*يكتفون بزيارتهم في المناسبات
الأسرة/ رجاء الخلقي
تجاوزت الثمانين من العمر ولم أعد استطع السير لولا معاونة بعض أبناء الحي .. قالت «خديجة» بمرارة ذارفة دموعها، وتابعت: « لقد جريت كثيرا وبكيت حتى فقدت بصري من معاملة أولادي التي لا يتحملها بشر لدي خمس بنات, لكن أزواجهن رافضوا إقامتي معهن أصبحت عبئاً عليهن وعاملوني بقسوة بعدها بذلت لكل شيء في سبيلهن أفنت «خديجة» كما تقول عمرها وشبابها في تربية بناتها ورعايتهن بعد وفاة والدهن حتى وصلن إلى مراحل دراسية متقدمة فمنهن المعلمة والموظفة في بنك وأخرى ممرضة والرابعة والخامسة ربات منزل وفي النهاية تخلين عني وكأنني شيء عديم الجدوى والفائدة ولم تلتفت أي منهن لتوسلاتي ودموعي».
كانت هذه الأم المسنة تتصور حتى لحظة حديثها معنا أن قلوب بناتها سترق ويأتين بحثا عنها لكن من دون جدوى.
تقطن «خديجة» مكانا بسيطا في بيت استأجره لها أولادها في نفس الحي واحضروا خادمة ترعاها إلى أن يحل المساء وبعدها تهتم العجوز بنفسها ليلاً أما أبناؤها فيكتفون بزيارتها أيام العطل والمناسبات!.
آلم وحسرة
تشتكي أم خليل حالها مع أبنها البالغ من العمر 18 عاماً وتقليده والده في كل شيء كما تقول، ومع أنها أحسنت تربيته منذ الصغر إلا أنه عندما كبر وكبرت هي أصبح ولداً غير الذي ربته تماماً تقول:»صار ابني عاصيا ويبكني حرقة وألما لدرجة أنه يشتمني ويضربني بسبب ومن دون سبب وحين حاولت إصلاحه تركني وغادر المنزل ولا أعرف أين ذهب».
قسوة الأولاد
لم تكن أم وليد الريمي أفضل حالا من أم خليل فهي أيضا صدمت بولدها وليد البالغ من العمر 17 عاما والذي أصبح يمد يده عليها كلما حاولت نصحه أو توجيهه إذا أخطاء وأما إذا رفضت إعطاءه المال لشراء القات يقوم بضربها ضربا مبرحا ولم تستطع فعل شيء سوى أن توكل أمره لله وحده حسب تأكيدها .
أسباب تربوية
أسباب عديدة وعوامل مختلفة تقف وراء قسوة الأولاد على آبائهم وأمهاتهم في كبرهم , تذكر منها الأخصائية الاجتماعية خلود المؤيد ظروف النشئة وتقول «هناك العديد من العوامل التي يمكن إدركها من الجانب التربوي ففي البداية لأبد أن يكون هناك إرشاد وتوجيه وتعليم للطفل مبادئ الدين الحنيف وكيفية المحافظة على الصلاة وفريضة والبر بالوالدين كما يجب علينا أن نجنب أبناءنا مصاحبة أصدقاء السوء حتى لا يقتدوا بهم مستقبلاً».
إحساس مدمر
«تزداد حاجة الآباء والأمهات إلى الجو العائلي كلما تقدم بهم السن هذه ما أكده الدكتور معمر مفهدر أخصائي طب نفسي, وأضاف :الجو العائلي في هذا العمر أقوى من أي دواء وإشراك المسن في الأمور العائلية ولقاءات الأقارب وأصدقاء العائلة يخرجه بدرجة كبيرة من مشاكله وهمومه لينطلق إلى عالم أكبر , كما أن العناية الصحية سواء الاهتمام بغذاء المسن أو إعطائه الدواء أو تنظيف ثيابه ..كل هذا لا يمكن أن يتم على الصورة المطلوبة إلا في الجو الأسري «
يواصل الدكتور معمر حدثيه قائلاً :إن أخطر ما يتعرض له المسن تلك الضغوط النفسية التي يفرضها المجتمع من حوله , وبخاصة عقوق الأبناء وما يصاحبه من شعور بالوحدة وفقدان الثقة بالنفس جراء الشعور بانعدام الحاجة إليه أو توفيره ما يسبب لهم الحزن والحسرة على شبابهم الذي قضوه في تربية أولاد لم يبادلوهم الإحسان إحسانا .
وازع الدين
يظل الأمر رهن ضمير المرء ووازعه الديني , فديننا الحنيف فرض على الإنسان واجب البر بوالديه كما ربياه صغيرا والإنفاق عليهما ومعاملتهما بالحسنى وعدم الضجر منهما حتى قول كلمة «أف»وعدم نهرهما أو رفع الصوت عليهما أو الصراخ في وجهيهما والانزعاج منهما , فكيف بمن يتأفف من والديه ويشتمهما أو يمد يده عليهما ويتنكر لهما ويجحد معروفهما ولا يحسن اليهما في كبرهما ؟!!.
يشير فقهاء الدين إلى تشديد رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على البر بالوالدين خاصة عند الكبر امتثالاً لقوله تعالى « وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» .. مؤكدين أن الله عز وجل أعتبر عقوق الأولاد لآبائهم وأمهاتهم من كبار الذنوب التي يعاقب عليها العاق في الدنيا والآخرة.
Next Post
قد يعجبك ايضا