*قتل العدوان عائلتها ودمر منزلها
خالد مسعد
هناك في الحدود، في أقصى الشمال الغربي لمحافظة حجة.. كل يوم يمضي تنحدر معه مؤشرات الإنسانية إلى الهبوط باتجاه الاندثار .
بعد أن أصبحت جرائم العدوان السعودي معروفة لدى العالم بجميع مكوناته لم يبق في جبين الإنسانية ماء حياء، وهي تشاهد بصمت أبناء اليمن تحت وطأة نيران العدوان وحصاره.
وليس في قاموس العدوان السعودي أخلاقيات تلتزم شريعة الإسلام وشرعة القانون الدولي وقبلها قيم الإنسانية التي تجرم استهداف المدنيين العزل بالاعتداء أو تدمير منازلهم أو تشريدهم أو حرمانهم من مصادر دخلهم أو العذاء والماء والدواء.
خلف هذا العدوان الظالم على بلادنا مآسي إنسانية مؤلمة ومبكية تركت أثراً نفسياً موجعاً، ومن ذلك مأساة الحاجة مريم حسن ،من محافظة حجة مديرية حرض عزلة البتارية ، التي زارتها صحيفة “الثورة” في مخيم النازحين بالمنجورة في مديرية عبس:
“مريم” أرملة في العقد الرابع من عمرها لم يعد لها في الحياة عدا زاوية داخل خيمة لا تقيها هطول الأمطار وموجة البرد الشديدة ناهيك عن افتقارها للغذاء والدواء والماء ،وعوضاً عن الرعب الذي يحدثه لها كل يوم القصف المتواصل لطيران العدوان على المنطقة الحدودية، حيث لا تبعد عن مكانها سوى ??كيلو متراً مربعاً ..
وقفت مريم عند وصولنا إليها وفي خيالها أننا منظمة خيرية ،بادرتها قائلاً: إنني صحفي لا استطيع تقديم شيء لها ،لكن سأنقل معاناتها إلى المعنيين لعلهم يستطيعون مساعدتها ..وإلى العالم ليطلعوا على الدمار الإنساني الذي خلفه هذا العدوان الغاشم على الشعب اليمني.
سألتها: من يعولها ويقوم بواحبها ؟
قالت: معي الله.. وتابعت بأسى: خالد ابني خرج يوم الربوع ولم يعد وابنتي المتزوجة ماتت في قصف الربوع وزوج ابنتي مثل خالد خرج ولم يعد وقالوا مات، زوجي ايضاً مات بين من ماتوا في القصف حق مزرق.
ظلت تجيب على أسئلتي ودموعها تنهمر ولا تتوقف، فقلبها يحترق ويموت كمداً.. على ابنها الوحيد (خالد ??عاماً) الذي كل المعلومات تفيد بأنه استشهد في مجزرة قصف العدوان سوقاً شعبياً في حرض يوم الاربعاء السادس من ابريل الماضي
تطاير جسد خالد مع اشلاء عشرات المواطنين ولم يستطع أحد انتشالها ،بينما زوج ابنتها وزوجها استشهدا مع نحو 40 نازحاً في مجزرة قصف العدوان لمخيمات النازحين في المزرق، فيما ابنتها هي الأخرى ودعت الحياة متأثرة بجروح تعرضت لها في قصف “الاربعاء” كما يسميه أبناء حرض.
لم يعد لدى “مريم” يواسيها في محنتها الإنسانية هنا في مخيم “المنجورة” سوى حفيدتها “سوسن” ذات السبع سنوات من عمرها والتي تعاني ظروفاً نفسية معقدة خلفتها لها هذه الحرب الظالمة .
بنبرة مبكية وبصوت يتحشرج تواصل الحاجة مريم سرد مأساتها:
” كان في حرض ابني خالد معه دباب “دراجة نارية” شاقي علينا وكان زوجي يشتغل في المقوات وأنا معي في الحارة “بقالة” فيها من كل شيء ..كنا نأكل ونشرب ولم نمد ايدينا لأحد وحالنا مستور ، إلى يوم “الربوع” ،هذا اليوم الذي حرمني فيه العدوان السعودي من خالد ابني ،،خالد الذي أراه يساوي الدنيا ،ما معي غيره أحد ،والله عادني كنت اشتي أزوجه …..
وتضيف: الله يحرمهم الجنة مثلما حرموني خالد ،حرموني بنتي وزوجها حرموني زوجي ابو خالد. … حرموني دكاني الذي كان فيه بضاعة بأكثر من مليون ريال، ما بقي لنا ولا شيء، بيوتنا دمروها ..شردونا …خرجت من حرض أنا وهذه الطفلة “تقصد حفيدتها سوسن إبنة ابنتها الشهيدة” هاربين ما معي غير الستار أي شيء.. مشيت من حرض مترجلة حتى وصلت لبني حسن (تقصد هذا المخيم) .
بضيق الحاجة مريم تجهش في البكاء، وتابعت:
“شوف حالنا اليوم ،المطر علينا ..البرد علينا ..نرقد جائعين ،الليل نسري خائفين “امطايرات” فوقنا ..ابنتي سوسن إذا سمعت “امطايرة” تجري مجنونة” تقصد حفيدتها سوسن ،مصابة بصدمة نفسية جراء القصف على حرض وعلى المناطقة المجاورة لمكان نزوحها .
مريم .. مأساة مؤلمة ..وقصة مبكية ،فقدت زوجها وابنها وابنتها وزوج ابنتها ،واضحت وحيدة تذرف الدموع ..دموع الفقد والحرمان والخوف من الحاضر والغد.. ودموع القهر والعذاب بسبب وضعها الإنساني الكارثي ،بعدما فقدت كل مقومات العيش، وأمست بلا مأوى أو مأكل أو مشرب أو دواء، عوضاً عن الرعب والخوف والقلق الذي ينهش قلبها وقلب حفيدتها بسبب قصف طائرات ومدفعية العدوان السعودي المتواصل على المنطقة.