إزاحة آخر ورقة توت عن عورة العاصفة
المجلس أعاد السلطة إلى أصلها ومصدرها هو الشعب
اتفاق يمني مائة في المائة أبرمه الوطنيون والمخلصون والرافضون للعدوان
استطلاع/ عبدالله كمال
مثل تشكيل المجلس السياسي الأعلى من قبل القوى الوطنية المواجهة للعدوان المتمثلة في المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم، خطوة متقدمة ونقطة تحول مهمة في سير الأحداث الجارية والتي تعصف بالبلاد منذ أواخر مارس 2015م، وكذا الحرب الذي تدور رحاها في كافة أنحاء البلاد منذ ذلك التاريخ، وأيضا بالنسبة للفراغ الدستوري الدستوري الذي تعانيه اليمن، منذ استقالة هادي وحكومته، ومن ثم فرارهم من اليمن إلى الخارج، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة والتي عانت هي الأخرى من الفراغ، ونالها الكثير من التدمير نتيجة الوضع، لذا كان لا بد من تشكيل هذا المجلس الذي نال ثقة البرلمان الذي يمثل المؤسسة الشرعية الوحيدة التي لا تزال قائمة في البلاد، كما حظي بتأييد شعبي واسع من كثير من أبناء الشعب عامة، بمن فيهم من نخبة سياسيين ومثقفين.. وغيرهم. “الثورة”ومن خلال هذا الاستطلاع رصدت آراء عدد من المثقفين، فإلى الحصيلة:
يقول الشاعر والكاتب عبدالخالق النقيب إن المجلس السياسي تسلم إدارة شؤون البلاد، بصيغة دستورية تتبنى فكرة الدولة ويرأس مؤسساتها.. فعلى مدى عام ونصف استنفد العدوان كل الحيل لإضعاف مؤسسات الدولة وإفراغها من الداخل، كنا على قدر من التحدي والصمود في لحظة كنا نعيش مرحلة من الدولة واللادولة. حين ينتهي بنا التوقيت الحرج إلى مجلس حكم سياسي فإنه حتماً ينقذ مؤسسات الدولة من فرضيات الانهيار التام، ما يستحق التنويه هنا بأنه وبتشكيل المجلس السياسي الأعلى تجاوزت مؤسسات الدولة أكثر الصور قتامة وجنبها الكثير من المآزق التي كانت تنتظرها في حال بقائنا في اللادولة لوقت إضافي آخر.
ويضيف النقيب: لدينا الآن رئيس ونائب للبلاد، ونتشبث بالبرلمان كآخر هيئة شرعية تمثل الدستور والشعب معاً، تلك مسلمات يفوح منها عبق الدولة، إذ لا أمن ولا اقتصاد ولا سياسة خارجية قبل أن يقوم المجلس بإعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة، وأن تحظى بصفتها الاعتبارية داخلياً وخارجياً. بخط عريض: نحن الآن أقوى وأكثر شجاعة لبناء دولتنا رغماً عن أنف الحرب، فتشكيل المجلس السياسي وتسلمه السلطة أحدث فارقاً غيــّر المعادلات ، وأصبحنا أمام لحظة وطنية وتاريخية بكل أبعاد السياسة والحرب والدولة.
انتهت اللعبة
من جهته يرى الأكاديمي والأديب د. صادق القاضي، أن تشكيل المجلس السياسي، والعودة إلى البرلمان، والذي يعد المؤسسة الشرعية الممثلة للشعب، لمنحه الثقة يمثل الضربة الأخيرة للشرعية المزعومة التي دست السعودية أنفها من خلالها وشنت عدوانها على اليمن، إذ أن شرعية هادي كانت قد انتهت لأسباب أكثر من كافية، لكن السعودية عملت على تهريبه؛ لتتمكن من التسويق لعدوانها من خلال شرعيته المهترئة.!.
