استطلاع/ نافع الحكيمي وائل شرحة –
يتساءل العديد من المواطنين عن الأسباب الرئيسية للعلاقة التنافرية والفجوة الواسعة بين منتسبي وزارة الداخلية والمواطن عموماٍ.. ولماذا يفضل هذا المواطن أو ذاك بحل مشاكله وخلافاته بعيداٍ عن أقسام الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية.. هذه التسأولات وغيرها حاولنا الإجابة عليها من خلال الآراء والإجابات التي حصلنا عليها ممن شملهم هذا الإستطلاع:
في الوقت الذي كان يلقي وزير الداخلية اللواء الدكتور عبدالقادر قحطان كلمته أمام اجتماع قيادة وزارة الداخلية الـ»21« داعياٍ إلى شركة مجتمعية وطنية فاعلة ومتفاعلة لتحقيق الأمن سواء للأخطار التي تهدد المجتمع أو الفرد كان عدد من الإعلاميين والذين يعدون من النخبة المجتمعية ممن قدموا لتغطية الحدث يتعرضون لسوء المعاملة والتهميش من قبل المسئولين مع المواطن العادي وهم بعيدون عن قادتهم.
في البداية أوضح الأستاذ مفتاح الزوبة أستاذ جامعي بأن العلاقة بين المواطن ورجل الأمن لا بد أن تبنى على أسس صحيحة وسليمة بعيداٍ عن العلاقات خارج نطاق العمل لأنها ثقافة مجتمعية لا بد أن نتثقف بها جمعياٍ سواء كنا مواطنون أو رجال أمن.
مؤكداٍ أن كلاٍ من رجل الأمن والمواطن بحاجة إلى تثقيف عام يتعلق بطرائق التعامل مع بعضنا البعض وكذا حدود العلاقة بين الجانبين مستطرد القول أنه وفي بلادنا للأسف الشديد هناك بعض رجال الأمن لا يعلم ما هي حقوقه ولا واجباته لذلك يعتبر المواطن »فيد« لا بد أن يستفيد منه – خارج إطار القانون – قدر الإمكان.
مشيراٍ إلى أن هناك بعض الممارسات الخاطئة في أقسام الشرطة تقوم على الإبتزاز وامتصاص نقود المتخاصمين أو الخارجين عن القانون والمصيبة أن بعض رجال الأمن يعتبر ذلك مما يجوز له. وشجعه على ذلك أن بعض المواطنين لا يعلم أيضاٍ حقوقه ولا واجباته فبمجرد دخوله قسم الشرطة يبحث عن وسيط أو سمسار ليكمل إجراءاته أو معاملة أو بلاغ أو فتح محضر وكأن الأمر أصبح عرفاٍ مجتمعياٍ لا أدري بالضبط من نشره لكني ألمسه كلما دخلت قسماٍ للشرطة أو منطقة أمنية أو حتى مراكز خدمية تتبع وزارة الداخلية هذا هو السائد ونتمنى أن يزول قريباٍ.
هيبة الأمن
بينما تساءل الأخ محمد علي مهدي – سائق تاكسي – عن المحاولة الخاطئة لأجهزة الأمن في إثبات وجودها وهيبتها على فئة من الناس وهم الفقراء أو الضعفاء كمنع حمل السلاح على المساكين وتسمح للمشائخ والخارجين عن القانون والمقلقين للمواطن المدججين بالأسلحة الثقيلة أن يمروا في شوارع المدن دون سؤال أو استفسار.
مضيفاٍ أن تتحقق هيبة الدولة يكون بتطبيق النظام والقانون على الجميع وليس بكثرة النقاط المتواجدة في شوارع أمانة العاصمة الرئيسية والفرعية التي سكنت حتى تحت الأنفاق والجسور وذلك نتيجة عدم التخطيط الجيد لأفراد الأمن والشرطة الذين يمارسون عملهم بكل عنجهية واستهزاء من خلال إغلاق الشوارع وترك منفذ واحد ليسبب الحوادث أثناء المرور.. وفتح الونان دون أية مهمة.
مؤكدا على ضرورة قيام وزارة الداخلية بحملات توعية لبعض أفراد الشرطة المتواجدين في أقسام الشرطة الذي يضطر المواطن لزيارتهم عند أي مشكلة أو عند التعريف به أثناء قطع البطاقة الشخصية حيث لا يتم الاعتراف بك إلى بمجرد حق القات وهذا يناقض من مقولة الشرطة في خدمة الشعب.
