنا الوطني, موضحًا السبب في كون بلادنا تستورد كل شيء ” من إبرة الخياط وحتى الصاروخ ” بقوله : يمتلك اليمن كل المقومات ليكون اقتصادا قوياً على المستوى العالمي وليس فقط الإقليمي،سواء العنصر البشري الذي شيد حضارات عريقة متعاقبة منذ فجر التاريخ ، وامتلاكه موارد طبيعية متعددة ومتنوعة مثل الزراعة والثروة الحيوانية والثروة السمكية والثروة النفطية والمعادن الثمينة وموقع استراتيجي يتوسط العالم ويطل على بحرين هامين هما البحر الأحمر المتصل بالبحر المتوسط والبحر العربي المتصل بالمحيط الهادي، ويتحكم بباب المندب أهم منفذ بحري عالمي، ويتمتع بمناخ وتضاريس يتميز بهما عن غيره من بلدان العالم كونهما يتيحا فرصة التخصص الدولي بالمنتج الزراعي والسياحي على كل مساحة البلد ويتوزع السكان توزيعا مثاليا يتيح استغلال جميع الموارد .
مقومات اقتصاد قوي
متابعًا: مقومات اقتصادية لم تجتمع لبلد آخر ( بلدة طيبة ورب غفور )  وها نحن نشاهد قوى الاستعمار العالمي تحشد كل قواها للاستيلاء على هذه الخيرات وتحرم الشعب منها لتجعل اليمن أفقر بلدان العالم مستخدمة جهل وجشع الخونة وصراع السلطة، وإثارتها للفتن وإحباط الخطط التنموية ومنع أصحاب الكفاءة من الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار، وإغراق الأسواق بمنتجات دول العدوان ومنع الإنتاج المحلي.
ويتحدث د. الإرياني عن كيفية بناء اقتصاد اليمن وإعادة ماضيه المشرق ومجده التليد بعد اعتداء العدو السافر والمباشر في وقتنا الراهن وقتلنا وتدمير تاريخ ومقدرات وطننا وانتزاع سيادة اليمنيين على أرضهم ونهب ثرواتهم وسلب حرياتهم، وحتى نغادر هذا الحال يقول: يجدر ابتداء العمل على ما يلي :
·  وقف عبث العابثين أفراد أو تجار أو مسؤولين أو مؤسسات والذين هم أدوات للخارج أو وكلاء لتصريف وتسويق منتجاتهم أو منفذون لسياسات إلحاق الضرر باقتصادنا الوطني من خلال الفساد المالي والإداري أو السياسي ، وأفضل رد على دول العدوان هو شل قدرات أدواتهم ومنعهم من مواصلة نشاطهم الإجرامي بحق الوطن ومقدراته.
·  وقف استيراد السلع غير الضرورية والتي يمكن توفير بدائل لها من الإنتاج المحلي مثل منتجات الشكولاتة والبسكويت والعصائر والفواكه المستوردة والمعلبات من أي جهة كانت لتخفيف عجز ميزان المدفوعات وتوفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الضرورية لحين إنتاجها محليًا، وهذا رد أكثر فاعلية من مقاطعة منتجات محددة من دول معينة فما يهمنا وقف نزيف الاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة وتخفيف عبء ميزان المدفوعات وإعطاء الفرصة للمستثمر الوطني وللمنتج المحلي أن يزدهر، كما أن اقتصاد السعودية معتمد على سلعة النفط وعليه ينبغي مقاطعة كل المنتجات الهامشية من أي مصدر كانت من خلال تبني سياسة حكيمة للتجارة الخارجية تمنع إغراق أسواقنا بأي نوع من المنتجات الأجنبية خصوصًا تلك التي تتوفر لليمن إمكانيات إنتاجها محليًا والسماح فقط باستيراد السلع الرأسمالية ( الإنتاجية) والسلع الضرورية بالقدر الذي يكفي فقط على أن يكون الاستيراد بإشراف الدولة ووفق سياساتها المدروسة ومن دول محددة لا تضمر السوء لليمن وتربطنا بها مصلحة مشتركة ومعدل تبادل عادل وتكامل اقتصادي مدروس لإنقاذ اقتصادنا الوطني وحمايته.
· دعم المشاريع الصغيرة الإنتاجية في المجال الزراعي والسمكي والصناعي والحرفي والخدمي وتوفير المناخ الاستثماري الملائم لهذا النوع من المشاريع الصغيرة لكونها ممكنة التنفيذ وتتوفر لها الخامات المحلية والأيادي العاملة اليمنية فتمتص البطالة التي بلغت حد الخطر وتوفر كثيرا من المنتجات المطلوبة في الأسواق المحلية.
·  تشجيع التصدير للمنتجات التي تمتلك اليمن ميزة في إنتاجها إلى الدول التي تربطنا بها علاقة تبادل وتكامل اقتصادي متكافئ.
·  رفع وعي الشعب اليمني بأهمية التعامل مع البنوك في فتح الحسابات الجارية والآجلة والتعامل بالنقود الإلكترونية لتقليل الحاجة للتعامل بالنقود الورقية لما لذلك من أهمية في معالجة أزمة السيولة النقدية وتحقيق منافع كثيرة لكل أطراف العملية التبادلية.
·  إلزام البنوك وأصحاب رؤوس الأموال بالتوجه نحو التمويل والاستثمار في المجال الإنتاجي المحلي والتنفيذ الأمين للسياسة النقدية.
· الإشراف والرقابة الصارمة على منافذ الاستيراد والتصدير في البلاد ومنع التهريب لتعزيز موارد الدولة وحماية المنتج المحلي.
·  إعادة تشغيل مصانع الاسمنت والغزل والنسيج ومحالج القطن ومدابغ الجلود والصناعات الجلدية ومصانع عصير الفواكه والطماطم ومخازن التبريد والأشغال الحرفية وغيرها.
ختامًا : إذا ما صدقت النوايا الوطنية بإمكاننا تجاوز فشل وفساد ما مضى ولنأخذ مما يحدث لنا عظة وعبرة، والتركيز على بناء اقتصاد قوي يحل مشاكل البلد، ويرتقي بواقع الناس في كل اتجاهات الحياة.

قد يعجبك ايضا