لقد انتهت اللعبة الآن-بحسب القاضي- فعودة البرلمان لممارسة مهامه، تعني بشكل حاسم ونهائي: الإطاحة بشبهة شرعية هادي، وإحراق ورقة الشرعية في يد العاهل السعودي، وإزاحة آخر ورقة توت عن عورة العاصفة.
كان يجب أن يحدث هذا منذ البدء، وحدوثه اليوم هو أقوى وأذكى ما فعلته الجبهة الوطنية، لتعرية العدوان، والانقلاب على الطريقة السعودية المقلوبة في سحب الشرعية وإضفائها على الأشخاص والهيئات والأطراف المتناحرة.
هذا ما يفسر ارتباك مختلف الأطراف المتواطئة في العاصفة. البرلمان هو المؤسسة الشرعية الوحيدة والأخيرة في اليمن اليوم، ومن شأن عودته نقل الأزمة والحرب إلى مرحلة مختلفة نوعيا، على الجوانب القانونية والسياسية والدبلوماسية الدولية.
أكثر من ذلك، عودة البرلمان، لمنح الثقة للمجلس السياسي الأعلى، ومن ثم استمراره في انعقاد جلساته، ليست مجرد مناورة سياسية لإرباك الخصوم، بقدر ما تعني، ويجب أن تظل تعني: إعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها، وعودة جميع الفرقاء لتحكيم الدستور والاحتكام إلى القانون، في القضايا والنزاعات المختلفة.
أمام تحدٍ
من جهته يقول الروائي والكاتب محمد الغربي عمران: ما نعيشه كارثة بكل المستويات.. أي عمل يوقف الحرب.. يوقف تدهور البلاد.. يقود إلى السلام.. وعدم إقصاء أي يمني.. ويقود البلد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.. وإلى الحفاظ على الوحدة نحن معه.. ونحن لا يمكن أن نكون إلا مع المساواة ووقف نزيف الوطن والاعتداء الخارجي.. المجلس السياسي والتقاسم له إيجابياته وسلبياته.. والمجلس السياسي أمام تحدي إيقاف الحرب وإعادة استقرار الأسعار ووضع حد لتدهور العملة.. وعدم وجود سيولة.. هو أمام تحدٍ وننتظر منه أعمالا تعيد لليمن ألقه.. ولمشاركة جميع أبناء اليمن في وطنهم.. وعودة حق الشعب في انتخاب حكامه.. وإلا فالأمور أكبر من مجلس سياسي.
نقطة ضوء
الكاتب والأكاديمي د. صادق السالمي، يقول: المجلس السياسي الأعلى الذي أريد أن أقول إنه كان نقطة الضوء الوحيدة التي أومضت في سماء اليمن منذ العام 2011م.. المبادرة الخليجية تدخل فيها الخليجيون والدول العشر والاتحاد الأوروبي، إما مباشرة أو عن طريق عملائهم .. الحوار الوطني كان فيه المتحاورون مجرد دمى تحركها أيادٍ واطراف خارجية.. اتفاق السلم والشراكة كان أحد الأجنة الشوهاء لبن عمر والسفير الأمريكي.. مفاوضات جنيف الأولى والثانية، ومفاوضات الكويت كانت كل دول العالم حاضرة فيها.. باختصار كان المتآمرون فيها هم الراعون لها، بما في ذلك السعودية التي تحولت من عدو يهاجم اليمن بكل أسلحته الفتاكة إلى وسيط، ووحده المجلس السياسي الذي انبثق من وسط هذا الركام والخراب بعيدا عن أي ضغوط أجنبية أو تآمرات خارجية.. اتفاق يمني محلي الصنع مائة في المائة اتفق عليه الوطنيون والمخلصون والرافضون للعدوان، اتفق فيه الرجال على الترفع عن حساسياتهم، وعلى الوقوف يدا واحدة مع الوطن والمواطن، ضد العدو التاريخي الذي يحاول إذلالهم ويتآمر عليهم منذ سبعين عاما.. اتفق اليمنيون وفوتوا الفرصة على من كان يراهن على شق الصف الوطني على أسس مناطقية ومذهبية وطائفية.