طز فيك
وأضاف الأخ أحمد محسن يطلب منا التعاون مع رجال الشرطة بالإبلاغ عن أي عمل إجرامي خارج النظام والقانون والذي يمس أمن الوطن والمجتمع من خلال الإدلاء بأية معلومات تساعد رجال الأمن في الحد من انتشار الجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار في الوقت الذي نتعرض فيه لمعاملة سيئة من قبل بعض أفراد الأمن والشرطة غير الملتزمين قانونيا.. فكيف سنتعاون معهم ولمن سيرفع المواطن شكواه.
روى أحد المواقف التي تعرض لها حيث انطفأت سيارته نتيجة لضعف عزمها على أحد المطباة بجوار نقطة أمنية في مديرية بني حشيش وعند محاولته المرور من هناك إذا بصرخات رجل الأمن دوت في مسامعه حسب قوله وهو يتساءل عن أوراق السيارة التي لم تشفع له عند عرضها بسبب انفطاء السيارة ليتلفظ الجندي بألفاظ بذيئة بمجرد أنه حاول الرد على سؤاله أين يعمل قائلاٍ: أنت من رئاسة الجمهورية طز فيك أنت من رئاسة الوزراء طز فيك.. ففي هذا الحال إلى من يلجأ المواطن اليمني ويرفع شكواه وأين سيجد الأمن والأمان بعد أن فقد ثقته من رجال الأمن والشرطة.
العشوائية شعار لهم
بدوره يرى الأخ أحمد حزام – سائق تاكس – بأن تواجد بعض نقاطاٍ العسكر بأمانة العاصمة ليس لها أي داع وبدون فائدة مؤكدا أن هناك نقاط مختلفة على نفس الخط ولا يفرق بينها الا بعض الأمتار مستغربا أن يكتب على لوحة في بعض النقاط (من أجل سلامتكم) في حين أنها سبب في الإزدحام المروري بقطع أكثر من خط سير للمركبات ويبقون خطاٍ واحداٍ فقط للتفتيش مما يسبب أعباء كثيرة لغالبية الناس فمنهم من لديه مرض وآخر يريد الوصول إلى مكان عمله وأشياء أخرى أدت إلى حدوث حوادث مرورية يتحملها أولاٍ وأخيراٍ أولئك الجنود الذين اتخذوا العشوائىة شعاراٍ لهم.
سلوك عكس نفسه
أكد الدكتور علي حسين العمار أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام بجامعة صنعاء نائب مدير مركز التعليم عن بعد أن العلاقة بين المواطن ورجل الأمن علاقة تكاملية فالأول بحاجة إلى الحماية الكاملة لنفسه ولأهله ولماله والثاني بحاجة إلى مساعدة المواطن في التزامه بالنظام والقانون من أجل أن يقوم رجل الأمن بمهامه المنوطة به على أكمل وجه ليشعر بعدها المواطن بالأمن والاستقرار لأن الإحساس بالأمن والإطمئنان نعمة كبيرة ودلالة واضحة المعالم على استقرار نسبي في العلاقات الاجتماعية والإنسانية في المجتمعات لا يدرك قيمتها الحقيقية سوى من يفتقد لها في عالم تتناقص فيه درجة الوعي والأخلاق والضمير وفي مجتمعنا اليمني تزايدت وبشكل ملفت عمليات الإخلال بالأمن في كثير من المحافظات بسبب المماحكات السياسية والمذهبية وانشقاق الجيش وهيمنة بعض مراكز القوى بمسلحيها على الأمن والاستقرار في ظل ضعف الأجهزة الأمنية للأسباب آنفة الذكر مما أدى إلى وجود علاقة سيئة.
وأشار أن الصورة الذهنية لرجل الأمن لدى المواطن أصبحت سيئة بسبب كثرة الاختلالات الأمنية مثل التقطعات وأعمال القتل والسرقات وعدم احترام تعليمات المرور ووووو….الخ وحتى يحسن رجل الأمن من الصورة الذهنية له لدى المواطن عليه القيام بواجباته على أكمل وجه سواء في أقسام الشرطة وفي نقاط التفتيش أو في أي مرفق يؤدي واجبه فيه لكن بالمقابل على المواطن احترام رجل الأمن ومساعدته في تأدية مهمته من خلال التزامه بالقوانين واحترامه للنظام والدستور وعدم حمله للسلاح والتجول به واحترام قواعد المرور وعدم إيواء المجرمين أو التستر عليهم وعلى النخبة المجتمعية أن تكون القدوة في تعميق هذه العلاقة في إطار القانون والدستور ومن يخل بهذه العلاقة يجب محاسبته أيا كان.
ولذلك نجد أن هناك هوة بين علاقة المواطن ورجل الأمن زاد من اتساعها الوضع السياسي الصعب الذي تمر به اليمن ولكي نسد هذه الهوة لا بد من أن تستعيد الدولة هيبتها من خلال تطبيق النظام والقانون على الكبير والصغير وبعدها يأتي دور العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية من أجل توعية رجل الأمن في كيفية تعامله مع المواطن واحترامه لمبادئ وحقوق الإنسان والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور اليمني وكذلك توعية المواطنين في كيفية الحفاظ على الأمن والاستقرار واحترام رجل الأمن الذي يؤدي واجبه في خدمة المواطن والمجتمع.
إصلاح العلاقة
> أما الدكتور أحمد محمد قاسم عتيق أستاذ الإجتماع فقد تحدث عن العلاقة بين المجتمع والمؤسسة الأمنية قائلاٍ: أنه لا بد أن ندرك أن هناك مجموعة من المؤسسات التي تعمل على تنظيم وخدمة وإصلاح العلاقات العامة ما بين أعضاء المجتمع من ناحية وما بين المجتمع ومؤسسات الدولة من ناحية ثانية ومن أجل فرض هيبة القانون والمساعدة على الضبط الاجتماعي من ناحية أخرى لتصبح العلاقة ما بين الدولة والمجتمع في مساقها الصحيح.
مشيراٍ إلى أن المؤسسة الأمنية هي أداة الضبط القانوني السليم في المجتمع شريطة أن تعمل وفقاٍ لتلبية حاجات المجتمع القانونية الاجتماعية والسلم والأمن الاجتماعيين لذلك يلحظ أن رجال الأمن والشرطة في العالم المتقدم ينظر إليهم بعين الاحترام لأنهم يمارسون مهامهم في المسار الصحيح ما يؤدي إلى خلق علاقة إيجابية بين المؤسسة الأمنية وكل أدواتها مع المجتمع مضمون هذه العلاقة تأمين الحياة الاجتماعية للناس من الأخطار كافة مثل »السرقة وعبث العصابات والخروج عن القانون واستقرار المجتمع وحفظ السلام الاجتماعي وحماية المصالح العامة والخاصة والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة« الأمر الذي يشعر المجتمع بحاجته لرجل الأمن وما يقوم به من أعمال عظيمة تستحق التقدير والاحترام والمكافأة وهذا بدوره يحدث تغذية راجعة لدى شرطي الأمن ما يجعله يتفانى في عمله حتى يحافظ على مكانته في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أي أن العملية في مجملها حالة من التأثير والتأثر الإيجابي بين المؤسسة الأمنية وأفرادها في المرور وفي البحث والشرطة والشرطة الراجلة من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى.
مستطرداٍ القول: أما في بلدنا وللأسف فإن العلاقة بين هذه المؤسسة وفروعها المختلفة مع المجتمع مرت ولفترات طويلة عبر التاريخ منذ حكم الإمام وحتى الآن بمحطات في غالبيتها سلبية.
وقال يجب أن نتذكر كيف كان يتعامل العسكري مع المواطن في الريف عندما يريده يمثل أمام القانون بدءاٍ من التهجم على منزل القروي ورغبته غير الشرعية في الدخول إلى المنزل وبندقيته المتعرضة وليس مستقيمة ويلتو هذا الصلف المزيد من فرض الغرامات وابتزاز المواطن ويفرض عليه شراء القات والغداء الفاخر ولا فرق عند العسكري في أن يكون المواطن غنيا أو فقيرا بل أن همجيته ورعونته تزداد وتتصاعد على الفقير أكثر من غيره وهذا الإرث التاريخي البغيض جر نفسه حتى الآن وسبب في خلق مثال سيء للعلاقة ما بين شرطي الأمن والمواطن.
وأكد أن السب في ذلك يعود إلى عدم العمل من قبل مؤسسات الدولة في إطار القانون في تعاملها مع المواطن خاصة الانتهازي في القفز على القانون وتخطيه في سبيل تحقيق أغراض خاصة بصورة غير شرعية وغير مبررة وهذا ينطبق في الحالتين على الوصول إلى حق شرعي أو إلى حق غير شرعي من جهة ثانية. وعدم تفعيل أدوات الرقابة والتفتيش في وزارة الداخلية والنيابة والقضاء في اتجاه متابعة السلوك غير القويم لرجالات الأمن ورفع الحالات المخالفة للقانون سواء كانت لأحد التابعين للمؤسسة الأمنية أو للمواطن الذي يسلك هذا السلوك والبت فيها بمعاقبة المسيء وإثابة المحسن حتى تصبح عملية الامتثال للقانون مفعلة ومرغوب بها نتيجة لعمليات الضبط القانوني وتفعيل الرقابة في هذا الاتجاه بالشراكة مع الرقابة الاجتماعية.