أعاد السلطة إلى مصدرها “الشعب”
ويضيف السالمي: تشكيل المجلس السياسي هو الخطوة التي كان ينتظرها اليمنيون منذ عام ونصف، وهي الخطوة التي باركها مائة وسبعون عضوا في مجلس النواب، يمثلون عشرين مليون نسمة بحساب المتوفين من أعضاء المجلس.
تشكيل المجلس السياسي أعادنا إلى أصل السلطة ومصدرها وهو الشعب الذي يمارسها من خلال ممثليه في البرلمان.. تشكيل المجلس السياسي أعاد للمشهد السياسي حيويته على مستوى الداخل والخارج، والدليل على ذلك الاهتمام الذي لاقاه والصدى الذي أحدثه على مستوى العالم، ناهيك عن الخوف والرعب الذي أحدثه لدى أعداء الوطن سواء الخارجيين أو عملائهم ومرتزقتهم.
ويختم السالمي بالقول: بالنسبة للدولة ومؤسساتها فإن المجلس السياسي قد أثبت أن مؤسسات الدولة أصبحت من القوة إلى درجة لا يخشى عليها لدرجة أن أحدا لم يستطع تجاوز مؤسسة تشريعية مثل مجلسي النواب والشورى منذ العام 2003م، وأن الجميع مهما حاولوا الانتقاص من قدرها إلا أنهم لا يستطيعون تجاوزها وغيرها من مؤسسات الدولة كذلك مثل مؤسسات الجيش والأمن والصحافة والقضاء والتعليم والصحة وغيرها من المؤسسات التي أصبحت تتمتع بقوة وجود تسحق من يحاول تعديها ورغم أن هناك تجاوزات وتعديات لحقت بهذه المؤسسات إلا أنها لم تنل منها أو تقوضها، وقد كان أسوأ ما تعرضت له مؤسسات الدولة هو ما ألحقه بها هادي، لكنها رغم ما تعرضت له ظلت صامدة فيما سقط هادي وزبانيته.
أمر لا بد منه
أما الشاعر والكاتب وليد الحسام، فيقول: كان لابد أن تجتمع القوى الوطنية والمكونات السياسية على اتفاق سياسي يقتضي تشكيل سلطة موحدة لإدارة البلاد وفق منهجية دستورية أساسها العمل المؤسسي، ومن أجل توحيد الجهود السياسية والشعبية في مواجهة تحالف العدوان على اليمن الذي بلغ العام والنصف.
ويؤكد الحسام: يأتي الاتفاق الوطني للقوى السياسية في مرحلة كانت فيها اليمن بحاجة ماسة إلى تفعيل دور مؤسسات الدولة بشكل مكثف في إدارة البلاد، بغية رفع المعاناة عن أبناء هذا الشعب الصامد، وكذلك تشكيل حكومة تقوم بمهامها الإدارية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والتعليمية والصحية، وتقديم الخدمات اللازمة والضرورية لليمنيين، وبما يخدم قضيتنا المتمثلة في الدفاع عن الوطن وسيادته، وبما يحفظ للإنسان اليمني حياته وكرامته.
ويختتم الحسام بالقول: كذلك فإن المسؤولية التي تقف على عاتق المجلس السياسي الأعلى باعتباره السلطة الشرعية تتمثل في نشاطه على المستوى الدولي، من حيث إقامة علاقات دبلوماسية قائمة على تبادل المصالح المشتركة وفتح المجال للتعامل مع الخارج سياسياً وتجارياً لكسر الحصار الشامل على بلادنا ومن ثم توفير الخدمات الطبية والغذائية التي تخفف بدورها من معاناة المواطنين.