إضافة إلى وقوف بعض النافذين خلف سلوك المخالفين من رجالات الأمن والذين يعملون دائماٍ على تعنت المواطن وابتزازه وامتهان كرامته ومصادرة حقوقه ونهب في أحيان ممتلكاته.
كما أن ترك المؤسسة الأمنية الرسمية للمشائخ وأتباعهم ممارسة بعض أعمالهم أو إشراكهم بها يؤدي إلى صراع الأدوار تكون الغلبة فيه للنافذ القبلي ما يخلق حالة من التذمر وعدم الاحترام من قبل المواطن للمؤسسة الرسمية التي تمتلك كل الأدوات القانونية والتشريعات وفاعلية الضبطية ومع هذا لا تقوم بدورها المأمول.
وشجع على تستر بعض المسؤولين أو المشائخ القبليين على المجرمين في حق المجتمع مما يمنع نفوذ القانون إليهم وهذا بدوره يعمل على حدوث الإحباط بين الأفراد وأصحاب المظلوميات في المجتمع ما يسبب عدم الركون إلى الدولة ومؤسساتها الأمنية الرسمية واللجوء بدلاٍ من ذلك إلى المؤسسات الاجتماعية ذات المرجعيات القبلية التي تبتز المواطن ولكنه مضطر للحل من هذا النوع لأن لا خيار له فإما ضياع حقه عبر رجل الأمن وإما الوصول إلى حقه ولو بكلفة عالية.
وزاد على ذلك سواء لجوء بعض رجل الأمن في مؤسسات الداخلية المختلفة وفي تعامله مع المواطن إلى الإحساس بخيبة الأمل والقناعة بأن هذه المؤسسة بدلاٍ من أن يتمثل فيها القول: للشرطة في خدمة المجتمع تحولت إلى الشرطة تبتز المجتمع.
مؤكداٍ أن العلاقة بين المؤسسة الأمنية بكل فروعها مع المجتمع حتى تصلح يجب القيام بمجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة الثقة بين الطرفين وهذا يتطلب تفعيل التوعية بأهمية العلاقة الإيجابية عبر وسائل الإعلام المختلفة – إلزام رجل الأمن بأهمية دوره في الضبطية القانونية من أجل خدمة المجتمع وتفعيل أدوات الرقابة والتفتيش القانونية مع الشراكة المجتمعية حتى تْحاصر السلوكيات غير القانونية وصولاٍ إلى القضاء عليها وإزالتها وتغليب الدور القانوني المؤسسي للمؤسسة الأمنية وفرض هيبة الدولة على الدور غير القانوني للرجالات القبائل.
وحتى يحدث هذا الأمر بالصورة الصحيحة يقول الدكتور عتيق لا بد من إقامة فعالية التوعية المختلفة مثل الندوات المحاضرات العامة برامج التوعية في وسائل الإعلام المختلفة يكون الهدف منها إعادة العلاقة بين رجل الأمن من ناحية والفرد في المجتمع من ناحية أخرى إلى القاعدة القانونية الاجتماعية السليمة التي تكفل للمواطن الوصول إلى حقه القانوني وتحفظ لرجل الأمن مكانته واحترامه على أسس قانونية واجتماعية.
الهيكلة بدون سلبيات
وأوضح اللواء الدكتور رياض القرشي في ورقة العمل المقدمة للمؤتمر 21 لقادة الداخلية أن كثيرا من المصطلحات والشعارات قد فقدت مصداقيتها أمامه وأمام الجماهير مثل “الشرطة في خدمة الشعب” و”دولة النظام والقانون” وأن الشرطة “ولاءها لله والوطن” وغيرها من الشعارات وكل ذلك بسبب سوء الممارسة التي كانت مسيطرة على وعي الشرطي وعلى سلوكهم وتصرفاتهم حتى أصبحت هذه السلبيات أمراٍ طبيعيا.
مؤكدا أن الهيكل الجديد الذي صادق عليه رئيس الجمهورية وتعمل اللجنة على الانتهاء من بقية الإجراءات تسعى إلى إنشاء جهاز شرطي قادر وفاعل يعتمد على المهنية والتخصص ويحتكم إلى سيادة القانون ويطبقه بكل صرامة واقتدار لا ولاءات ضيقة توجهه مثل “الحزبية أو القبيلة أو العصبيات المذهبية والطائفية تو الولاءات الشخصية…” وإنما يكون ولاؤه لله والوطن ويضع نصب عينيه جودة الخدمة التي يقدمها للمواطنين من خلال قيم الشفافية والنزاهة حتى يستطيع أن يكسب ثقة المواطنين واحترامهم وفي الوقت نفسه يسود العاملون في هذا الجهاز الترابط والتماسك والثقة بالنفس والاعتزاز بالانتماء لمهنة الشرطة.